أتابع- مثل أغلبية المصريين- المسرح القومي للعبث, حيث تحولت مصر مؤخرا إلي بلد( وليس دولة) تشهد نهضة كبري في فنون المسرح الدرامي والكوميدي, والحقيقة أن العمل يجري علي قدم وساق- بلا توقف- من أجل تقديم الجديد في كل يوم وساعة. الحقيقة أيضا أن أبطال المسرح القومي للعبث, قد تعددوا وتنوعوا وأسهموا في إثراء الفنون بشكل غير مسبوق... الأبطال لديهم قدرات فائقة علي تغير الوجوه بسرعة يحسدون عليها وتغيير الملابس لتناسب الأدوار الجديدة, وللأمانة يتمتعون أيضا بافتراض الجهل والغفلة وفقدان الذاكرة لدي المشاهدين الكرام المسرح العبث, وأنا منهم. إحدي المسرحيات الممتعة التي دفعتني للكتابة- بعد فترة توقف دامت لشهور طويلة- كانت مسرحية إشهار جمعية الإخوان, والتي شارك فيها ممثلون سابقون وحاليون, وشارك فيها فريق هائل من الممثلين المساعدين من الحكومة, والشئون الاجتماعية, والعدل, والخارجية المصرية, ومجلس الشوري الموقر, مع إسناد أدوار صغيرة لما يعرف بالمجتمع المدني, والحقوقيين, والنشطاء. وفي هذا السياق سوف أشير إلي عدة نقاط موجزة ورئيسية, ترشح جمعية الإخوان المشهرة تحت رقم644 لسنة2013, للحصول علي جائزة أفضل عمل مسرحي من بين العروض المتعددة التي نتابعها.. إشهار الجمعية بعد ساعات من تقرير لهيئة مفوضي الدولة أوصي بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري( الصادر عام1992) برفض طعن الإخوان علي قراري مجلس قيادة الثورة ومجلس وزرائه بحل الجماعة. حديث السيدة الفاضلة وزيرة الشئون الاجتماعية( بيانها الصادر في21 مارس2013) عن تلقيها طلبا مكتمل الأركان وفقا لتعبيرها بالبيان بإشهار جمعية باسم الإخوان المسلمين, وهنا أتوجه بأسئلة موجزة إلي سعادة الوزيرة ما هي الأوراق المطلوبة ليكون الطلب مكتمل الأركان؟ وما الآليات التي ستعتمد عليها الوزارة الموقرة لمتابعة أنشطة وميزانية ولجماعة( أقصد جمعية) تحكم مصر؟ وما هي مسئولية سيادتكم الشخصية عن إشهار جمعية, تعلمين تماما أنها تنشط بالعمل السياسي؟ وكيف يمكن فصل نشاط كيانات ثلاثة عن بعضها البعض: جماعة, حزب سياسي, جمعية؟ وإذا تقدمت حركة6 إبريل أو أولتراس الأهلي, أو أي حزب سياسي بطلب إشهار جمعية... هل ستوافقون في ضوء الطلب إياه مكتمل الأركان؟ وهل سيتم ذلك بنفس السرعة؟ والسؤال الأخير لسعادة الوزيرة هل يمكن الاستناد إلي الحق في الإشهار وبالطلب مكتمل الأركان إياه- وفقا للدستور- في الوقت الذي يناقش فيه المجلس التشريعي مشروع القانون؟ الواقع أن هناك جزءا ممتعا في المسرحية العبثية التي نتحدث عنها, حدث بالفعل في مجلس الشوري, وهو ما أضحكني وأبكاني في الوقت نفسه, بعض معالم المشهد كانت علي النحو التالي: الخلاف يحتدم والجدل يشتد حول تعريف ما أطلق عليه مجلس الشوري الموقربمنظمات العمل الأهلي... لاحظوا هنا تسمية جديدة ليس جمعيات أو مؤسسات أهلية كما ورد في الدستور... إلي أن أدركوا أن الدستور يتحدث عن الجمعيات والمؤسسات الأهلية... كذلك النقاش حول تعريف الائتلاف أو التحالف أو الشبكة.. وكلها تعني معاني واحدة في العمل الأهلي وتنفرد الحالة المصرية المتميزة بابتكار تعريفات لهذه المصطلحات وإيجاد فوارق فيما بينها, رغم أنها ذات دلالة واحدة, وقد تكون رسمية أو في الأغلب هي غير رسمية.. وإذا كانت مسجلة فإن القانون84 لسنة2002 يتناولها السادة النواب في لجنة تنمية القوي البشرية والإدارة المحلية, يعيدون اختراع العجلة( ليس عجلة الإنتاج) فهم يختلفون حول التعريف, ويرغبون في توسيعه ليشمل كيانات شبابية( لا نعرف ما هي وإن كان من ضمنها البلاك بلوك أم لا؟). سعادة النائب د. عبد العظيم محمود, رئيس اللجنة المعنية بمجلس الشوري, يبشرنا بكل فخر أن مشروع القانون يحقق نقله نوعية في أداء العمل الأهلي.. لا بأس.. أوافق, لكنه يستطرد ويقول لنا أن أهم ملامح هذه النقلة النوعية أنه حدد تعريفا للعمل الأهلي بأنه لا يهدف للربح.. أحمدك يا رب فعلا لأول مرة في تاريخ مصر( الذي شهد أول جمعية أهلية عام1821) نعلم أن التاريخ سيسجل لمشروع قانون الجمعيات( أو قانون منظمات العمل الأهلي وفقا للجماعة إياها) بأنها غير هادفة للربح. حوارات وسجالات وادعاءات الوطنية والبطولة تملأ قاعة مجلس الشوري, خاصة قاعة اجتماع لجنة التنمية البشرية حين يناقش التمويل الأجنبي للمنظمات إياها... لا بأس فهي خائنة للوطن وعلمانية وليبرالية و..و.. و, إنما ما أعلمه تمام العلم وأكتب عنه, وأفسره لطلابي, أن مناقشة هذا الموضوع لابد أن تكون حول ماهية الضمانات القانونية للشفافية والإفصاح, وأن هناك أربعة اقتراحات من جانب القوانين الدولية المعنية بالمجتمع المدني لتوفير مراقبة الدولة علي التمويل الأجنبي, وفي الوقت نفسه ضمان استقلاليتها ومشروعاتها. أيها السادة والسيدات.. في الجماعة وأذرعها... في أجهزة الدولة المفككة والتي في طريقها للتفكيك, اتقوا الله في هذا الهدر للوقت والجهد والموارد, مصر أول دولة عربية( حين كانت دولة) عرفت الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر, ومن ثم توقعنا أن تكون هذه الخبرة التاريخية المتراكمة هي ما يجب أن نحرص عليه ونطوره, بدلا من الانحصار في دائرة تعريف العمل الأهلي وتوسيع مساحة حركة الجماعة, وتضييق المساحة أمام المنظمات الأهلية التنموية والحقوقية.. هناك قواعد ومبادئ ومعايير دولية, يجب احترامها, ولدينا معايير قانونية ومبادئ محددة معروفة للخبراء( تتطلب القراءة والمراجعة للأدبيات الحديثة), كذلك تتوافر الضمانات لتجنب الفساد وحماية الأمن القومي.. فمصر لا تبدأ من الصفر.. لمزيد من مقالات د. أماني قنديل