يري الكثير من الخبراء ان وسائل الإعلام الأمريكية, قد ابتليت في السنوات الأخيرة, بجميع أنواع المشاكل بما في ذلك انها لم تعد تكترث كثيرا بان تخفي تحيزها, ولم تعد تبذل الجهد الكافي لإقناع المواطن الأمريكي بما ظل يعتقد لعقود انه حقه الأصيل في ظل نظام ديمقراطي, ان يعرف الحقائق المجردة وان يقرر بنفسه ما يريد, لهذا كان من الطبيعي ان تظهر احدث استطلاعات الراي, ان 77% من الامريكيين لم يعودوا يثقون كثيرا في حيادية وسائل اعلامهم, خاصة تجاه تغطية الحملات الانتخابية الرئاسية لعام 2012. منذ نشأة الولاياتالمتحدة كان هناك حزبان متنافسان, لكنهما ظلا لزمن طويل قادرين علي تقديم التنازلات والعمل مع بعضهما البعض من اجل تحقيق المصالح العليا لأمة جديدة, لكن سرعان ما طفت علي السطح هذه العلاقة من التحيز البغيض من قبل وسائل الإعلام تجاه احد الحزبين, كما يري العديد من المؤرخين, وتحديدا منذ نهاية القرن التاسع عشر, عندما أصبحت كل جريدة تعلن بوضوح انحيازها لحزب معين, في تسعينيات القرن التاسع عشر, روجت الحركة التقدمية الأمريكية لفكرة أن الوظيفة الحقيقة لوسائل الإعلام هي توجيه وتشكيل آراء الناخبين "الجهلة" وغير العقلانيين, والذين لا يمكن الوثوق بهم في القيام بالاختيار الصحيح, لذا قررت الصحافة الأمريكية, كما يكتب المؤرخ الأمريكي شيلتون وليامسون, انه بعكس ما يتم الترويج له علنا, فان دورها هو أن لا تقدم الحقائق بشكل مجرد, بل مع توجيه غير ظاهر ولتحقيق الهدف الأمريكي المتعالي "إنقاذ البشرية", وللقيام بذلك كان يجب تقديم الحقائق بالشكل الذي يكفل التوجيه نحو الاختيارات اللازمة لخلق العالم كما تراه النخبة السياسية. ولكن كما يري اورفيل شيل, عميد كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كاليفورنيا, فقد واجهت الصحافة الأمريكية ومعها وسائل الاعلام عدة مراحل من التحول نحو التحزب الذي أصبح يمثل خطرا علي المجتمع الامريكي, وذلك منذ الستينيات, وبشكل متصاعد حتى اليوم مع تزاوج واضح بين اختيار الرئيس وتحقيق المكاسب التجارية, وتحيز من يضعون الاستراتيجيات لهذه الزيجة باعتبارهم المتفوقين أخلاقيا وفكريا علي كتلة الناخبين السذج, هؤلاء الذين لا يتجاوز دورهم وضع الرئيس في البيت الأبيض. كان التطور التالي,الذي رفع من نفوذ وسائل الاعلام في فترة ما بعد الحرب علي فيتنام, هو صعود قوة التليفزيون وانخفاض عدد الصحف, مع التركيز علي تقديم المعلومات الهامة لتلوينها لصحف بعينها منها واشنطن بوست ونيويورك تايمز, ثم كان التطور الاخير في الثمانينيات بظهور البرامج الحوارية, التي عملت علي تقديم الانحياز الفج باعتباره وجهة نظر حرة أو ليبرالية, وربما من هنا ظهرت بوضوح إشكالية انحياز وسائل الإعلام الليبرالية تجاه الديمقراطيين علي حساب انحياز وسائل الاعلام المحافظة تجاه الجمهوريين, وربما كان ابرز مثال علي هذا التحيز سقوط شبكة سي بي اس نيوز في اكبر خطايا التحيز الإعلامي, عندما قدم رمزها الإعلامي البارز علي مدار 33 عاما دان راذر في سبتمبر 2004, قبل بضعة اشهر من الانتخابات الرئاسية تقريرا عن وثائق حاسمة تؤكد خروج المرشح للرئاسة جورج بوش, دون اذن من وحدته العسكرية في تكساس قطاع الحرس الوطني الجوي عام 1973, وسرعان ما اثبت ان الوثيقة مزورة, ورفض راذر الاعتراف بالخطأ وخسر للابد موقعه في قناة سي بي اس. كان الرئيس الامريكي, فرانكلين روزفلت(1933-1945), هو حقا أول من منح الإعلام الأمريكي, هذه القوة الأسطورية في صناعة تأييد الرئيس, فقد نجح روزفلت بالرغم من الصعوبات البالغة والتحديات التى واجهتها الولاياتالمتحدة, في استغلال ما كان يعتبر العصر الذهبي للإذاعة, عبر برنامجه الإذاعي الاسبوعي, احاديث حول المدفأة, فيما يعتبره العديد من المؤرخين من اهم اسباب استمرار روزفلت -الرئيس المصاب بشلل الاطفال- لاطول فترة رئاسة في التاريخ الامريكي, فقد خدم لاربع فترات متتالية, وهكذا فقد لفت روزفلت انظار السياسيين الي اهمية استخدام وسائل الاعلام في كسب التاييد الجماهيري. وسرعان ما التقطت وسائل الاعلام هذا النهم من قبل السياسيين, ويمكن القول حرفيا ان الترويج للسياسي في الولاياتالمتحدة هو مثل الترويج لاي سلعة, ومن حق المرشح للرئاسة ان يشتري فترات اعلانية علي قنوات التليفزيون, وان يستخدمها ليس فقط في الدعاية لنفسه وبرنامجه ولكن ايضا لتقديم صورة سلبية عن المرشح المنافس. وان كان معظم المحللين يعتقدون انه مع الرئيس باراك اوباما مثل انحياز وسائل الاعلام الليبرالية نقلة نوعية في التاريخ الامريكي, خلقت قدرا كبير من الكراهية الحزبية لا يعتقد الكثير من الخبراء انه سيمكن تجاوزها قريبا, ويذكر علي سبيل المثال كيف قدمت الصحافة الامريكية اوباما خلال خلال حملته الانتخابية للفترة الاولي 2008 علي انه "القديس اوباما" مع صور تتعمد اظهار هالة من الضوء فوق رأسه, وخلال حملته 2012, تعمدت وسائل الاعلام التعامل مع الهجوم علي السفارة الامريكية في بنغازي باعتباره هجومل ارهابيا, حتي لا تؤثر علي الحملة الانتخابية لاوباما من اجل ولاية ثانية, وهو الانحياز الذي يتم حاليا فحصه من قبل لجنة تحقيق خاصة حول عدد من التجاوزات التي قامت بها ادارة اوباما.