حاجات صغيرة قوي: وهو بيضحك جامد، وعينيه ما فيهاش ضحك خالص، قال لي: رغم إني بانام لوحدي، واصحى لوحدي، واشرب قهوتي الصبح لوحدي، واكل لوحدي، واتفرج ع التليفزيون لوحدي، واقرأ كتابي واناقشه مع روحي، واروح البار لوحدي، وانزل السلم لوحدي، واطلع السلم لوحدي، إلا إن الوحدة بتشد عليَّ قوي وانا باستحمَّى، .. لما تنزل الميَّه على جسمي؛ .. مرات كتير باعيَّط. ما عرفتش أقول له حاجة خالص؛ وما عرفتش أحضنه، لأني، رغم الخبرة، حمار، .. زي معظم البني آدمين. .......................................................... أبويا كان أول متعلم ف بلدنا، قرية صغيرة من قرى كفر الشيخ، مركز دسوق. كان محبوب ومركز ثقة الفلاحين الطيبين. كان بيتنا في المطرية مزارا للي ييجي مصر لسبب أو التاني؛ وكانت أوضة الجلوس منام لبعضهم أثناء زياراتهم. كان البيت ملجأ برضه لناس عندهم مشاكلهم ف البلد. من الناس دول كانت سعدية: شابة جميلة جدا، وفقيرة جدا. نشذت عن جوزها بسبب قسوته وحاجات تانية. قعدت في بيتنا شهور لحد ما اتحلت مشكلتها. كانت نسمة نوَّرت حياتي. كنت عيل صغير ف حضانة أو أولى ابتدائي. وقعت ف حبها، وبيني وبين نفسي خطّطت إني اتجوزها لما اكبر على اساس إني هاكبر وابقى قدها طبعا، وهي هتفضل زي ما هي. كانت رقيقة وجدعة، وعندها حواديت كتير. كنت كل شوية أقول لها: تتجوزيني يا سعدية لما اكبر؟ّ. تموت م الضحك. وازعل. بعد شهور، سعدية روَّحت البلد، وسمعت بعد حوالي سنة إنها اتجوزت مرة تانية. إنهرت لوحدي. مرت السنين وضاعت ذكرياتي، وشفي قلبي من الحب العويص دا. مات أبويا وانا ف الثانوية العامة. نجحت وأخدت الثانوية العامة، ودخلت المخروبة كلية الطب. كان أبويا ساب لي أنا واخويا الأكبر مني كام قيراط أرض مباني على حدود البلد. كانت بملاليم أيامها. المهم، بعناها حتة حتة واتعلمنا وعشنا بفلوسها كويسين. كنت ف تالتة كلية، وكانت فاضلة آخر حتة تتباع. نزلت البلد أمضي العقد للمشتري. في بيت عمي الفلاح الجميل قعدت مستني الشاري. ما اتأخرش كتير. دخل علينا الشاري واحنا بنشرب الشاي. الشاري كان سعدية. كانت عجّزت شوية، وبشرتها فرولت شوية، وقورتها كرمشت؛ بس عينيها فضلت جميلة وطيبة. كانت حزينة جدا. أنا افتكرت إن الدنيا قست عليها تاني بس فهمت سبب حزنها بعد ما مضيت لها عقد البيع: سعدية سابت الفلوس ع الكنبة، وسابت العقد، وخرجت م الأوضة مهرولة بعد ما بصت لي العين في العين، وعينيها الحلوة كلها دموع، وقالت لي: “ربنا يعوض عليك يا ابني، ربنا يعوض عليك». أنا ما فهمتش على طول. لكن وانا راجع ف البيجو عيطت، مش عشان بعت أخر حتة أرض، لكن لأني فهمت رقتها وإحساسها وجمالها. تتجوزيني يا سعدية؟! .......................................................... اتعزمت ع العشا عند صاحب قديم لي. قعدنا طول الليلة نتكلم وناكل ونشرب، ونسمع مزيكا؛ وهو طول الليل يقول لمراته حاجات حلوة قوي: “يا حبيبتي كذا، يا أميرتي كذا، يا جميلة كذا، يا أحلى ست ف الدنيا كذا، يا قمر، يا ست الكل، يا حنينة، يا عسل، يا ورد، يا .......». أنا كنت غيران منه؛ وانتهزت فرصة إن مراته قامت وسألته: “إيه يا جدع الرقة والحنية والحب ده كله؟! خمسين سنة جواز ولسه بتقول لها الكلام الحلو ده؟!!». قال لي بصوت واطي وهو بيضحك: “اسكت. أصل أنا بقى لي عشر سنين ناسي اسمها؟». .......................................................... كنت وانا صغير ومش متفلسف، باحب ابويا قوي. كان بيصحى بدري قوي، وانا كمان. كنت اقعد قصاده ع الكرسي، وهو على الكنبة البلدي ف الصالة. عايز أعمل له حاجة تفرحه. الحاجة الوحيدة اللي كنت اعرف اعملها له إني كل شوية اتسلل للبلكونة أشوف الراجل حدف جرنان الأهرام والا لسه. كل شوية أتسلل، أو فاكر إنه مش واخد باله من تسللي. لما ارجع بالجرنان فرحان له. ياخده مني بفرحة، غالبا معمولة عشاني، عشان افرح بفرحته. عليا دين لابويا، باحاول ادفعه لبنتي. .......................................................... وحدة الوجود والموت: كانت صديقتي وزميلتي في المهنة الدكتورة هناء سليمان (في انجلترا الآن) تشعر أحيانا بشيء ما وتتذكر أحد مرضانا، وبعد فترة قصيرة نعلم أنه في نكسة مرضية، ويتصل أهله طالبين المساعدة أو دخول المستشفى. حدث هذا أمامي في أحد المرورات اليومية. في نفس هذا المرور علق صديقي وزميلنا في المهنة الدكتور رفيق حاتم (في فرنسا الآن) مقدما تفسيره الخاص لذلك بأننا نحمل ego state (حالة من حالات أنا) من نهتم بهم في مكان ما من العقل، وأن هذه الأنا المرتبطة بهذا الشخص تنشط فينا عندما نتشط أو تضطرب فيه. وقدم شرحا جميلا. طلبنا منه كتابة هذا الفرض فوافق، لكنه لم يفعل أبدا، أو لم يستطع. تدور الأيام وتمر السنوات وتدور عجلة العلم، ونقرأ عن التفاعل بين عوامل الطبيعة. كتب لي أمس صديقي منذ الصف الأول الثانوي خالد علي (في أمريكا الآن) الفرض العلمي عن التفاعل الجيني بين البشر وبين الطبيعة، وشبكة الاتصالات والوجود البيولوجي التي تفسر تلك المشاعر والتواصلات مع بشر على مسافة بعيدة من الحواس الخمس. يبدو أننا كلنا جسد واحد فعلا، على مستوى ما من الوجود. كلنا عضو في عملية أكبر أو جسد أكبر. الكل يحل في وجود الكل. كلنا، أبيض واسود، مسلم ومسيحي، صغير وكبير، غني وفقير، .... الكل في واحد، زي النمل والنحل والشجر والهوا. أستاذ فى الطب النفسى - أمريكا