جسد نحيل يرتعد.. وسط عتمة الجبل الوعر.. صخور وتلال ورمال تلف المكان.. ولن يشق سكون الليل الرهيب سوي حشرجة بكاء الصغيرة التي لم تتعدا ربع سنوات.. مرت ساعات كالدهر ترافقها عيون تشع شرا وتقطر غدرا.. تهدد وتتوعد بكلمات لا تقوي علي استيعابها.. التوسلات انحشرت في حلقها وتجمدت الدموع في عينيها.. وعاشت البريئة رحلة رعب وفزع افزع من أن يتحملها الكبار. أصل الحكاية التي كشفت عنها تحقيقات مالك مصطفي رئيس نيابة مصر القدية بدأت في شارع كورنيش النيل أمام منطقة مصر القديمة عندما استيقظ صاحب مذبحة الجلود من نومه وقرر أن يأخذ يوما واحدا اجازة من أعماله ليتنزه مع فلذات كبده الثلاث واستقل سيارته ومعه زهرات عمره وشبابه وفاحت رائحة المرح داخل السيارة وراح الأب يداعب بناته وهن يطلق الضحكات واصغرهن اربعة اعوام تتعلق في رقبته من الخلف وتطبع القبلات علي جبينه بينما هو بالسيارة وكأنه ملك الدنيا ومن عليها وبناء علي رغبة البنات توجه الي شارع كورنيش النيل ليكون بداية الرحلة لتنسم رائحة ورؤية نيلها العظيم وسار الاب حتي لاح لبناته كشك لبيع الحلوي والمثلجات فتوقف لشراء ما يحلو لهن فنزل وخلفه ابنتاه الكبرتين بينما انتهزت الصغري الفرصة وأخذت هاتف شقيقتها الكبري المحمول ونامت علي المقعد الخلفي تقلب فيه وتلعب الألعاب وانشغل الاب مع ابنتيه في اختيار ما يحلولهن وترك سياراته في وضع التشغيل وفي لمح البصر ظهر شاب كأنه سقط من السماء وطار والقي بنفسه داخل السيارة ومر بها وكأنه قشة في مهب الريح وتعالت صرخات الأب وابنتيه وتعقب قائدي السيارات المارة بالطريق السيارة المختطفة وبداخلها البريئة وكأن الارض انشقت وابتلعتها. أسطول من سيارات أصدقائه وأقاربه مسح كل شوارع القاهرة والجيزة والقليوبية دون جدوي.. أصوات ضحكات صغيرته ترن في أذنيه أصابعها الصغيرة تداعب وجهه وكاد أن يفقد عقله.. هل ذهبت نور بلا رجعة.. هل سكنت العتمة حياة العائلة الصغيرة.. الأم جالت كل الشوارع سيرا علي قدميها وهي تبحلق في كل الصغيرات عليها تجد نور العين.. صرخت ولطمت وزرفت الدموع انهارا حتي تذكر الأب أنه نسي تليفون المحمول داخل سيارته المسروقة فقرر الاتصال بالجاني عله يرق قلبه لحاله ويعيد اليه الطفلة أما السيارة فستذهب الي الجحيم. وأتصل الاب بهاتفه بيد ترتعد ودعوات محفوفة بالخوف تخرج من بين شفيته ومرت الثواني كعصور حتي رد الجاني وتوسل اليه الاب أن يعيد اليه صغيرته ويطلب ما يشاء وراح المتهم يراوغ ويراود والأب يتوسل ويسترق القلب حتي وافق الجاني علي اعادة الطفلة والسيارة نظير دفع مبلغ خمسين الف جنيه وبدون تفكير وافق الاب المهم أن تعود اليه طفلته حتي وان دفع عمره وحياته وتم تحديد موعد اللقاء الساعة الثالثة فجرا والمكان منطقة جبلية في مدينة الصف بالجيزة وبالتحديد بين أحضان الجبل وتوسل الاب للجاني تغيير المكان خشية علي صغيرته من وحشة الجبل والظلام الدامس إلا أن المتهم وعده بأن طفلته لن ينالها سوء وأنه سوف يلبي كل طلباتها ولم يصدق عقل الاب ما سمعه من الجاني وأسرع الي قسم شرطة مصر القديمة وحرر محضرا وأبلغ المسئولين بمكان اللقاء وتوجهت قوات من الشرطة ترافقها قوات من الشرطة العسكرية ومعهم العقيد أحمد خيري رئيس مباحث مكافحة سرقة السيارات, ومجرد أن وطئت أقدام القوات المكان انتابتهم حالة من الذهول المكان شديدة الوعورة ربوة مرتفعة عن سطح الارض وجبال وصخور وعتمة لا تري فيها أصابع اليد ومن داخل ومخارج كثيرة والمنطقة جبلية مجهولة بالنسبة اليهم ولابد أن قاطني ذلك الجبل مسلحون بترسانات من الاسلحة والذخيرة وانهم في هذا المكان المرتفع هم الاقدر علي اطلاق الرصاص وبامكانهم قتل الجميع الغير من القوات وحتي ان بادرت القوات باطلاق الرصاص فإن البريئة سوف تدفع الثمن ويكون مصيرها القتل. وتلفح الاب المكلوم بالشجاعة وقرر أن يصعد الجبل بمفرده ولكن العقيد احمد خيري قرر مرافقته حتي وان كان الثمن حياته فترك سلاحه الميري واثبات شخصيته وصعد الاثنان الجبل وخرق بكاء الصغيرة اذن والدها التي كادت وحشة المكان تقتلها خوفا وسار الاثنان في حضن الجبل مسافة طويلة حتي لاح لهما في الافق نور ينطلق من فانوس سيارة وترجلا ناحيته ونزل الخاطف وتسلم المبلغ المالي وقام بتسليم الصغيرة لوالدها وسلمه مفاتيح سيارته مؤكدا انه صدق في وعده ولم تمتد يده بسوء لصغيرته وأرشده عن الطريق الذي يسلكه للخروج من ذلك الجبل الوعر ولم يلتقط الأب انفاسه إلا بعد تيقنه أنه غادر الجبل ونجي من أيادي من فيه.. وأمام مالك مصطفي رئيس نيابة مصر القديمة سرد الاب تفاصيل الرحلة الشاقة المفحوفة بالمخاطر والمهالك ذاقت خلالها طفلته البريئة كافة صفوف الخوف علي يد ذلك المجهول وأمرت النيابة بسرعة القبض علي المتهم الهارب وتكليف المباحث بتمشيط تلك المنطقة الجبلية للقبض عليه.