أصبحت الوساطة بين الإخوان والسلطة المؤقتة في هذه المرحلة الانتقالية الثانية صناعة كبيرة وتجارة رائجة يتصدي لها أحيانا من لا عمل له ولا صلة بالموضوع. أعلم ان بعض النوايا طيبة ولكن البعض ايضا, ممن تمرغوا في تراب السلطة, أي سلطة, يسعي لأن يجد له موقعا غير مستحق علي الساحة السياسية ويهرول وراء مكافآت ما من أحد الأطراف أو الآخر. المثير للاستغراب في المحاولة الأخيرة لما يسمي المصالحة أنها انطلقت بعد أن قال القضاء كلمته بحل جماعة الإخوان الضالين وكل ما يتفرع عنها, خصوصا أن الوسيط المتطوع استاذ في القانون. ولكن المثير للدهشة وللاستهجان هو بدء هذه الوساطة بعد أن تبين ان الجماعة تتهاوي وتكاد تكون في النزع الأخير, فهي تفقد ظهيرها الشعبي باطراد, ومن ثم تنهار قدرتها علي الحشد وعلي الدفع بتظاهراتها الاحتجاجية التي باتت تواجه مقاومة من المواطنين انفسهم, ولم يبق في جعبتها الإجرامية إلا الإرهاب التكفيري المسلح الدنيء في سيناء. بينما في الوقت نفسه تتقدم خريطة الطريق وتوشك لجنة الخمسين علي الانتهاء من مسودة دستور منقي من أدران دستور اليمين المتأسلم الذي سرقوه في.2012 مجمل هذا التقدير أن هذه الوساطة لم تقم إلا لإنقاذ جماعة الإخوان الضالين, وتيار اليمين المتأسلم بكامله, من نهايتهم المحتومة التي جرها عليهم استكبارهم وطغيانهم في الحكم وجرائمهم بعد إسقاط حكمهم. كما أن هذه الوساطة تبدو وكأنها كانت تستهدف أو ستنتهي إلي تعطيل خريطة المستقبل التي توجت الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية العظيمة. وحسنا أن احتضرت هذه المبادرة في المهد, ولكن عموما يجب ألا نرحب بأي عمل لا يستهدف في المقام الأول عزة شعب مصر ورفعة الوطن, وقد ثبت أنهما ليسا ضمن أولويات تيار اليمين المتأسلم. ويتفرع عن هذا أن إعطاء اليمين المتأسلم قبلة الحياة يعني إجهاض خريطة المستقبل التي انتجتها الموجة الكبيرة الثانية من الثورة الشعبية العظيمة. فليمتنع جميع الوسطاء الذين لا يضعون هذه الغايات الوطنية السامية نصب اعينهم. ولتذهب اي جماعة ضالة أو فصيل سياسي لا يتبناها, ووسطاؤهم, إلي العزل أو الاعتزال. ربما كان هناك محل للمصالحة, كما تضمنت خطة المرحلة الانتقالية الثانية فعلا بأريحية ونبل, فور إعلان خريطة المستقبل, إن تاب تيار اليمين المتأسلم واناب وعاد إلي الصف الوطني. وأشدد علي ان تيار اليمين المتأسلم بكامله عمل علي نسف خريطة المستقبل بقيادة الإخوان الضالين. تماما كما كانوا في السلطة, التيار يحكم ويدير المجتمع بقيادة الإخوان, فكذلك هم في تخريب خريطة المستقبل وفي جرائم الإرهاب. الإخوان في القيادة وبقية التيار في أدوار مساعدة, وإن تضمن بعض هذه الأدوار المساعدة الانتقاد الصوري لفصيل الإخوان أحيانا. وإنني لأعجب من كم التفنن في البذاءة والإساءة إلي الدولة والشعب الذي تبديه هذه الجماعات, ولم لم تكن توظف لخدمة الإصلاح والنهضة عندما كانوا في الحكم ؟ وبالإضافة, تنطوي فكرة المصالحة علي خطأ فادح وكأن هناك طرفين متكافئين قام بينهما سوء تفاهم او اخطاء متبادلة. وليس ابعد عن الحقيقة والحق. فهناك علي جانب وطن وشعب ودولة, وعلي جانب آخر فصيل سياسي فاشي تاجر بالإسلام تجارة بور اساءت إلي الإسلام العظيم وإلي الوطن الغالي معا. وصل إلي الحكم بالتدليس وغواية البسطاء وإرهابهم بالدين, وحاول هدم الدولة وبيع الوطن لأعدائه حطاما هشيما. ولولا لطف الله بأرض الكنانة ويقظة شعبها وشهامة قواته المسلحة, لنفذ مخططه اللئيم. وعندما اسقطهم الشعب بالموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية العظيمة ردوا بالعنف الدنيء والإرهاب المسلح الخسيس واستعداء الأجانب للعدوان علي الوطن الذي ادعوا الانتماء إليه. وهو بالضبط ما هدد به نائب مرشد الإخوان الضالين الفريق السيسي وزير الدفاع عندما كان مازال يفاوضهم لصالح البلاد قبل3 يوليه, وهو عين ما حض عليه جميع قيادات هذه الجماعة الإرهابية العتيدة في الإجرام منذ نشأتها. لقد كانت السلطة المؤقتة كريمة, وربما أسرفت في الكرم وجازفت بإحباط خريطة المستقبل وبمستقبل الوطن, لما سمحت بعشرات من محاولات رأب الصدع, من خلال وساطات عديدة من ساسة عرب واجانب, علي الرغم من أن الخلف ترتب في الأساس علي عناد قادة اليمين المتأسلم ورفضهم الامتثال للإرادة الشعبية وعملهم علي عقاب الشعب علي التعبير عن إرادته في إسقاط حكمهم, وعلي تخريب خارطة المستقبل التي ارتضاها الشعب, بعون من قواته المسلحة. والمثير للسخرية وللشفقة في آن أن هذه الوساطات العالية المستوي تحطمت علي صخور مكابرة قيادات هذا التيار ومطالبته بإعادة عقارب الساعة إلي الوراء, مطالبين بالعودة إلي ما قام الشعب بالثورة عليه بالحرف, من طغيان واستكبار وإفساد في الأرض. بالضبط كما أدي امتناعهم المتكرر عن القيام بالإصلاحات المطلوبة شعبيا إلي إسقاطهم. هؤلاء إذن لا يتعلمون حتي من اخطائهم ولو وقعت الواقعة بسبب افعالهم النكراء. هم مرضي نفسيون يطلبون العلاج. ومن حقهم علي الوطن أن يتيح لهم العلاج, بعد محاكمة من أجرم منهم, عسي أن يعودوا عن أفعالهم النكراء, ومرحبا بمن يشفي منهم أخا كريما في وطن عزيز. غير أن من أجرم يبقي بشرا يتعين ان نضمن له حقوقه الإنسانية وعلي رأسها المحاكمة العادلة والمنصفة. ولهذا كله فإن فكرة المصالحة بعد كل هذا التعنت والإجرام من تيار اليمين المتأسلم تبدو سخيفة وتنطوي علي خطل أوعلي الأقل سذاجة مفرطة. فلا يستقيم الصلح مع من رفع السلاح علي ابناء الوطن الأبرياء, وأراق دماء جند مصر الشرفاء, وكأن شيئا لم يكن. لقد اسالوا الدماء واصابوا الأبرياء واوقعوا الشهداء, حتي من بين انصارهم, وعملوا علي تخريب الوطن باستمرار. وبعد كل هذا يطلع علينا من يسعي في المصالحة. لقد ارتكبت كل هذه الجرائم بتحريض علني مسجل من قيادات التيار ومشاركته الفعالة. وفي الحديث الشريف أن ليس منا من رفع السلاح علينا. فليحاكموا بسرعة ناجزة قبل أي حديث آخر. فجميع قياداتهم اجرم جرما فادحا ولا مناص من إلقاء القبض علي من بقي هاربا منهم, ومحاكمتهم جميعا, وبسرعة وأن يلقوا الجزاء رادعا, وان يلقي العلاج لإعادة تأهيله فكريا ونفسيا من يروم الشفاء منهم. ويتعين ان يلقي صغار المجرمين من ذيول الأفاعي المصير ذاته, ولعل المحاكم تلتمس لهم بعض العذر في تغييبهم او قلة حيلتهم أو شدة حاجتهم. صحيح ان لهم اتباعا كثيرين, ولكن أغلبهم مضللون, كما أن كثيرا ممن شاركوا في نشاطاتهم غير السلمية والإجرامية مرتزقة مأجورون. فالبعض الآخر من أنصار اليمين المتأسلم مضلل أخطأ ولكن لم يرتكب جرما, وربما يعيش مغيبا في اوهام وضلالات من قبيل مرسي راجع بإذن الله, و6 أكتوبر آخر يوم ولو بعد أن مر اليوم من دون أن تتحقق أوهامهم, أو ارتزق من صنعة سوء مشارك في تظاهراتهم غير العدائية لقاء أجر. هؤلاء أيضا مرضي يطلبون العلاج. فلتستعد وزارتا الصحة والعدالة الانتقالية لإتاحة العلاج الناجع لكل هؤلاء ولتستعد الوزارة بكاملها لتأهيل من يحتاج اقتصاديا منهم. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى