عجيب أمر الحكومة المؤقتة هذه. وانا لا أقصرها علي حكومة الببلاوي فمن الظلم إلقاء كل اللوم علي الوزارة ورئيسها علي الرغم من تردي أدائها وابتعاده عن الحس الثوري. فالرئيس المؤقت, والآن القضاء, لهم أيضا نصيب من اللوم هنا. هذه الحكومة المؤقتة لم تكفها سوءة التباطؤ والتردد في اتخاذ القرارات لإنجاح خريطة المستقبل التي ائتمنت علي إنجاحها حتي شاع نعتها بالأيادي المرتعشة والفرائص المرتعدة. فبعد التباطؤ والتردد عندما تستجمع شجاعة أطرافها المرتعدة ترتكب خطيئة التصرف بعصبية زائدة وبالمبالغة في رد الفعل المتأخر وبالمكابرة فتنتقل من الارتعاش إلي التصلب. وليس غريبا إذن أن استجلبت الحكومة المؤقتة ذميمة مستوي بالغ التدني من التأييد الشعبي, حيث تدل استطلاعات الرأي الحديثة أن مستوي التأييد الشعبي لهذه الحكومة في شهر نوفمبر الحالي لا يتعدي الربع, منخفضا من37% منذ شهر واحد فقط. وهذا معدل تدهور ضخم من ناحية, ومن ناحية ثانية, مستوي تأييد أقل من التأييد الشعبي لسلطة حكم اليمين المتأسلم قرب إسقاط محمد مرسي(30%). هذا ناهيك عن تقصير الحكومة الفادح في مجالات عديدة تتصل بمطالب الثورة الشعبية. باختصار, هذه حكومة تدعو جماهير الشعب إلي شن الموجة الثالثة الكبري من الثورة الشعبية العظيمة خروجا عليها واحتجاجا علي تخييب آمالها في هذه المرحلة الانتقالية الثانية. وبمناسبة إصدارها لقانون تقييد التظاهر استجلبت هذه الحكومة الحريصة علي صورتها في الخارج ربما أكثر من صورتها في الداخل, بدليل استئجار شركات لتحسين صورتها في الولاياتالمتحدة لقاء مبالغ ضخمة بينما تقتر علي الشعب في احتياجاته الأساسية بلا خجل. استجلبت الحكومة انتقاد مسئولة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة وأمينها العام ومنظمة العفو الدولية جميعا علي القانون الذي أصدرته لتنظيم حق التظاهر كما تزعم, وهو في الحقيقة تقييد للحق. لجأت الحكومة لهذه الحيلة بعد أن فشلت في احتواء ردود فعل تيار اليمين المتأسلم بعد إسقاط الشعب لحكمه الفاشي بالتهاون في القصاص من رؤوس الأفاعي الذين هرب بعض أخطرهم وفشلها في استيعاب ومصالحة الشباب المضلل أو المستأجر من قبلهم والذي ابدي استمرارية تدعو إلي الإعجاب من ناحية والعجب من فشل الحكومة في احتوائهم من ناحية أخري. وحيث لم تقدر الحكومة علي الحمار كما يقول المثل الشعبي, لجأت إلي الانتقام من' البردعة'. هي لم تكن بحاجة لهذا القانون, ففي تقدير كثيرين أن في مواد قانون العقوبات ماكان يغني عنه مع ترك حرية التظاهر مكفولة بمجرد الإخطار دون أي حاجة لاشتراط التصريح من الداخلية. كما كذبت الوزارة في الزعم بأن القانون لا يقيد حق التظاهر. فلا ريب في أن القانون باشتراطه التصريح المسبق, بعد الإخطار قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة بسبعة أيام عمل علي الأقل, قيد حق التظاهر. كما أن المادة السابعة من القانون حظرت بعض الأفعال التي تمثل أثارا متوقعة للحق في التظاهر مثل الاعتصام, متضمنة حق الإضراب عن العمل وهو مباح بموجب العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية, واعتبرتها مجرمة وعاقبت عليها مستعملة مصطلحات مطاطة وشديدة العمومية تستدعي سلطات تقديرية واسعة لجهاز الأمن, الذي أخشي أنه مازال نازعا للتشدد ولو علي حساب حقوق المواطنين. ولسخرية الأقدار فات علي الوزارة السنية أن عنصرا آخر في الحكومة المؤقتة أي لجنة الخمسين أقرت في اليوم نفسه تقريبا نصا دستوريا يكفل حق التظاهر بمجرد الإخطار. وبهذا أصدرت الحكومة قانون التظاهر