ما الذي تريده إسرائيل وبقية غلاة اليمين المتطرف داخلها من المسجد الأقصي؟ علامة استفهام تتردد منذ أكثر من أربعين عاما أي منذ محاولة إحراق المسجد الأقصي, وها هو يتكرر من جديد الأيام القليلة الماضية بعد اقتحام مستوطنين يهود وأعضاء من حزب الليكود الذي يرأسه بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي باحات المسجد الأقصي. الشاهد أن المحاولة الأخيرة وان كانت تبغي محاولة تقسيمه من الداخل كي يكون هناك لهؤلاء موطئ قدم دائم إلا انه لا ينفصل عن الهدف الأبعد الذي يسعي هؤلاء لإدراكه..... ماذا عن هذا ؟ لا فائدة لإسرائيل بدون القدس ولا معني للقدس دون إقامة الهيكل هكذا تحدث بن جوريون, ما يعني أن كل ما يجري من تحت الأقصي ومن حوله إنما يهدف إلي هدمه والي إقامة الهيكل الثالث, الأمر الذي يصب في نهاية الأمر في إطار المخطط الأكبر أي تهويد فلسطين حجرا وبشرا. وعلامة الاستفهام في هذا المقام, هل رؤية إقامة الهيكل علي أنقاض الأقصي لها أسس من الصحة الدينية أو اللاهوتية وبخاصة لجهة الديانة المسيحية علي نحو خاص؟ أم أن الأمر برمته هو أكذوبة ضمن ثلاثية منحولة من الرؤي الاسكاتولوجية. عند دعاة اليمين المسيحي المتطرف وكذلك اليهودي نجد رؤي لثلاث قضايا, كل منها في حاجة إلي حديث منفرد, الأولي هي إشكالية الملك الألفي السعيد, والثانية معركة أو موقعة هرمجدون, والثالثة هي تحصيل حاصل وتتصل بفكرة هدم الأقصي وبناء الهيكل. وفي تقدير تلك الجماعات أن بناء الهيكل علي نحو خاص هو العلامة النهائية لانقضاء الزمان وعودة السيد المسيح إلي الأرض ثانية, ولهذا فلا عجب أن نجد تيارا مسيحيا عريضا يعمل علي تشجيع إسرائيل سرا أو جهرا من اجل بناء الهيكل مهما كلف ذلك الأمر من إشعال حريق ديني حول العالم, وذلك ليس حبا منهم لإسرائيل بل من اجل الإسراع بسيناريو قيام الساعة. ما حقيقة الهيكل التاريخية ؟ وأين تقف المسيحية من فكرة إعادة بنائه ؟ باختصار غير مرهق للقارئ غير المتخصص في التاريخ اليهودي, نقول إن هناك أكثر من هيكل وهو محل العبادة في تاريخ بني إسرائيل: الهيكل الأول, ومعروف باسم هيكل سليمان ابن داؤد وقد بني نحو عام1004 قبل الميلاد وهدم في حوالي عام587 ق. م علي يد نبوخذ نصر ملك بابل حينما سقطت أورشليم في أيدي البابليين. الهيكل الثاني, ويعرف باسم هيكل زروبابل وكان بناؤه عام150 قبل الميلاد وزروبابل هو حاكم اليهودية آنذاك وكان ذلك البناء بأمر قورش ملك فارس لكن القائد الروماني انطيوخوس الرابع قام بتدميره. الهيكل الثالث, ويعرف باسم هيكل هيرودس نسبة إلي بانيه هيرودس الكبير وقد بدأ العمل فيه عام19 قبل الميلاد وظل يبني حتي عام64 ميلادية ولم يمض بعد ذلك إلا6 سنوات حتي دمره نهائيا القائد الروماني تيطس سنة70 ميلادية. هل من نبؤة في المسيحية تؤكد أو تشير من قريب أو بعيد إلي حتمية قيام هيكل جديد لليهود في ارض فلسطين ؟ من المؤسف جدا أن يردد كل الذين يكتبون ويعلمون عن أحداث الأيام الأخيرة مقولة إن هناك نبؤات بإعادة بناء الهيكل المحكوم عليه بالاندثار إلي الأبد, وفيما خص السيد المسيح نفسه فقد أشار إلي الهيكل الأخير الذي عاصره وقال انه لن يترك هاهنا حجر علي حجر إلا وينقض, الأمر الذي يعني عند كافة الرواة والمفسرين المسيحيين الثقاة للأناجيل أن ما من سند لاهوتي أو أبائي لفكرة قيام هيكل جديد سواء مكان الأقصي أو في أي مكان مغاير. نقرأ في المؤلف المهم تاريخ بني إسرائيل للعلامة المصري الراحل الأب متي المسكين ما يلي انه مهما يكن من أمر الإعداد والتجهيزات للهيكل اليهودي, وحتي لو كانت إسرائيل مدعومة بكل ما أوتي اليمين الأصولي من قوة ونفوذ ومصادر دعم, فإن إسرائيل التي تعيش زمان الفرع اليابس تحاول من تلقاء ذاتها إعادة رسم دور لها علي خريطة العلاقات الإلهية البشرية, لكنه دور قد انتهي, ومخطط قد فرغ, وكل زعمهم هو باطل من ارض الموعد, وصولا إلي الهيكل الجديد, وهي ادعاءات من قبيل ادعاء الابن المطرود من بيت أبيه, وفقد شرعيا كل حقوقه بعد أن جرده أبوه نهائيا. لقد ضاع الهيكل واندثرت كل آثاره مهما قالوا عن اكتشافات, حتي إن معظم المهندسين والمنقبين لم يستطيعوا أن يستردوا أي شكل من أشكاله, إلا ما وجد من أوصافه المدونة في العهد القديم. لقد ضلت إسرائيل وانخدع كثيرون من الكتاب العالميين والمسيحيين معتقدين أن تجمع إسرائيل نصرة للرب وفي عودة الصهيونية تكميلا للنبؤات. لمزيد من مقالات اميل أمين