كارثة أزهقت روحي وطردتها من الحياة.. رحلت صغيرتي بباقي أمني وأماني.. أسراب التعاسة تطن حول أذني.. انطفأ في عيني بريق الحياة.. وشاخت أحلامي.. ورحلت سنوات عمري برحيل صغيرتي. كانت الضحكة الشفافة والعيون اللامعة والوجه الملائكي الذي لم تلونه الايام كانت غرسي وفرحة حصادي كانت ملائكية الأوصاف.. في العين لمعة وفي الصمت براءة وعمر الزهور في ليونة قدها.. ونسائم تهب من أنفاسها العطرة.. كانت كلماتها المتعثرة رقيقة مثل همس العيون, كان وجهها في بحور البراءة زورقا للمعاني الطيبة ولكنها ضاعت مني في لحظات ومعها ضاعت كل سنوات عمري وجهها الطفولي يطالعني.. أتمني ان تفوت في سكني ولو حتي ظلال.. رائحتها الطيبة تفوح في المنزل آناء الليل وأطراف النهار.. أحاول أن ألقاها في كل طرقاتي.. أبحث عنها في عيون كل الأطفال.. اشتاق إليها في أحلامي.. ولم أجدها!! لم أدر أنها سوف تنزف عمرها في لحظة.. احتضنت يدي باطمئنان وأسرعت لغرفتها وكانت تتضافر في سرعة لا تلاحقها خفقات القلب.. ولم يدر بخلدي أنها علي موعد مع ملك الموت!! كلمات بطعم المرارة.. تشق القلوب المتحجرة وتزهق النفوس خرجت من حنجرة الأم الثكلي التي فقدت صغيرتها الوحيدة في لمح البصر. مرت السنوات الخمس وهي عمر صغيرتي.. كانت نابهة تسابق سنوات عمرها.. رقيقة خفيفة الظل تخطف القلوب.. ولم أدرك أن روحها الطاهرة سوف ترحل وجمرة سوف تسكن قلبي مدي الحياة. وهبتني الأقدار صغيرتي بعد ست سنوات الانتظار وكانت النور الذي سطع في سماء حياتي وأضاء كل دروبي المظلمة كنت استدفئ بأنفاسها الطاهرة في الليالي القارسة.. كانت الحلم الجميل وأردت الحياة والموت بين أحضانها.. ولكن الحلم لم يتحقق واختطفها الموت الرهيب من أحضاني. أصوات ضحكاتها ترن في أركان البيت الصغير كلماتها تداعب أذني.. حتي أصوات بكائها تشق سكون الليل في أحلامي. كان يوما لم تسطع فيه شمس النهار.. وكأن السماء أعلنت الحداد علي رحيل البريئة.. استيقظت صغيرتي صباحا كعادتها وطبعت القبلات علي وجنتي والدها قبل ذهابه لعمله وكلما هم لفتح الباب هرولت خلفه واحتضنته ونظرات بلون الرحيل وطعم الفراق كانت تشع من عيون الصغيرة ولم يدرك الأب أنها نظرات الوداع الأخيرة.. ربت الأب علي كتف صغيرته ووعدها بالعودة مبكرا واستأذنها للذهاب لعملة ووعدها بشراء الحلوي واللعب وكل ما تشتهيه نفسها.. أسرعت الصغيرة واختبأت بين أحضان والدتها وهي تداعبها وتلهو معها وتعالت أصوات ضحكاتها في ذلك اليوم وكأنها تعلم أنها الضحكات الأخيرة في ذلك البيت الصغير وسوف تسكنه الأحزان والصراخ والعويل. لم تقض الصغيرة يومها كعادتها في مشاهدة التليفزيون والانشغال بعرائسها.. ولكنها التصقت بأمها أينما ذهبت ولم تفارقها ثانية وكأن الصغيرة كانت ترغب أن ترتوي أمها من حنانها قبل أن ترحل. مرت ساعات النهار حتي جاءت الساعة الثالثة وتوجهت الصغيرة إلي شرفة غرفتها لانتظار عودة والدها من عمله كعادتها ومجرد أن وقع بصرها عليها تهللت أساريرها وراحت تصيح عليه بأعلي صوتها من الشرفة بالطابق الرابع ولم تتمالك نفسها واختل توازنها وسقطت في الشارع جثة هامدة. وهرولت الأم كالمجنونة إلي الشارع بينما كان زوجها يصعد درج البيت.. وكانت الفجيعة الكبري عندما رأي الأبوان ابنتهما الوحيدة جثة هامدة في الشارع.