افتتاح معرض ختام الأنشطة بإدارة رشيد التعليمية في البحيرة    بعد الإعلان عن انتهائها غدًا، مبادرة سيارات المصريين تثير الجدل وتفتح باب التساؤلات    بقيمة 436 مليون جنيه، اقتصادية النواب توافق على موازنة مصلحة دمغ المصوغات    روسيا تستولي على دبابة أمريكية من القوات الأوكرانية خلال الحرب    شكري وبوريل يتفقان على تبادل التقييمات مع الأطراف الدولية لإنهاء مأساة غزة    الاتحاد الأوروبي: بوادر الحرب العالمية عادت من جديد، والمواجهة النووية احتمال واقعي    قبل مواجهة دريمز .. الزمالك يوفر تذاكر مجانية للجالية المصرية فى غانا    مصرع طفل دهسته سيارة بالأقصر    ضبط كيان تعليمي وهمي لمنح شهادات دراسية مزورة فى سوهاج    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    مهندس الديكور أحمد فايز: أعشق الأفلام القصيرة واعتبرها تفكير خارج الصندوق    أخبار الفن.. ميار الببلاوى فى مرمى الاتهام بالزنا وعبير الشرقاوى تدافع عنها.. الكينج وشريف منير يكذبان حسن شاكوش    رئيس جامعة بنى سويف الأهلية يناقش الخطة المستقبلية للعام المقبل    الأولى منذ الحرب.. وصول وزير الخارجية البحريني في زيارة إلى دمشق    وزير الخارجية يلتقي الممثل الأعلى للشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي    100 ألف دولار سنويًّا.. كيفية الالتحاق بتخصصات البرمجة التي تحدث عنها السيسي    "يتم التجهيز".. الأهلي يكشف ل مصراوي موعد حفل تأبين العامري فاروق    إنتر يواصل احتفالاته بلقب الدوري الإيطالي بثنائية أمام تورينو    حسام غالي يكشف مفاجأة لأول مرة عن لاعبي الأهلي أثناء توقف النشاط الرياضي    ألمانيا: دويتشه بان تعتزم استثمار أكثر من 16 مليار يورو في شبكتها هذا العام    استعدادا لشم النسيم.. الزراعة: طرح رنجة وفسيج بالمنافذ بتخفيضات تتراوح بين 20 و30%    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    مؤتمر بغداد للمياه.. سويلم: تحركات إثيوبيا الأحادية خرق للقانون الدولي وخطر وجودي على المصريين    وزير العمل يعلن موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    طلقها 11 مرة وحبسته.. من هو زوج ميار الببلاوي؟    الزنك وزيت بذور القرع يسهمان في تخفيف أعراض الاكتئاب    أستاذ جهاز هضمي: الدولة قامت بصناعة وتوفير علاج فيروس سي محليا (فيديو)    تفاصيل لقاء هيئة مكتب نقابة الأطباء ووفد منظمة الصحة العالمية    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    خبير: مؤشرات البورصة تستمر في نزيف الخسائر لهذه الأسباب    انطلاق المراجعات النهائية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية بمطروح    الرئيس السيسي: «متلومنيش أنا بس.. أنا برضوا ألومكم معايا»    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    بحضور محافظ مطروح.. «قصور الثقافة» تختتم ملتقى «أهل مصر» للفتيات والمرأة بالمحافظات الحدودية    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    مدير تعليم الدقهلية يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    تفاصيل مشاركة رئيس الوزراء في المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    اليويفا يكشف النقاب عن حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في ذهاب نصف نهائي تشامبيونزليج    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    جامعة بني سويف: انطلاق فعاليات البرنامج التدريبي للتطعيمات والأمصال للقيادات التمريضية بمستشفيات المحافظة    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    مطران دشنا يترأس قداس أحد الشعانين (صور)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيت غير المألوف
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 12 - 2011

كلنا أمل‏,‏ ومصر تتقدم نحو مستقبل أفضل تسوده روح المودة والحب والحوار والتقبل للآخر المختلف‏,‏ في دولة مدنية ديمقراطية يصبح معها‏,‏ ومن خلالها‏,‏ وطننا‏,‏ بيتا مألوفا‏,‏ أن يبتعد الجميع عن كل تلك المحاولات الشريرة لتحويل هذا البيت إلي بيت غير مألوف‏.‏ وفقا لما جاء في بعض القواميس, وذكره فرويد فإن البيت المألوف هو مكان يخلو من المؤثرات الشبحية; أي يخلو من الخوف وتسوده الطمأنينة ومن ثم فإن البيت غير المألوف قد يكون هو المكان الذي تسكنه الأشباح. ويتكرر التعبير هذا المكان روحه ثقيلة, في رواية قدر الغرف المقبضة للكاتب المصري الراحل عبد الحكيم قاسم, خاصة عندما كان الراوي يجد نفسه في أماكن ضيقة خانقة طاردة لا يحبها. وفي قصة سقوط بيت آشر للكاتب الأمريكي إدجار آلان بو الشهيرة يهيمن إحساس لا يمكن مقاومته منذ اللحظة الأولي علي روح الراوي شعور لم أستطع الخلاص منه بواسطة أي انفعال سار آخر, وهكذا كان ذلك البيت يثير هواجس وأخيلة كثيرة مخبوءة في العتمة لدي الراوي, كانت جدران المنزل الجرداء ونوافذه الشبيهة بالعيون الخاوية متخشبة كالأموات, وكانت مشاعر الخوف والانقباض المتعلقة به تعود في جوهرها إلي تخيلات الراوي نفسها أكثر من كونها تعود إلي تفاصيل مثيرة للقلق في ذلك المنزل نفسه, كانت أحجار المنزل ونقوشه ومنسوجاته وكراسيه المزدانة بالرسوم والصور والتماثيل المنصوبة فيه, كلها تبدو مألوفة بدرجة غير عادية, لكن المناخ المحيط بالمنزل, رائحته الشبيهة برائحة المقبرة, التي تفوح من الأشجار المتحللة حوله, ومن جدرانه الرمادية, ومن البركة الصغيرة الساكنة بجواره, كانت كلها عوامل مؤدية إلي مشاعر وانفعالات غامضة شبيهة بالحلم, وأقرب إلي الكابوس. كان ذلك باختصار منزلا غريبا, يوحي بوجود قوة غريبة غامضة توشك أن تداهمه وتدمره, شيء يقف علي نحو غير مرغوب في مواجهة العقل في ظل عادية مطلقة للموقع أو المكان, وفي غياب مصدر واضح محدد للرعب, وحضور خاص للغرابة المثيرة للاضطراب.
وفي قصته تحت المظلة2000, للقاص والروائي المصري إبراهيم عبد المجيد, والتي كتبها مستلهما في عنوانها قصة تحت المظلة لاديب نوبل الكبير نجيب محفوظ ثمة روح شبحية, ثمة موتي وأشباح وغرابة, حياة في الموت, وموت في الحياة, انفتاح لبوابات اللاوعي الفردي والجمعي, عالم من الوحدة والخوف والعزلة والجنون, وهنا الراوي يبدو وكأنه فقد عزيزا لديه, توءم روحه, قرينه, ظله, روحه, أصبح يعيش بين الأموات, لكنهم الأموات الأكثر حياة وحضورا من الأحياء. هنا يقف الراوي في الشارع ليلا, والشارع خال من المارة, ثم تتوالي الأحداث, فيلاحظ أن الناس يغادرون المدينة يحملون أمتعتهم ويغادرون, يودع بعضهم بعضا, ويبكون ويغادرون, والصمت يعم المكان, والوجوم يعلو الوجوه, وتخلو الشوارع شيئا فشيئا, وكان قد لاحظ أنه, في النهار, قد توقف الموظفون عن الذهاب إلي أعمالهم, ويتداخل عالم الليل مع عالم النهار, عالم الصحو مع عالم الغفو, ولا يستطيع الراوي أن يحدد ما إذا كان الزمن الذي يعيش فيه تلك الأحداث زمن الليل أم زمن النهار, وهل المكان الذي يوجد به هو الإسكندرية أم القاهرة. هنا يهيمن عليه الخوف, ويقول لنفسه ولنا إن الخائف لا يعرف الليل من النهار, دائما هو خارج الوقت. بالضبط مثل رجل مد قدمه ينزل من الرصيف إلي الشارع فنزل ولم يجد الشارع ولم يستطع العودة إلي الرصيف, ثم إنه يري أناسا يقطعون رءوسهم بأيديهم ويمشون في الشارع بدونها, ثم تعود رءوسهم إليهم بعد ذلك. ويري كذلك أطفالا تنبت لهم أجنحة تشبه أجنحة كيوبيد, يشتركون في مظاهرة تطالب بإنقاذ الأيتام, ثم يري أن اللافتات التي يحملونها خالية من الكلمات والشعارات, والراوي- مثلهم- يشعر أنه يتيم, وقد كان يتيما وحيدا, طول حياته, ثم تفاقم لديه الشعور باليتم في تلك الساعات التيd داخل فيها الليل والنهار, الحلم والكابوس, الحياة والموت, في تلك الليلة, تحت المظلة.
ثم إنه تدريجيا يري الأطفال وهم يتحولون إلي كباش فرعونية صغيرة لها رءوس الحمل الوديع وأجساد الأسود القوية, يضحكون ويبكون, يمرون من أمامه ولا يلتفتون إليه, يواصلون سيرهم في الشوارع, ثم تختفي المباني التي في أحد الشوارع, ويظهر خلفها ماء أزرق وموج, وتصعد الكباش السور الذي يفصل بين الشارع والبحر ثم تقفز في الماء, حتي تختفي جميعها, ولا يعرف الراوي هل هو في مدينة القاهرة أم في الإسكندرية, ولا أحد يسمعه, والسكون يعم الأرض والسماء, ثم ظهرت غيوم وطيور جارحة, وصوت خيول تعدو بعيدا, ويقرب صوته, ويظهر حصان أبيض ينطلق كالسهم, ويحدث انطلاقه في الهواء احتكاكا صم الآذان, ومن حوله وأمامه وخلفه شرر, ثم إنه صهل في رعب, واندفع داخل الماء وغرق.
