قلبي يعتصر ألما أشعر بالوحدة في الكون الفسيح بعد رحيله.. لا أري فيه سماء ولا أرضا ولا كل ما تراه العيون.. دمائي تدور في عروقي دورتها الأخيرة فتدور معها أشجاني علي فراق فلذة الكبد. علمني رحيله الولع.. أحرقتني الأحزان وأصابتني بالجنون.. أصوات ضحكاته ترن في أذني.. صورته تتراءي أمامي أينما توجهت.. خلا البيت الصغير من طائر الجنة ولم يترك سوي أصوات الصراخ والعويل علي فراق أغلي الناس.. التفت حولي لم أجد من استدفيء بأنفاسه الطاهرة فقدت من كنت أحتضنه بين ضلوعي، فيبث في صدري الراحة والأمان.. كان فلذة كبدي الضحكة الشفافة والقلب الطيب إلا أن يدا غادرة سلبته روحة البريئة لأعيش بدونه مثل عود أخضر في أرض جدباء. كلمات بطعم المرارة ولون السواد ورائحة الحزن والألم فاحت من قلب الأم الثكلي التي فقدت وليدها الطفل الوحيد علي يد تاجر ضلت الإنسانية طريقها إلي قلبه. استيقظت الأم المكلومة كعادتها فجرا وهرولت إلي المطبخ لتعد كل ما لذ وطاب لصغيرها كي يدسه بين كراساته وكتبه ويتوجه إلي المدرسة.. ثم ذهبت إلي غرفته لتطبع علي وجنتيه القبلات لإيقاظه وفي كل يوم كان يداعبها ويتأخر في الاستيقاظ إلا أن ذلك الصباح فتح عينيه بسرعة بمجرد أن اشتم أنفاس أمه وراح يبحلق فيها نظرة المسافر يلا رجعة. ارتدي الصغير ملابس المدرسة وحمل حقيبته علي كتفيه وكلما اقترب من باب الشقة عاد ثانية لاحتضان ست الحبايب وهي تضمة بقوة بين ضلوعها وكانت لا تعلم أنها المرة الأخيرة التي تري طفلها حيا، وأنها لم تستدفيء بأنفاسه الطاهرة البقية الباقية من عمرها. نزل الصغير درج البيت المتواضع بمنطقة الوراق وهو ينظر لأعلي ويرسل القبلات لوالدته التي كانت تراقبه من أمام باب الشقة حتي خرج من العقار ليتوجه إلي المدرسة، بعدها انتابت الأم الثكلي حالة من القهر.. حزن دفين جثم علي صدرها.. أنهار من الدموع انسالت علي وجنتيها.. حتي الكلمات انحشرت بداخلها وكأنها كانت تنتظر خبرا مشئوما.. توجهت لغرفة صغيرها تحتضن ملابسه التي تفوح منها رائحته.. تقبل صورته.. تنظم كتبه وأوراقه حتي جاءت الساعة الثانية ظهرا موعد عودته.. وهرولت إلي الباب تقف خلفه لتفتحه عندما تسمع أقدامه علي الدرج، مرت الدقائق عليها كالدهر، وهرولت إلي شرفة الشقة عله يقف مع رفاقه في الشارع دون جدوي.. صرخت من أعماقها علي وليدها، وفي لمح البصر انتشر الأهل والجيران في الشوارع والطرقات للبحث عن الصغير الذي عشقه كل من عرفه. تلقي الأب مكالمة هاتفية من مجهول ادعي أنه اختطف الصغير وطلب 50 ألف دولار فدية لإطلاق سراحه، وتعددت المكالمات الهاتفية وخلالها تمكنت المباحث من تحديد شخصية المتحدث وتبين أنه تاجر الأثاث، وألقت المباحث القبض عليه. اعترف المتهم بأنه تربص للصغير في أثناء نزوله من منزله في طريقة للمدرسة واختطفه داخل معرض الأثاث بمنطقة الوراق وكبل يديه وقدميه بالحبال ووضع لاصقا علي فمه حتي لا يستغيث وحرمه من المأكل والمشرب لمدة ثلاثة أيام، وعندما خشي أن يفضح الصغير أمره إذا أطلق سراحه انهال عليه بطفاية حريق علي رأسه حتي تهشمت وسقط علي الأرض جثة هامدة. ولكي يخفي معالم جريمته حفر داخل المعرض حفرة كبيرة ووضع الصغير داخل كيس بلاستيك ودفن جثته داخلها وكأن شيئا لم يكن. أمام النيابة اعترف ذو القلب الميت والضمير الغائب بأن الصغير توسل إليه من قبل وفاته أن يروي ظمأه بقطرة ماء واحدة إلا أن قلبه العليل لم يرق له ثم توسل إليه أن يري أمه ولو من بعيد عندما أخبره الجاني أنه سوف يقتله انتقاما من أبيه. انكفأ الصغير علي قدم الجلاد يقبلها أن يطلق سراحه، وأنه لم يتفوه بكلمة واحدة عنه ثم طلب منه أن يحضر له أمه ثم يقتله بعد ذلك فهو يتمني الموت بين أحضانها، إلا أنه تلفح بعباءة الشيطان وقتل الصغير دون ذنب. وأضاف أنه ارتكب جريمته نكاية في والد الطفل الموظف الذي اقترض منه مبلغا من المال وماطله في سدادها، فقرر أن يحرق قلبه علي ابنه الوحيد مما دفعه لارتكاب جريمته، وأمرت النيابة بحبسه وأسدل الستار علي جريمة هزت قلوب سكان منطقة الوراق.