عنوان المقال نصيحة خالصة لوجه الله والوطن للرئيس المؤقت ورئيس وزرائه. عندما يكتب تاريخ هذه المرحلة الانتقالية الثانية سيتضمن على الأرجح أن إحدى أسوأ سقطات السلطة المؤقتة كانت إصدار هذا القانون وتطبيقه بالبطش الأمنى بواسطة أجهزة أمن لم تتب عن أساليب القمع التى قامت الثورة الشعبية ضدها، على الرغم من قسمها المتكرر بأنها قد وعت الدرس وعادت إلى حماية حقوق المواطنين وحرياتهم. وفى تراثنا أن الرجوع إلى الحق فضيلة فليس أحد من البشر معصوما من الخطأ بعد خاتم المرسلين محمد بن عبد الله الذى كان يعصمه الوحى الإلهي. لكن الحكومة المؤقتة، الرئاسة وفريقها والوزارة المتضخمة قليلة الحول والحيلة، تصر على الانقلاب من الارتعاد منخلع الفؤاد إلى التصلب المتشنج بشأن قراراتها حتى ترفض مجرد إعادة النظر فيها. بداية، إصدار القانون كان خطأً ففى مواد قوانين العقوبات الحالية ما كان يكفى لصيانة الأمن، بالطبع ضمن حزمة متكاملة من السياسات والإجراءات الكفيلة بما يحفظ المصالحة الوطنية، لو أرادت الحكومة احترام سيادة القانون وصيانة حقوق الإنسان. وقبل كل شيء أمسى إصدار هذا القانون المعيب دليلا دامغا على فشل الحكومة فى وضع استراتيجية متكاملة، متعددة الأبعاد بالطبيعة، للتنفيذ الناجع والناجز لخريطة المستقبل التى توجت الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية فى يونيو/ يوليو 2013، وكان أحد أهم أركانها المصالحة الوطنية. ولو نجحت فى ذلك الركن من خريطة المستقبل لما احتاجت إلى هذا القانون القمعى وما جره تطبيقه باليد الأمنية الغليظة من كوارث ستعمق من الشقاق بين أبناء الشعب وحتما ستعوق أى جهد للمصالحة الوطنية فى المستقبل. ناهيك عن أن هذه السلطة الحريصة على صورتها فى الخارج، جلبت على نفسها فيضانا من الانتقاد اللاذع والمبرر للقانون وتطبيقه ليس فقط من حكومات أجنبية ولكن من عموم مجتمع حقوق الإنسان فى الخارج، كما فى الداخل. أضف إلى ذلك أن الحكومة المؤقتة لم تكن على قلب رجل واحد بشأن إصدار القانون وطريقة تطبيقه، والأرجح أن تبعات هذا القانون كانت وراء استقالة أحد نواب رئيس الوزراء أخيرا. ثانيا: الحكومة كذبت، وإلا وصمت نفسها بالجهل بالقانون، عندما ادعت أن القانون لا يقيد حق التظاهر. فهو يقيد حق التظاهر كما يقيد كثيرا من تبعات التظاهر مثل الاعتصام والإضراب السلمي، المضمونين فى المواثيق الدولية التى يوجب الدستور احترامها. ثالثا: تطبيق القانون بالعصا الأمنية الغليظة جاء بنتائج كارثية. فقد بدت الحكومة كجسد بأذرع غليظة من دون عقل ذكى ومدبر يحركها. فأصبحنا نسمع عن إلقاء القبض على فتيات لرفع شعار، أيا كان، وعلى صبى لحمله أداة مدرسية عليها شعار ما. وقد ترتب على كل ذلك أن عادت الإدانات لإساءة اجهزة الأمن من عامة المحتجزين والمساجين وذويهم تنهال على السلطة المؤقتة فى هذه المرحلة الانتقالية من مجتمع حقوق الإنسان فى الخارج والداخل على حد سواء. وبلغ بعضها حدا فاضحا مثل تقييد شابة مسجونة بالأصفاد بعد وضعها مولودتها مباشرة. ولا يفيد هنا نفى المسئولين عن الأمن، التجميلى والبعيد عن الحقيقة على الأرجح، والذى يُذكّر بالأيام الأخيرة من نظام الحكم القمعى الباطش التى اندلعت الثورة الشعبية ضده حين كان المسئولون المناظرون حينئذ يتبجحون باحترام أجهزة الأمن لحقوق الإنسان وهم يعذبون ويقتلون أبناء الشعب الذى يستعملهم لحماية الأمن ويتكبد اجورهم ومزاياهم. ويدعو إلى