وتمتلئ شرفات المنازل بالزينات والأعلام والتلويحات, يظنها الراوي موجهة إليه, ويري الشوارع تمتلئ بالبشر, ويعتقد أنه يوشك علي الجنون, وتمتلئ الشوارع فعلا بالمجانين الذين يقتربون منه ويصافحونه بلا سبب معلوم, ثم إنه وعلي نحو متكرر, عندما يذهب إلي بيته, ويفتح شرفته, يجد أسدا قابعا ينظر إليه, ثم يدخل بيته, ثم يعود ينظر من شرفته فيري أن الأسد قد اختفي, ثم يجد أن هناك من يلقي بالنساء والفتيات بالعشرات من الشرفات, وتأتي عربات الإسعاف, صوتها صوت قديم, ينزل منها رجال في معاطف بيضاء, وفوق وجوههم أقنعة واقية من الغازات والتلوث, وراحوا يجمعون الجثث بعضها فوق بعض ويضعونها في عربة الإسعاف, ويمتلئ الهواء برائحة الجثث المتعفنة المنفرة, وتبدو الجثث وكأنها قديمة ربما تعود إلي أيام الحروب, ويري علي الجدران آثار دخان وقذائف, ويعرف أنه يقف وسط مدينة تعرضت للحروب المتواصلة, ويري جنودا يأتون من نهاية الشارع, ويري حروبا تدور وقتلي, ووجوها تنطق بألسنة أمم غريبة, ويري المعارك والضحك والجنون, وتداخل أجناس عدة من البشر, يري النصر ويري الهزيمة, ويري تداخل الأصوات والروائح والمشاهد والملامس, يري التاريخ العام للمكان, ويري تاريخه الخاص فيه, ويري أنه غريب عنه علي الرغم من ألفته الشديدة به, ويري تحول البشر إلي طيور, واختفاء الكتب, واختفاء كل ما قد رآه في تلك الليلة عندما كان وحيدا, تحت المظلة, كما أنه يري الماء الجاري والدم المنسكب والطيور المرفرفة بأجنحة حمراء وصفراء وبنية وذهبية, ويغادر المكان, ويري في وجه سائق التاكسي وجوه الأطفال ووجوه المسنين, وجوه الرجال ووجوه النساء, وجوه القتلة ووجوه الأبرياء, وجوه الأسود ووجوه الضفادع, يري وجهه هو, ويري السائق بلا رأس, ويري نفسه أيضا بلا رأس, يري نفسه مكان السائق, يري نفسه ضائعا في الزحام, غير مرئي, وحيدا, يتيما, غريبا, في عالم كان يبدو له, علي الرغم من غرابته الكابوسية هذه, عالما شديد الألفة والتكرار, عالما يزخر بالموت والأشباح والضياع, وعودة المكبوت الفردي والجماعي, وكذلك الوحدة, التي يهيمن عليها الموت.
هكذا تتجلي الغرابة في هذه القصة في العناصر التالية:
1- حضور الموت في الحياة, وحضور الحياة في الموت, كما يتجلي ذلك في الغياب الدائم للبشر ومغادرتهم لأماكنهم وأعمالهم, وفي عمليات القتل والحروب والدمار التي تواصلت عبر الزمان في ذلك المكان.
2- حالة الالتباس والشك التي يعانيها الراوي, فلا يدرك, هل هو يحلم أو أنه يري ما يراه فعلا, هل هو في وقت الليل أو النهار, هل ما يحدث أمامه يحدث له أو أنها أحلام وكوابيس ورؤي شيطانية!!
3- ظهور أشباح الموتي, هؤلاء الذين قتلوا في معارك أو حروب أو شجارات يومية لا تنتهي.
4- التكرار الدائم للموت والاختفاء والمغادرة والعودة الدائمة للمكبوت والمختفي وغير المألوف الذي يظل دائما مألوفا.
5- الخوف الملازم للراوي والمصاحب بشعوره الدائم بالعزلة والشك والحيرة وفقدان اليقين.
6- تداخل عوالم البشر والطيور والحيوانات, والتحولات التي تحدث في تلك المناطق الحدودية البينية التي توجد بين هذه العوالم.
7- حضور عوالم المجانين والمجاذيب والأشباه والظلال والأقران والمرايا والتشابهات الدائمة ليس بين الإنسان وأخيه الإنسان فقط; بل بين الإنسان والطائر والحيوانات وغير ذلك من مفردات الطبيعة, مما ينم عن نزعة إحيائية تضفي الحياة علي كل كائنات الوجود, وتقيم بينها صلات عجيبة وغريبة نجدها في هذه القصة, وفي قصص أخري وروايات متميزة لإبراهيم عبد المجيد, ومنها- تمثيلا لا حصرا- ليلة العشق والدم, والمسافات, والبلدة الأخري, ولا أحد ينام في الإسكندرية, وغيرها.
المزيد من مقالات د.شاكر عبد الحميد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.