33 عاما مضت علي رحيله و18 عاما علي ميلاده.. ومازال صوت العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ يحلق في سماء الطرب والغناء العربي، يتحدي بكل قوة وصمود معظم الاصوات التي جاءت من بعده، ليؤكد معني »لو كنت يوم انساك.. ايه افتكر تاني«.. صوت حليم يصعب علي عشاقه نسيانه ببساطة، فهو يحمل الحب والشجن والوطنية وكل المعاني الحلوة التي ضاعت منا في زحمة الحياة التي كان يحمل فيها صوته كل همومنا ويجعلها تهون في لحظة صدق نادرة. بعد يومين تحل ذكري ميلاده، ويعود معها الشوق والحنين الي صوت لم يغادرنا لحظة.. رغم مرور السنين، وفي كل ذكري يحمل لنا أصحابه وأصدقاؤه مفاجآت جديدة مرة في المسلسل ومرة في فيلم سينمائي ومرات في عدة كتب أحدثها كتاب اصدرته دار الشروق للدكتور هشام عيسي الطبيب الخاص لعبدالحليم تحت عنوان »حليم وأنا«. كان عبد الحليم حافظ يختار كلمات أغانيه بعناية فائقة ، تلك القصائد والأشعار التي كتبها له كبار الشعراء في مصر والعالم العربي ولحنها له عمالقة الموسيقيين فامتزجت هذه الكلمات مع صوته العذب وذابت معا ليقدم لنا أحلي الأغنيات. كانت أولي أغانيه صافيني مرة من ألحان محمد الموجي التي أطلقته في سماء الشهرة وجعلته في مصاف النجوم وساعدته دراسته للموسيقي علي التدخل في الألحان التي تقدم له وتغيير ما لا يتناسب وقدراته الفنية والصوتية فقد لحن له كبار الملحنين أمثال رياض السنباطي محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وكمال الطويل وقد كان عبد الحليم والموجي والطويل ثلاثيا لا يفترق كما لحن له بليغ حمدي وإذا كان قد غني لكبار الملحنين فقد غني لكبار الشعراء أمثال نزار قباني إيليا أبو ماضي صلاح جاهين كامل الشناوي مرسي جميل عزيز ، وكانت له ليال ثقافية مع نزار قباني وإحسان عبد القدوس ولويس عوض وأنيس منصور ولطفي الخولي وصداقات مع ملوك وقادة الوطن العربي وصداقات مع معظم أفراد الأسرة المالكة في السعودية والأسرة الحاكمة في الكويت وكان هناك أربع شخصيات تأثر بهم في بداية حياته وهم جليل البنداري وكامل الشناوي وفهمي عمر وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب . أن الكتابة عن شخصية في ثراء شخصية عبد الحليم حافظ تحتاج إلي أكثر من كتاب ترك عبد الحليم وراءه ما يفوق المائتين أغنية ما بين الموشح المتطور والقصيدة والأغنية الطويلة والأغنية السينمائية وكانت آخر أغانيه الرفاق حائرون وأغنية من غير ليه التي لحنها له الموسيقار عبد الوهاب إلا أن المرض أقعده عن غنائها أو تسجيلها فتوفي قبل أن يتم له ذلك وله لوحات غنائية وتمثيليات غنائية إذاعية كما أنه نجح في التمثيل السينمائي فقد قدم خمسة عشر فيلما أولها لحن الوفاء مع المطربة شادية وآخرها أبي فوق الشجرة مع نادية لطفي ويقول مؤلف الكتاب في بداية سطوره تحت عنوان »نبتدي منين الحكاية«.. هذه هي حكاية عبدالحليم حافظ ارويها الان بكثير من التفاصيل التي اتاحتها لي عشرة طويلة معه وبكل الصدق الذي تفرضه صداقة اعتز بها وثقة كسبتها. لقد قضيت مع حليم مدة لا اظن احد من المحيطين به قد قضاها معه، واتيح لي ان اعلم منه وعنه ما لم يتح لكثير غيري فالمساحة الزمنية التي عشتها معه بدت عميقة واطول من السنين نفسها، حيث كنت اقيم معه كل الوقت سواء في منزله في القاهرة او في المصيف او خلال الرحلات المتعددة للعلاج او للغناء او للسياحة والتسوق الذي كان يعشقه. انها حياة حافلة فيها كل عناصر الدراما، وقصة كفاح اليتيم الذي نشأ في قرية من اعماق الريف المصري في الشرقية، جردته الظروف القاسية من كل شيء الام والاب والمال، وكان عليه ان يبدأ المشوار من ملجأ الايتام، وحين وصل القاهرة بعد معاناة الطفولة وجد نفسه وسط عالم يموج بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. لقد واكب تلك التغيرات وكان ابرزها ثورة يوليو بزعامة جمال عبدالناصر الذي اصبح صوتها المغرد. الدكتور هشام عيسي يتناول في كتابه الاحداث والتواريخ في حياة العندليب بطريقة »الفلاش باك« فينقلنا بين رحلته من الميلاد حتي يوم وفاته وكأننا كنا نعيش معه في تلك الاوقات.. ففي الفصل الثاني من كتابه الذي وضع له عنوان »النهاية والبداية« يروي الطبيب يوم الحادث والثلاثين من مارس عام 7791 الذي رحل فيه وكيف كان يوما عاصفا رغم انه كان يوما من ايام الربيع! ويعود بنا من ذلك التاريخ الي بداية علاقته بالعندليب مع رحلة المرض ليروي قصة هذا الطفل اليتيم الذي صار اشهر مطرب في الوطن العربي وبداية رحلته الفنية مع موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب في اول لحن لاغنية »الله يا بلدنا« ويستقر عبدالحليم في القاهرة ويصبح نجم الثورة وبدأ حليم ومعه فرسان المرحلة الجديدة من شعراء وملحنين يقودون مسيرة جديدة للفن الغنائي. وكما اخذ حليم يحلم بحبيبته ويغني لها »بحلم بيك« كان يغني لوطنه، والي جانب الصيت والشهرة حاز حليم علي ثقة وصداقة القيادة السياسية احبه عبدالناصر وقال: انه السفير الاعلامي الاول لثورة يوليو، وقد روج بعض من كتبوا عن حليم بعد وفاته شائعة تقول: انه كان يقوم بدور سياسي نشط وكان ينقل بعض الرسائل الدبلوماسية بين القيادة المصرية وبين بعض ملوك ورؤساء الدول العربية، وهو قول يخالف الحقيقة تماما فلم يكن حليم راغبا او مؤهلا لمثل هذا العمل كذلك لم تكن الدبلوماسية المصرية العريقة في تقاليدها عاجزة ان تكلف خبراءها بذلك، اقترب حليم من السلطة ولكنه ابتعد عن دهاليز السياسة، ويقول الكاتب ان رحيل عبدالناصر كان من اكبر الصدمات التي اصابت حليم، فعند سماعه الخبر تعرض للنزيف وخرجت من فمه كمية من الدماء مصدرها دوالي المريء، وكما هو معروف كان حليم قد اصيب بالبلهارسيا المعوية منذ طفولته، وسبب له ذلك تليفا كبديا. حليم والملك ويقول المؤلف ان قصة حليم وملك المغرب تستحق ان نفرد لها جزءا كبيرا من هذه المذكرات حيث رفض حليم الاشتراك في مؤامرة دبرت للاطاحة بملك المغرب الراحل الملك الحسن الثاني في يوليو 1791، ويروي قصة هذا الانقلاب بالتفصيل كما عاشها مع عبدالحليم حافظ وفنانين اخرين من بينهم محمد عبدالوهاب وفريد الاطرش، كما روي معلومات جديدة عن علاقة اوفقير بزوجته فاطمة اوفقير التي كتبت مذكراتها ونالت شهرة كبيرة في المغرب. واكد عيسي علي ان حليم رفض طلبا من الانقلابيين باذاعة نبأ الانقلاب علي الملك وكان حليم ساعة الانقلاب موجودا في ستوديو باذاعة المغرب يسجل اغنية في مديح الملك الحسن، وتقدم منه احد العسكريين ومعه ورقة تحتوي علي بيان الانقلاب قال لحليم ان الحسن قد قتل وعليك ان تقوم بالقاء هذا البيان علي الامة المغربية وقد رفض حليم ان يذيع البيان وفضل مجابهة الخطر، كرر الضابط طلبه بحزم ورفض حليم بشدة قائلا: »انا فنان لا اعمل بالسياسة واكره ان انخرط فيها«. حليم وسعاد يقول المؤلف لابد ان افتح صفحة من صفحات مذكراتي عن حليم وسعاد لانني اريد ان يعرف غفير الجماهير حقيقة هذه العلاقة التي بدأت في المغرب عام 1691 خلال اقامة عدة حفلات غنائية خصص دخلها لضحايا الزلزال المدمر الذي وقع في مدينة اجادير المغربية وخلال هذه الرحلة وصلت قصة الحب بين حليم وسعاد حسني الي ذروتها عاش العاشقان اسعد ايامهما واتفقا علي الزواج ولكن بعد العودة فوجيء حليم بالغاء سعاد للزواج لانها خشيت ان هذا الزواج يطيح بطموحها الفني رغم حبها الكبير لحليم وكان وقع هذا الخبر علي عبدالحليم كالصاعقة. ثم توالت فصول الكتاب الذي تناول فيه طبيب العندليب رحلة الحب والمرض والغناء وعلاقته مع فريد الاطرش وعبدالوهاب وام كلثوم ثم حفلاته الي بيروت وعلاقته بالشاعر نزار قباني وكان عبدالحليم كما يقول د. عيسي في كتابه كان حليم من اكثر محبي نزار علي المستويين الشخصي والفني. كراسة الحب والوطنية واذا كان الكتاب الذي ضم مذكرات الطبيب الخاص لعبدالحليم اشبه بحياة حافلة لمجتمع وجيل ورحلة رائعة من خلال حياة فنان مثل عبدالحليم حافظ كتاريخ لمرحلة من مراحل الشعب المصري الذي غني مع عبدالحليم اغاني الحب والوطنية التي انفرد بها العندليب حتي يومنا الحالي فان كتاب »كراسة الحب والوطنية لصديق عمر العندليب مجدي العمروسي هو سجل كامل يضم كل اغاني عبدالحليم حافظ الذي يكتب الاهداء فيه الي اجيال لم تسمع عبدالحليم حافظ.. ولم تراه.. ولم تقرأ كلمات الحب والوطنية التي تغني بها، فغنتها من خلفه اجيال بأكملها.. من هذه الكلمات اخترت هذه المجموعة من اروع ما قدمه حليم باحساسه النادر »لو كنت يوم أنساك« لو كنت يوم أنساك.. ايه افتكر تاني بالي وخيالي معاك..وكل وجداني الحب اللي في قلبي.. والدمع اللي في عيني والنار اللي في جنبي.. والشوق اللي كاويني. طوال بعدك ولا مرة فاتوني. لو انساك ازاي ينسوني لو كنت يوم انساك.. ايه افتكر تاني يا فايتني وهان حبي علي قلبك يا حبيبي بادعيلك من قلبي ماتشوفش تعذيبي لا اللي قاسيته كان علي بالي ولا اوهامه جت في خيالي لو كنت يوم انساك ايه افتكر تاني وبكلمات علي مهدي تغني حليم بالحان عبدالوهاب ب »فوق الشوق« التي صعدت به الي اعتلاء القلوب تقول كلماتها: فوق الشوق مشاني زماني قاللي تعالي نروح للحب بعد سنين قاللي ارجع تاني حتعيش فيه مجروح القلب اللي مشيته رجعت امشيه واللي قاسيته رجعت اقاسيه فوق الشوك قبل ما اشوف الحب واقابله ياما خيالي وطيفه اتقابلوا واما عيوني لمحوا مكانه.. ورحت وراه خذني في نار وعذاب ومرار وغلبت معاه آه من الحب ومن اللي رماني وخدني اليه بعد النار والشوك ايه تاني رح امشي عليه راجع بعد الشوك ما ضناني راجع راجع راجع تاني فوق الشوك.. فوق الشوك غلطة عمر خدتني لحبي رحت وراحت راحة قلبي ليه يا قلبي جرينا ورا المجهول ليه ليه علي نار الجرح مشينا وعشان ايه اه م الحب وم اللي رماني وخدني اليه بعد النار والشوك ايه تاني راح امشي عليه راجع بعد الشوك ما ضناني راجع راجع راجع تاني فوق الشوك.. فوق الشوك ياللي نسيك الحب.. انساه وابعد عنه عشان تلقاه عايز تعرف فين الحب وفين لياليه بص في اي دموع تقابلها رح تلاقيه آه من الحب ومن اللي رماني وخدني اليه بعد النار والشوك ايه تاني رح امشي عليه راجع بعد الشوك ما ضناني راجع راجع راجع تاني فوق الشوك.. فوق الشوك
اما الاغاني الثورية فقد اخترت منها: »النجمة مالت ع القمر« النجمة مالت عالقمر فوق في العلالي قالت له شايفة يا قمر افراح قبالي قال القمر بينا نسهر علي المينا دا النور علي شط القنال سهران يلالي شاف القمر ع الضفتين زفة وزينة قال دا السلام فارد جناحه علي المدينة واللي تحلي المحبة والغنا واوعوا تخلوا في ارضكم دمعة حزينة قال القمر بينا نسهر علي المينا دا النور علي شط القنال سهران يلالي النجمة مالت عالقمر فوق في العلالي قولوا لدموع الفرح تروي كل وردة خلوا الامل يبقي تملي شمعة قايدة حيوا اللي قال نفتح لاحبابنا القنال وخلوا بكره يبقي احلي م النهاردة قال القمر بينا نسهر علي المينا دا النور علي شط القنال سهران يلالي النجمة مالت عالقمر فوق في العلالي
»احلف بسماها وبترابها« احلف بسماها وبترابها احلف بدروبها وابوابها احلف بالقمح وبالمصنع احلف بالمدنة وبالمدفع باولادي بأيامي الجاية ما تغيب الشمس العربية طول ما انا عايش فوق الدنيا
الله يا بلادنا الله علي جيشك والشعب معاه ده جهادك غنوة يا بلادنا يا حلوة يا حلوة بسلاحنا وعزيمتنا الحامية ما قدرش الغاصب يغلبنا اساطيل وجيوش الاشرار حاربتنا بغدر ووحشية هزمتها ايادي الاحرار بسلاح الثورة الشعبية وعلمنا الغالي لو قال يا بلادي راح يرفع في المجد علاه الله يا بلادنا ح نعيش من اول وجديد والنصر ينور اعيادنا ونحيي روح كل شهيد بترفرف علي ارض بلادنا دايما حنبص لقدامنا والماضي مش راح ننساه راح نبني بلادنا ونربي ولادنا علي درس جهادنا ونعيش وياهم في حماه الله يلا بلادنا