ومن بين حضور المؤتمر ريتشارد بانكس مدير عام الأسواق الناشئة لمؤتمرات اليورومني والذي كتب مقالا حول مشاركته في ملتقي لندن قال فيه:' شرفت كثيرا بحضور الدورة الثالثة لمؤتمرEFG-Hermes للاستثمار بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, والذي أقيم في لندن مؤخرا. وفي قاعة مليئة بكبار رجال الأعمال والعديد من المستثمرين الأجانب المهتمين بالاستثمار في المنطقة, كان الدكتور مصطفي حجازي, مستشار الرئيس المصري للشئون الاستراتيجية, أحد أهم المتحدثين وأكثرهم حضورا وتأثيرا, حيث جذب انتباه الحاضرين بتقديمه شرحا تفصيليا عن حقيقة الوضع الحالي في مصر وكذلك رؤية الدولة للاستثمار والمستثمرين الأجانب. وخلال إجابته علي الأسئلة الموجهة إليه, تناول حجازي بعض- وليس كل- المشكلات التي تواجه الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومستثمري المحافظ المالية في مصر. وقد أتيحت لي الفرصة للتحدث مع بعض المستثمرين وتناولنا أهم المشكلات التي تقلقهم فيما يتعلق بالاستثمار في مصر, مع مناقشة بعض الأمور التي يجب علي الحكومة المصرية القيام بها حيال تلك المشكلات, إذا ما أرادت بالفعل إعادة تدفق الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال للبلاد مرة أخري. والغريب أن الأمن أو الحالة الأمنية بمعناها التقليدي لم تكن من بين العناصر المقلقة للمستثمرين الأجانب كما يتوقع الكثيرون, بل أن الصحفيين كانوا الفئة الوحيدة التي أبدت اهتمامها بالحالة الأمنية في مصر, ولكن كان القلق الأكبر الذي يساور المستثمرين الأجانب هو نوع آخر من الأمن... أمن رؤوس أموالهم وأرباحهم. فكل مستثمر يريد التأكد أنه لو ضخ استثماراته في مصر فسوف يتمكن من سحبها. وبالنسبة للمستثمرين في الأوراق المالية وصناديق الاستثمار, فان فريق إدارات الالتزام في شركاتهم لن يسمح لهم بالاستثمار في أي دولة أجنبية, إلا عندما تضمن تلك الدولة سيولة حركة الاستثمارات بها دخولا وخروجا بكل حرية. ولا يمكن وصف السوق أو الفرصة الاستثمارية بأنها واعدة, إذا لم تتحقق الأرباح المستهدفة من وراء هذا الاستثمار. وانطلاقا من هذا, يجب علي مصر معالجة تلك المشكلة بسرعة وطمأنة المستثمرين بشأنها. لقد تناقلت وكالات الأنباء والمواقع العالمية مؤخرا الأخبار المتعلقة برد مصر للوديعة القطرية البالغة قيمتها2 مليار دولار, لذا أعتقد أن مصر قد بدأت بالفعل في تطبيق الإجراءات الكفيلة بحرية حركة الاستثمارات الأجنبية. وإذا تحدثنا بجدية عن هذا الأمر, نجد أن قرار البنك المركزي المصري برد الوديعة لقطر يؤكد- بالنسبة لي علي الأقل- وجود نوع من الثقة, وعدم وجود أزمة طاحنة. فقد ارتفع احتياطي النقد الأجنبي لدي البنك المركزي المصري من13.4 مليار دولار في مارس2013, ليصل علي18.8 مليار دولار في يوليو من نفس العام. وقد طرح البنك المركزي مؤخرا عطاء استثنائي للعملات بقيمة1.6 مليار دولار. وبالرغم من أن موقف العملة الأجنبية في مصر مازال يواجه الكثير من التحديات, ولكنه لم يصل أبدا وأؤكد ذلك- إلي مرحلة الأزمة الحادة. ويشير قرار البنك المركزي المصري برد الوديعة القطرية أن البنك فضل ردها بدلا من تحمل سعر فائدة عالي جدا عليها. أما البديل الآخر- وهو عدم الوفاء بأقساط الدين الخارجي- فلم يكن مطروحا في مصر علي حد علمي. فالدولة المصرية تدفع أقساط ديونها بانتظام, علي عكس الكثير من الدول في منطقة اليورو. ومنذ أن ردت مصر الوديعة القطرية, بقي الجنيه المصري مستقرا, وهو ما يظهر قدرا من الثقة في السوق المصري. أما مؤشرFX بالبورصة المصرية وهو أكثر أنواع التجارة من ناحية السيولة المالية, فقد تمكن من دعم الثقة في الاقتصاد المصري علي المدي القصير. في نفس الوقت, سترفع مصر في النهاية المعوقات المفروضة علي تدفقات رؤوس الأموال داخل النظام الاقتصادي, وتعود الدولة لانفتاحها المعتاد علي الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية. وكلما تم ذلك بوتيرة سريعة, كلما كان المناخ الاقتصادي مؤهلا لإستقبال المزيد من الاستثمارات الأجنبية في المستقبل. إلا أن هذه الإجراءات ليست كافية بمفردها لاستعادة ثقة الأسواق العالمية في المناخ الاستثماري في مصر. فعلي الوزراء والمسئولين في الحكومة المصرية التحرك السريع لحل النزاعات الاستثمارية العالقة بين الدولة وعدد من المستثمرين الأجانب, مع طمأنة المستثمرين علي استثماراتهم من تهديدات تطبيق بعض التشريعات بأثر رجعي, وإلغاء بعض القرارات الحكومية الطاردة للاستثمارات الأجنبية, وهي قرارات تم اتخاذها علي مدار السنوات الأخيرة. يجب علي الحكومة المصرية أيضا أن تثبت للجميع, وخاصة المستثمرين, أنها ملتزمة بتطبيق أفضل الممارسات الاستثمارية والمحافظة عليها, مع تهيئة المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات الجديدة. إن ذلك ما يحتاجه المستثمرون الأجانب من مصر. بل نجد أن المستثمر الأجنبي يمكنه تحمل حالة عدم الاستقرار الأمني التي تعاني منها البلاد وحالة عدم التأكد المحيطة بالمناخ السياسي, بل ويجد بعض المستثمرين في ظل هذه الظروف فرصة لشراء الأصول المصرية. ولكن, إذا خضعت استثمارات وأموال هؤلاء المستثمرين للنزاعات القانونية وتقييد حرية حركتها بأي شكل من الأشكال, عندها يتوقف المستثمرون عن القدوم إلي مصر. ففي الحقيقة ليست' الأوضاع السياسية والأمنية' هي الأسباب الرئيسية وراء عزوف المستثمرين عن القدوم إلي مصر, ولكنه المناخ الاستثماري الناتج عن تلك الأوضاع. ومع ذلك لا أجد هذا الوضع مقلقا بدرجة كبيرة, لأن إصلاح هذا المناخ من الأمور التي يمكن لصناع القرار في الحكومة المصرية' التأسيسية' التعامل معها وتعديلها بسرعة, وهو ما أتمني حدوثه في المستقبل القريب. وستناقش الدورة التاسعة عشر لمؤتمر يورومني, والتي ستنطلق يوم الاثنين11 نوفمبر القادم, ضرورة اتخاذ القرارات الكفيلة بتحقيق ذلك في أسرع وقت.