مخالفا لمشروع الدستور الذي يحمي حق التظاهر بالإخطار ولا يتطلب التصريح. ما يعني الحكم بعدم دستورية القانون بمجرد إقرار مشروع الدستور. وبالطبع لم ينطل الكذب المفضوح علي أحد عاقل في الداخل أو الخارج. فأغضبت الحكومة فئات في الداخل يفترض انها تنتمي لمعسكر الثورة, بالإضافة إلي تيارات اليمين المتأسلم التي تعاديها, وبحق في تقديري. وساهمت الداخلية بالتشدد في تطبيق القانون المعيب في تشويه صورة الحكومة. وأي إنجاز تدعيه الحكومة أو باعث علي الارتياح في أن تشن أجهزة الأمن ما يشابه حربا علي المتظاهرين من جميع التيارات السياسية وفي طول البلاد وعرضها تحبس وتوقع ضحايا من بين الشباب المتظاهر, وكلهم مصريون حريتهم ودمهم حرام. وفي الخارج استحقت الحكومة انتقاد حكومات عديدة والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان الرسمية وفي المجتمع المدني علي حد سواء. وقد دعا كل هذا البعض إلي رفع حدة تقريع الحكومة من الاتهام بالارتعاش والارتعاد إلي الحماقة, وفي الأثر أن' لكل داء دواء إلا الحماقة قد أعيت من يداويها'. ولم يكف الحكومة وزر تقييد التظاهر فأضاف القضاء فضيحة جديدة. حيث أصدر قاضي جنح بالإسكندرية أحكاما بالسجن لمدة أحد عشر عاما علي أربع عشرة فتاة في مقتبل العمر عرفن بفتيات' سبعة الصبح' وبإيداع سبع قاصرات بدور الرعاية لأمد مفتوح. والحكم يبدو ممعنا في القسوة بما يخالف أحد المبادئ المستقرة في مواثيق حقوق الإنسان بمنع العقوبات القاسية والمهينة, خصوصا وان مشروع الدستور يضمن احترام هذه المواثيق, وفي تراثنا أن' الرحمة فوق العدل'. بداية, جمع القاضي مدد العقوبة علي كل تهمة وجهت للبنات: ست سنوات مع الشغل والنفاذ عن التهمة الأولي' التجمهر' وأربع سنوات مع الشغل والنفاذ عن التهمة الثانية' البلطجة''و شهر مع الشغل والنفاذ عن التهمة الثالثة' إتلاف الممتلكات', وسنة مع الشغل والنفاذ وغرامة خمسمائة جنيه عن التهمة الرابعة' حيازة أدوات للاعتداء علي المواطنين'. بينما العرف أن العقاب علي التهمة الأشد يجب باقي العقوبات! والحق أنه يصعب تصور أن هؤلاء البنات قد اقترفن كل ما نسب إليهن. ووفق محامي المتهمات فإن الأدلة المقدمة للمحكمة تبدو واهية, وشهادات الشهود متضاربة. ونرجو ألا تكون الداخلية قد عادت لتلفيق القضايا لمن يوقعه حظه العاثر تحت مقصلتها. إذن يبدو أن علي الحكم مآخذ كثيرة وأغلب الظن أنه سيخفف في الاستئناف. والأهم أن علي الجميع أن يفهموا أن طول مدد السجن لا يضمن التهذيب والإصلاح بل علي الأرجح يدرب ويخرج إرهابيين, فكل عتاة الإرهابيين الذين عانت منهم مصر تربوا في سجونها. إن الشدة مطلوبة مع القيادات والمحرضين وليس علي الشباب المضللين وقود الحريق. وجدير بالذكر أن المحرضين الخمسة في قضية سجن البنات كلهم هاربون. وتردد أن رأس الأفعي عاصم عبد الماجد يتمرغ في النعيم في الدوحة. إذن الرؤوس تفلت من العقاب, بينما الغلابة المضللون يقاسون أشد الانتقام. كما أن المعلومات المتاحة تشير إلي أن هناك ظلما بينا يتعرض له كثيرون من حواشي تظاهرات اليمين المتأسلم بلا ذنب. هذه هي عدالة عصر تلك الحكومة المؤقتة!! والواقع أن واجب وزارة العدالة الانتقالية والحكومة كلها ان تضمن ألا يؤاخذ برئ بذنب مارق. فأنظمة العدالة الراسخة تقوم علي أنه من الأفضل إطلاق سراح مائة مذنب عن عقاب برئ واحد. فمتي يستقر هذا المبدأ في مصر, وهل تكفر الحكومة المؤقتة عن بعض سيئاتها بإقراره وضمانه, عل الشعب لا يخرج عليها هي الأخري؟ لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى