أجاز عدد من العلماء بالأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، زواج المعاقين ذهنيا، منبهين على مجموعة من الشروط التي تحافظ على مصلحة هذا المعاق وفقا للمعايير الصحية ومدى الكفاءة التي أوجب الشرع مراعاتها، خاصة وأن هناك أمورا كثيرة غير القدرة المالية، وأهمها قدرته على فهم طبيعة العلاقة الزوجية من إنجاب، وعلاقة جنسية قد لا يفهم هذا المعاق طبيعتها، وضمان عدم الأذى لنفسه ولغيره، حيث يحتاج المعاق لمن يكبح جماحه في العبث بأشياء قد تنهي حياته وحياة الآخرين. في البداية، أكد الدكتور مبروك عطية أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، اجتماع رأي الفقهاء على السماح بزواج المعاقين ذهنيا في الشريعة الإسلامية، بشرط تحقق حاجة المريض لهذا الزواج وعدم تحقق الأذى من ورائه لغيره أو لزوجته أو للمقيمين معه في البيت أو الحي. وأوضح في تصريح خاص ل "بوابة لوفد"، أنه بالرغم من عدم أهلية المعاق ذهنيا لإتمام صحة عقد الزواج الذي يشترط أن يكون غير مجنون وألا يكون فاقدا للأهلية، إلا أنه يجوز نقل العقد لوليه لإتمام صحة العقد، بشرط أن يكون هذا الولي أمينا على هذا الزواج من خلال معرفته لمدى حاجة المعاق من الزواج ومدى قدرته على تحمله وعدم حصول الأذى له ولغيره به، مشيرا إلى أنه يستطيع زواج المعاق ذهنيا من إمرأة صحيحة طالما أن هناك إيجابا وقبولا. وأضاف عطية أنه يجوز أيضا زواج المعاقة من معاق مثلها بشرط ألا يكون زواجهما زيادة لهما في ضررهما وضرر الآخرين أو سببا في تطور المرض بشكل أخطر عليهما وعلى غيرهما، فضلا عن ضرورة وجود رقيب عليهما في عش الزوجية خوفا من العبث بشئ قد يؤدي إلى كارثة تهدد حياة العشرات خاصة وأن المعاق مثل الطفل الذي يعبث بكل شئ أمامه وبالتالي يجب أخذ الحيطة من كل أسباب انهيار حياته وغيره. وأشار إلى أن الولي إذا تأكد له عدم قدرة المعاق على تحمل هذه الأشياء كلها وقام بزواجه فقد أثم، لأن الزواج يكون لمصلحة المريض وليس لضرره، فلا يجوز زواجه إذا أثبت الطبيب مثلا أن زواجه سيأتي بمعاق آخر، كما لا يجوز زواجه إذا كان استغلالا لفقر إمرأة ضعيفة يمثل زواجه منها خطرا على حياتها أو شعورها، أو يكون الزواج سببا في انهيار صحة أحدهما الجنسية. من ناحيته، أصدر الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية فتوى تبيح للمعاقين ذهنيا الزواج قياسا على إباحة الشريعة الإسلامية الزواج للمجنون ، لما فيه من مصلحة للمعاق الذي يشعر بالشهوة والعاطفة والمحتاج إلي سكن ونفقة ورعاية، مثل بقية بني جنسه، مع زيادته عليهم باحتياج في بعض النواحي التي مرجعها لحياته الخاصة . وأوضح جمعة أن زواج المعاق من الحقوق الملحة له مادام يتوفر فيه الأركان الصحيحة للزواج، فإن كانت الشريعة الإسلامية قد أباحت زواج المجنون من مجنونة، فزواج المعاق إعاقة عقلية بسيطة جائز من باب أولي، ولا حرج فيه ما دام محاطاً بالحرص علي مصلحته محفوفاً برعاية منافعه . وأضاف: "الأصل أن القائم علي رعاية المعاق ذهنياً والوالدين أو أحدهما، تكون تصرفاته تجاه المعاق مقيدة بالمصلحة دائرة معها، فإن كان الزواج في مصلحته من الناحية النفسية أو الصحية أو حتى المادية، فلا يجوز شرعاً الحيلولة بينه وبين ذلك، بل قد يمكن التأليف بين الحالات المتشابهة أو قريبة التشابه لإحداث الزواج بينها من خلال الجمعيات والروابط التي تنظم حياة هؤلاء المعاقين" . وأشار جمعة إلي أن تأخير زواج المعاقين ذهنياً وتأخير جلب المصلحة لهم، حيث توافرت مقدماتها، فيه تقصير وإثم بقدر تحقق تخلفهم عن توصيل هذا الخير الذي يغلب علي الظن حصوله للمعاقين، موضحاً أن من يقوم بتحديد المصالح البدنية والنفسية من هذا الزواج هم الأطباء المتخصصون، وعند الاختلاف والنزاع في كون الزواج مصلحة للمعاق من عدمه يتم اللجوء للقضاء لرفع هذا النزاع. وانتهى المفتي إلى عدم وجود ما يمنع المعاق ذهنياً من الزواج، لأن الزواج شيء والإنجاب شيء آخر، فالزواج فيه أنس ورحمة ومودة وتعاون ومصاهرة ومعان سامية كثيرة، ولو كان الإنجاب ضرورياً لازماً مرتبطاً كلياً بالزواج، لما صح زواج العقماء . واتفق معه في الرأي الدكتور محمد رأفت عثمان ، عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حيث أكد جواز زواج السليم من المعاق بشرط رضى أحد الطرفين بذلك، وكان كل منهما عالما بعيب الآخر؛ لأن الرضا بين الزوجين من أهم الضوابط الشرعية، فضلا عن توافر شرط القدرة على الإنفاق للزوج المعاق، سواء من خلال عمل يعمل به أو من خلال ولي أمره. وعن حكم تعقيم الأنثى المعاقة دفعا لضرر وجود أطفال يحملون نفس الصفات، أشار إلى جواز التعقيم إذا أثبتت الأبحاث أو الاختبارات الوراثية أن الأولاد سيكونون معاقين بطريقة يقينية؛ ففي هذه الحالة يباح التعقيم؛ لأن الموازنة تكون بين أمرين هما إنجاب أطفال معاقين، أو عدم إنجاب أطفال من الأساس ولكل منهما ضرره. منبها على القاعدة الشرعية التي تقول، إنه إذا تعرض الإنسان لأمرين في كليهما ضرر، يتم الأخذ بأخفهما ضررا؛ لدفع الضرر الأعظم منه، والأعظم في هذه الحالة إنجاب أطفال معاقين؛ لأنه يسبب آلاما شديدة لأهله طوال حياته، فضلا عن تعرض الأطفال أنفسهم لآلام نفسية شديدة جراء إعاقتهم، بحد قوله. وعن حكم أجهاض الحامل المعاقة، أكد أنه إذا ثبت بصورة قاطعة أن الجنين الذي تحمله المرأة سيكون معاقا يجوز إجهاضها قبل أن يصل إلى 120 يوما، أما إذا وصل في رحم أمه إلى 120 فلا يجوز إجهاضها؛ لأن الروح الإنسانية تكون قد دبت فيه كما ورد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ما معناه "أن أحدكم يمكث في بطن أمه 40 يوما نطفة، ثم 40 يوما علقة، ثم 40 يوما مضغة، ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح"، فبعد وصول الجنين إلى 120 يوما يكون إنسانا عاديا مثله مثل أي إنسان، غاية ما هنالك أنه صغير الحجم لم يكتمل نموه بعد، فلا فرق بينه وبين أي إنسان مولود، أما إذا أنجبت المرأة طفلا معاقا فلا يجوز قتله.