(1) أبي اليوم يمر عامان هل حقاً رحلت منذ عامان ام من ألفي عام الساعة تدق العاشرة كم أكره تلك الساعة المُتحجرة العابثة بذكرياتي بعقلي بأنفاسي وآهاتي حين رحلت أيضاً كانت العاشرة كانت تدق بقسوة وكأنها خنجر ينهال على قلبي بالطعنات عشر طعنات يا أبي أم عشر دقات؟!! آهٍ من قسوة تشرين حين عصف بكل ما هو جميل بالحب والأشجار والرياحين مضى عامان ومازال كل الكون يبكي ببوحٍ كعويل قلبي تبدلت كل الأشياء الزهر والريحان حتى نسمات نيسان أغنيات الماضي والعذب من الألحان هل تصدق يا أبي صوت عبد الوهاب صار يبكي إشتاق أن تسمعه أن تدندن له ولكم اشتاقك قلبي وكل الأشياء حولي اشتاقت لك الأماكن والأركان المنزل الذي لم نرى فيه إلا الحب والأمان مازال منزلنا يحمل صوتك وهُتافك باسمي ومازالت تتحدث عنك الجدران (2) أبي زهورك تسألني عنك ريحانتك لوحاتك وفنجان قهوتك وعطرك الممزوج بجلبابك وعباءتك كُرسيك الأبيض في الشرفة يلفظ أنفاسه انتظارا لعودتك جريدتك تُحدثُني حروفها أنك ربما تعود مع صيفٍ لم يكن بقسوة خريف من عمري انتزعك أستنشق عبير أنفاسك الممتزج بحريق أيامي بعدك وأعبث بنظارتك وأتحدثُ عنك مع جدران غرفتك ألمس سريرك فأجد دفء روحك مازال يسكن أركانه تحتضنني وسادتك لتُخبرني سراً أنه لم يعُد هناك أمل في عودتك (3) أبي أتذكُر ذلك الطير الصغير؟؟ الذي كان يقف على شرفتنا يزقزق ويطير نحو غرفتنا وينادي عليك لتُطعمه وتُسقيه من قِربتنا مازال يأتيني ينتظر على الشرفة ربما يجدك يوماً ما ويستظل بغيمتنا مازلت أضع له الحَب والماء وأنا أدعو بالرحمة لك من رب السماء والقلب يذكُرك ويذكُر حكايات الشتاء تجمُع حول المدفأة ضحكات الصغار الشيقة وأقداح الشاي الساخنة ينبض فيها دفء العائلة الصبر يلمعُ في عينيك والمسبحة بين أصابع يديك زمان يصرخ غيظاً لأنه لم ينتصر عليك حركاتك البطيئة يطيح بها المشيب والمذياع يصدح بصوت أمُ كلثوم رق الحبيب نظراتك وشرودك نحو السماء وأنت تبتهلُ لله في الدعاء مراقبتك للطيور تعود لأعشاشها وهذا كل ما أملكه منك والدنيا بعد فنائها (4) أبي تغيرت كثيراً كثيرا الطفلة ما عادت طفلة ما عادت تحلُم بالحلوى ما عادت أبداً لُعبتها عروسٍ تنطقُ بالشكوى أبي .. كبُرت طفلة الأمس ما عاد قلبها ينطق بالهمس حتى ملامح وجهي تبدلت تغيرت صارت ملامح جادة نظرة عيني الناعسة صارت نظرةً حادة ما عادت تتقاذف فيها شقاوة الصغيرات ما عادت تحوى داخلها أحلام الفتيات صهرتني الحياة حتى صرت شيئاً أعمق .. شيئاً أنضج شيئاً يرى ما لا يراه الآخرون شيئاً يفهم الناس بالنظر في العيون شيئاً يسمع الناس وهم صامتون (5) أبي كم قلت لي أن أترك الأحلام والخصلات المتدلية على جبيني وشرائط الشعر الصغيرة وأترك البصر وأنفُذ للحنايا بالبصيرة آهٍ لو نظرتني اليوم لكنت سألتني عن شئ ضاع مني عن عمرٍ زاد فوق عُمري وسني سنوات ما عاد بينهما قلبي يُغني أبي .. يا حُب العٌمر وأخلص مُحبيني لا تقلق ولا تنعي همي ولا تحسب أن شكي أختلط بيقيني ولكن ما عاد هناك شئ يغريني ما عاد بالإمكان لشئ أن يكسرني ما عاد غدر الناس باستطاعته أن يهزمني ما عادت الأحلام البريئة تُزين هُدبي وعيني لم أعُد أنا هي أنا بل صرت أشبهك صرت ممزوجة بك أقرأ الدُنيا بحكمتك ثم أرتمي بين أحضان وسادتك فأسمعُها تقول لم يرحل .. لم يمت نعم لم ترحل ..لم تمت فأنا أحملُ اسمك وأنا اُخلِدُ ذِكرك أنا ابنتك تسكُن في وجهي صورتك تسكٌن في روحي ملامحك تسكُن في أيامي حكمتك وعقائدك