الانزعاج بوجه خاص تقاعس بعض وكلاء النائب العام عن ضمان الحقوق الدستورية للمتهمين والمحتجزين وحمايتهم من تعديات أجهزة الأمن. وتسىء أجهزة الأمن معاملة المتظاهرين ومن يلقى القبض عليهم فى أثناء الاحتجاز أو تمضية العقوبة، فيما يُعد ردة إلى أسوأ ممارسات البطش الأمنى قبل الثورة، حتى اضطر المجلس القومى لحقوق الإنسان إلى انتقاد هذه الممارسات علنا، ناهيك عن أنها تمثل مخالفات صريحة لنصوص الدستور الحامية للحريات والحقوق. ولا يسلم ذوو المحتجزين والمحبوسين من سوء المعاملة. ولن يجدى فتيلا أن تنكر الداخلية، فقد كانت هذه عادتها قبل الثورة أيضا. وبالمناسبة فإن كل هذه التجاوزات تمثل انتهاكات فاضحة لنصوص جازمة فى الدستور الذى قامت على إعداده السلطة المؤقتة الراهنة، فإن لم تحترمه تلك السلطة، فلِمَ يحترمه أىا كان؟ كما أدى هذا القانون إلى ارتباك فى القضاء الذى نعدّه حصن الحق والعدل. فيتأرجح القضاء بين إصدار أحكام أولية قاسية يخفف بعضها فيما بعد، وبين الإفراج عن مئات أو عشرات ممن يلقى القبض عليهم والإحجام عن محاكمة آخرين، خاصة من قيادات الإخوان الضالين وأنصارهم. إذ فى ظل المناخ الذى أفرز هذا القانون المعيب يغالى بعض القضاة، خصوصا فى محاكم أول درجة المشكلة من قاض وحيد حديث العهد بالقضاء، فأصدرت أحكام غاية فى القسوة. صحيح أن أكثرها تشددا قد خُفف فى درجات أعلى من القضاء، لكن هذه الرأفة لم تشمل جميع الحالات التى حكم عليها بهذا القانون. رابعا، وربما الأهم فإن القانون غير دستوري. فالدستور يحمى الحق فى التظاهر من دون أى قيود. وليس أولى من الحكومة المؤقتة باحترام نصوص الدستور الذى قامت على وضعه. ينص الدستور على أن «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون.» لاحظ بالإخطار وليس التصريح المسبق! أما الآن وقد أحال واحد من قضاة مصر الشوامخ القانون سيئ الصيت إلى المحكمة الدستورية، وسيحكم على الأرجح بعواره دستوريا، فلتحفظ الحكومة المؤقتة القليل الباقى من كرامتها وتلغى القانون، أو على الأقل تعدل أسوأ مواده، بيدها لا قسرا. ولا ينهض تبريرا للإبقاء على هذا القانون المخالف لدستور البلاد أن فصيلا من الشعب يمارس إرهابا وتكديرا لأمن باقى المواطنين، فلهؤلاء أيضا حقوق يضمنها الدستور، كما قد طال عسف قانون التظاهر نشطاء من جميع التيارات السياسية. وعلى سبيل المثال فإن الحكم القضائى الصادر بإدانة ثلاثة من الشباب النشطاء أعضاء حركة 6 أبريل، ومعاقبتهم بالحبس ثلاث سنوات، وتغريمهم مبلغ خمسين ألف جنيه مصري، بسبب الاحتجاجات التى رافقت عرضهم على النيابة العامة بتهمة التظاهر دون ترخيص مسبق وفقاً لقانون التظاهر، أصبح محل إدانة واسعة باعتباره يمثل ردة عن مكتسبات الثورة الشعبية. يثير الاستغراب أنه لا أحد من أولى الأمر يعى أن اضطهاد النشطاء لم يفلح فى إخماد جذوة الثورة، ولن يفلح. فما دامت الأسباب الموضوعية لاندلاع حركات الاحتجاج الشعبى قائمة، فستكون هناك موجات تالية من الثورة الشعبية العظيمة حتى تنجح إحداها فى إقامة حكم ثورى بحق يسعى إلى نيل غايات الثورة. ويثير التعجب أنهم لا يعون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حاول وفشل، واليمين المتأسلم حاول وفشل، وعار أن تحاول حكومة مؤقتة جاءت على صدر الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية أيا كانت مبرراتها أن تعيد الكرة. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى