منذ صدور فتوي مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية, بإباحة زواج المعاق ذهنيا, قياسا علي إتاحة الشريعة الإسلامية الزواج للمجنون لما فيه من خير للمجتمع الذي يضم معاقا, يشعر بالعاطفة مثل باقي أفراده, وردود الأفعال تتوالي حول تلك الفتوي!! وبات زواج المعاقين ذهنيا واحدة من القضايا التي فرضت نفسها بقوة علي أجندة المهتمين بهذه الفئة داخل كل بيت, ولا تتوقف التساؤلات الفقهية التي ترد إلي لجنة الفتوي بالجامع الأزهر ودار الإفتاء والتي رصدنا جانبا كبيرا منها, في هذا التحقيق, والتي كان من أبرزها: هل يتزوج المعاقون ذهنيا من معاقين مثلهم أم من أصحاء؟ وكيف يمارس المعاق حياته الزوجية ومسئوليته مع زوجته وأولاده؟ وما هي الضوابط الشرعية لهذا الزواج؟ وهل يقع طلاق ذوي الاحتياجات الخاصة؟ وحول موقف الشريعة الإسلامية من مسألة زواج الأصحاء من المعاقين يقول الدكتور محمد رأفت عثمان, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء, إنه يجوز للفتاة أو الفتي السليم أن يتزوج معاقا إذا رضي أحد الطرفين بذلك, وكان كل منهما عالما بعيب الآخر, لأن الرضا بين الزوجين من أهم الضوابط الشرعية, فضلا عن توافر شرط القدرة علي الإنفاق للزوج المعاق, سواء من خلال عمل يعمل به أو من خلال ولي أمره, لأنه لا يعقل أن يتزوج وهو لا يستطيع الإنفاق علي أسرته, وهذا الشرط ينطبق علي الأصحاء أيضا. وأشار إلي أنه يجوز تعقيم الأنثي المعاقة, إذا أثبتت الأبحاث أو الاختبارات الوراثية أن الأولاد سيكونون معاقين بطريقة يقينية, ففي هذه الحالة يباح التعقيم, لأن الموازنة تكون بين أمرين هما إنجاب أطفال معاقين, أو عدم إنجاب أطفال من الأساس ولكل منهما ضرره, والقاعدة الشرعية تقول إنه إذا تعرض الإنسان لأمرين في كليهما ضرر, يتم الأخذ بأخفهما ضررا, لدفع الضرر الأعظم منه, والأعظم في هذه الحالة إنجاب أطفال معاقين. حكم الإجهاض وأكد الدكتور رأفت عثمان, أنه يجوز إجهاض الجنين قبل مرور120 يوما من بدء الحمل, إذا اكتشف الأطباء أن الجنين سيكون مشوها, طبقا لحديث النبي, صلي الله عليه وسلم,إن أحدكم ليجمع في بطن أمه أربعين ثم مثلها علقة, ثم مثلها مضغة, ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح, ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فيجب متابعة الحمل في الفترة الأولي حتي لا يصل إلي ال120 يوما, وهي فترة دبيب الروح, ويتصرف الطبيب بما تقتضيه المصلحة, إما الإجهاض وإما علاج الجنين, إذا كانت الحالة قابلة للعلاج, وهكذا نأمن زيادة أعداد المعوقين في المجتمع, أما عن الإعاقة الذهنية فهي ليست من الأمراض الوراثية, وليس هناك مانع شرعي في تزويج البنت المتخلفة عقليا, بشرط أن يكون المتقدم عالما بمستواها العقلي, فيكون الدخول علي العقد غير مجهول من أحد العاقدين, وعلي هذا فالكلمة الأولي والأخيرة للخاطب الذي يرغب في الزواج منها. طريقة الزواج ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم, أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر, وعضو هيئة كبار العلماء أن الصداق من شروط هذا الزواج, وأنه لابد من صاحب العاهة الذهنية أن يكون له وكيل عنه, كما أن العاهة الذهنية إما أن تكون بسيطة فيجوز له الزواج, إن لم يكن له إعاقة لممارسة الحياة الزوجية, وإما أن تكون خطرة مثل الجنون الكلي والكامل فلا يحق له الزواج. وأشار إلي أن مؤخر الصداق يدفعه عنه وليه, أما في حالات الطلاق في بعض المذاهب فلا يقع منه طلاق, ولكن يحتاج أيضا إلي الولي, ومن الممكن لفاقد الأهلية أن يكون وليا للبنت, ولكن إذا كان عنده شئ من التعقل ولو في بعض الأوقات, ومن الأفضل أن يكون أحد أقاربه ينوب عنه في هذه الولاية. وجوب النفقة ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, إن الرجل تجب عليه النفقة في حالة إن كان له مال, أو تلزم عصبته النسبية من( الأب أو الأخ أو العم أو ابن الأخ أو ابن العم...الخ) إن لم يكن له مال, الشئ نفسه في مؤخر الصداق إن كان له مال تلزم عصبته, وإن لم يكن له مال فمن عصبته النسبية, وإذا استدعت الأمور للطلاق فإما الولي أو يقوم القاضي بالتطليق شرط استدامة فقدان العقل, وأن الإعاقة الذهنية نوعان( جزئي وكلي) فإن لم يكن للمعاق ولي, يعقد القاضي, ومن شرط الولاية الأهلية من العقل والبلوغ والاختيار فتنتقل الولاية لمن يليه, أما عن الواجبات الزوجية, فطالما هناك رضا وإيجاب وقبول وعلم الطرف الآخر وماهو ملزم به النفقة, وأن هذا العقد كامل الأركان والشروط, طالما به تحديد الصداق والإشهاد وصيغة العقد, وهذا الزواج من أجل السترة, فهذا يجري في المجتمع للمحافظة علي البنات والشباب من ضياع حقوقهم الشرعية, وكم من مصرات يتزوجن مكفوفين, ومقعدين...الخ فهناك من تبغي الثواب, وفاعل هذا مأجور من عند الله, فمن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا, ومن ستر مسلما ستره الله تعالي, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه, وهي من أرقي صور التكافل الاجتماعي, ولا يقدم عليه إلا المتاجر مع الله, ابتغاء الثواب وحسن الجزاء, وتحتاج إلي العزيمة والنفس الرقيقة التي تحنو علي أصحاب الابتلاءات, وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. من جانبه يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء, إن هناك شبه اتفاق ضمني بين الأسر غير معلن بعدم زواج المعاق ذهنيا وأن هذا الزواج جائز ولكن بشروط طبية وتحت إشراف أسري, والحق هنا غرائزي حتي يفرغ هذه الغريزة في مكانها الطبيعي بالرغم من أننا لم نسمع عن معاق اغتصب فتاة, ولكن المعاق هو من يقع عليه التحرش في أغلب الأحيان, والشروط الواجب توافرها هنا هي منع زواج المعاق الذي له رد فعل عنيف, ومن لا يستطيع القيام بواجباته الزوجية وخاصة الرجل لأن في ذلك ظلما للمرأة وقد يترتب عليه حرمة, والمباح إذا ترتب عليه محرم فهو حرام, كذلك يفي بواجباته الاجتماعية ولو الحد الأدني من المسئولية والإدراك, ليمارس حقه الطبيعي بغير عنف. وأوضح أن التعقيم حرام, ولكن إذا ترتب علي ذلك ذرية معاقة فمن المفروض أن الطب يعلم ذلك في ال120 يوما الأولي وفي هذه الحالة يجب التدخل لإجهاض الجنين, وإذا تكرر ذلك فليتم التعقيم, أما دون ذلك فهو حرام. وفي سياق متصل يؤكد الدكتور مبروك عطية رئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر, أن هذه الزيجة تجوز إذا رضي وعلم كل منهما دون غش ولا خداع, لأن في جميع كتب الفقه بابا يسمي زواج المجنون والمجنونة ولا خلاف بين الفقهاء في صحة زواج المجنون والمجنونة إذا كان كل منهما في حاجة إلي الزواج, كما أن الزواج بصفة عامة لا يتم إلا بالإيجاب والقبول, فمن رضيت بمجنون وهي تعلم جنونه( صح الزواج), ولا طلاق لمجنون, أي أنه زواج بلا طلاق, وإنما يطلق وليه, إذا حدث ضرر لمن رضيت بالزواج منه, أما إذا تم العقد علي غير علم, واكتشف الجنون في الرجل أو المرأة فلكل واحد منهما حق الفسخ إن أراد ذلك, أو أبقي عليه, وإذا تزوج الرجل بمجنونة ولا يعلم أنها مجنونة, فصداقها ثابت, ومن حقها جزاء ما انكشف به عليها, ولكن يغرمه من خدعه, أي لا يدفع هو شيئا, ولكن وليها إن زوجه إياها, وقال له إنها عاقلة, أما إذا كان فاقد الأهلية مجنون يزوجه وليه, فالمرأة العاقلة تحتاج إلي ولي, إذن أيضا المجنونة لا تستغني عن هذا الولي, كما أن المرأة لا تعقد للمرأة بإجماع الفقهاء, فللمرأة ولي, ولا ولي للرجل إلا إذا فقد الأهلية, أو يمكن أن يكون عاقلا, ولا شئ بالغا رشده يمنعه, ويحق للرجل أن يوكل عنه من ينوب لكي يزوجه.