كتبت - فاطمة الدسوقي: محكمة.. قضت محكمة استئناف الإسكندرية للأحوال الشخصية بضم حضانةالطفلة لينا لأمها.. وذلك لأن مرض الأم بفيرس سي لا يحرمها من حضانة ابنتها لأنه غير معد.. والأم هي الأولي والأحق برعاية صغيرتها من زوجة الأب. يا سيدي.. ذلك الذي يقف أمامكم اختطف صغيرتي من بين ضلوعي ليلقيها في أحضان زوجته العاقر.. أفردت له مساحة صافية من عمري أسكنته كل أحلامي.. فقط هو من أردته.. أحببت كل الكلمات التي نطقها.. كان ينغرس كل لحظة في أوردتي. جاءني حبيبا متسع الصدر والأحلام.. كم من ساعات الليل سرقت وأنا في مضجعي أعد النجمات اللامعة في السماء.. كان يفوت علي قلبي كل مساء ويأتيني بأحلي الأشياء حتي أردت لحكايتنا أن تكون آخر الحكايات في موسوعة العشق والغرام. يا سيدي.. لا تدرك مدي تعاستي مدي الألم الذي يشقني.. انهزمت داخلي الدنيا وتعالت آهات احتجاجي شاخت وتساقطت أحلامي وانتهت من عيني كل ملامح ذلك الذي يقف أمامكم ولم يتبق لي سوي لوعة الحسرة علي زمن أهدرته معه دون ضمانات وحزن يواري مسافة بين قارتين. يا سيدي.. توسلت إليه أن يعود لمقعده الذي نحيت عنه ألف عاشق وواريت منه ألف عشيق.. جئت استجير بأن يبقي معي فهو غرسي وفرحة حصادي.. عايرني سيدي بمرضي.. ابتعد عني وكأني حيوان أصابه الجرب وممنوع عنه الاقتراب.. تيقنت أنني أصبحت بلا قوة.. بلا سند.. وها أنا أمامكم في أكفان المرارة والضياع.. فقد احتوت عينيه أخري.. وسمعت بين كلماته اسم أخري وضاعت مني كل سنوات العمر.. وفي النهاية اختطف صغيرتي وانتزعها من بين أحضاني خشية عليها من العدوي لتستأثر بها زوجته الثانية التي حرمتها الأقدار نعمة الانجاب.. فهل بعد ذلك جبروتك.. سيدي القاضي؟!! يا سيدي.. أربع سنوات فقط هي عمر زواجنا كان فيها الضحكة الفافة والعيون اللامعة والوجه الذي لم تلونه الأيام.. تجذبني كلماته الطيبة.. توجته ملكا علي عرش حياتي ورزقتنا الأقدار بابنتنا الوحيدة لينا.. ومرت الأيام في هدوء والسعادة تغمرنا والفرحة تسكن قلوبنا وأحلام كثيرة تحبو داخلنا وآمال واسعة تنمو.. وفاقت طفلتنا هي القمر الذي اضاء سماء حياتنا حتي طرق المرض بابي.. بدأ الاصفرار يبدو علي جسدي وتحول وجهي الملائكي إلي وجه شاحب واصابني الفزع فهرولت إلي طبيب العائلة وطلب فحوصات وغيرها.. وكانت الصدمة التي زلزلت كياني عندما أخبرني أني مريضة بفيرس سي والمرض نشيط والكبد في اسوأ حالاته.. ونصحني بعرض نفسي علي طبيب متخصص لمتابعة حالتي. في البداية فتكت الصدمة بزوجي هو الآخر.. وثارت التساؤلات.. كيف انتقل لي ذلك المرض اللعين.. قد يكون عن طريق طبيب الأسنان.. قد يكون من أدوات الباديكير في الكوافير.. قد يكون اثناء عملية الولادة.. مهما كانت الأسباب.. المهم أن المرض يسري في دمي. فوجئت بزوجي يبتعد عني.. في البداية هجر الفراش خشية من العدوي.. لم يشرب من يدي.. لم يأكل الطعام الذي أعده.... خصص لنفسه أدوات للمائدة.. وبدأ ينعزل عني شيئا فشيئا.. وأصبح غريب في بيته.. وكلما رآني منهكة ومتعبة بادرني بنظرات اشمئزاز وتأذي.. وزاد الطين بلة وازدادت حسرتي عندما كان يحبس صغيرتنا داخل غرفته حتي لا أضمها بين أحضاني وأنقل العدوي إليها. كدت أفقد عقلي سيدي.. حتي ابنتي يحرمني منها.. طرقت أبواب جميع أطباء الكبد للسؤال.. عما إذا كان مرضي معديا عن طريق المأكل أو المشرب أو حتي العلاقة الزوجية.. وأكد الأطباء أن المرض معد فقط في حالة نقل الدم فقط وعلي أن أقبل ابنتي واحتضنها وأطعمها وأسقيها وليذهب زوجي إلي حيث يريد. رحل عن شقتنا سيدي.. خشية علي نفسه وانقطعت أخباره.. وأنا أحمل صغيرتنا علي كتفي وأطرق بها أبواب الأطباء حتي علمت أنه طلقني غيابيا وتزوج من ابنة عمه العاقر.. فقد سبق لها الزواج مرتين وطلقت لعدم قدرتها علي الانجاب.. فلديها عيب يستحيل معه الانجاب واستسلمت لقراره.. فيكفي أنني سوف ارتاح من معايرته لي بالمرض.. وتفرغت لصغيرتي وكنت أخشي عليها من أنفاسي حتي فوجئت به ذات يوما يطلب مني رؤية طفلتنا واصطحبها للتنزه.. ومرت ساعات ولم تعد وحدثته تليفونيا وأبلغني أنه مشتاق إليها ويرغب أن تقضي الليل بين أحضانه.. ووافقت وكانت المرة الأولي التي تفارق فيها لينا أحضاني وخاصم النوم جفوني واحتضنت ملابسها وألعابها لأتشمم رائحتها العطرة حتي جاء الصباح.. وطلبت منه أن أن يعيد لي صغيرتي.. فرفض وأبلغني أنني مريضة.. وهذا المرض سوف يزهق روحي في أقرب وقت.. بالإضافة إلي أنه معدي وعلي أن انتظر وأتفرغ حتي يطرق ملك الموت بابي.. وتوسلت إليه أن تبقي صغيرتي بجواري حتي يجيء الأجل.. فهي الدماء التي تسري في أوردتي والنور الذي يضيء طريقي.. وأن يمن علي بصغيرتي البقية الباقية من عمري ما دام يعلم أن أيامي في الحياة معدودة... إلا أنه أبي.. وأخبرني أن زوجته ارتجفت أوصالها لصغيرتنا وصممت أن تبقي الصغيرة معها.. بالإضافة إلي أنها تمتلك صحة جيدة ولا يخشي منها علي طفلتنا.. أسرعت إليه أقبل قدميه بأن يعيد إلي حياتي توسلت لزوجته أن تعيد لي فلذة الكبد وزهرة العمر.. إلا أنها نهرتني وعايرتني بمر بمرضي وكأني أنا التي جلبت المرض لنفسي. يا سيدي تلك تقارير الأطباء التي تؤكد أن مرضي غير معد.. وأتوسل إليكم الحكم بعودة طفلتي لأحضاني.. أريد أن استدفيء بأنفاسها الأيام الباقية من عمري إن كان في عمري بقية.. وإذا كنتم قد رأيتم مرضي معد.. فالأهون علي أن تقضوا بإعدامي بدلا من القضاء بحرماني من حضانة طفلتي الوحيدة. المحكمة.. بعد الاطلاع علي التقارير الطبية وآراء الأطباء.. تبين للمحكم أن مرض الأم غير معدي.. وقضت برئاسة محمود خليل رئيس المحكمة بضم الصغيرة لينا لأمها.. رفعت الجلسة.