البورصة المصر تخسر 6.3 مليارات جنيه في أسبوع    «مدبولي»: توفير كل الحوافز لجعل مصر مركزًا لنفاذ منتجات «سامسونج» لأسواق العالم    وزير التموين يصدر قرارًا بندب المحاسب ممدوح حماد وكيلا للوزارة بمحافظة أسيوط    تعتمد على 5 محاور.. وزير النقل: خطة شاملة لتطوير منظومة السكك الحديدية    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي شرقي خان يونس جنوب قطاع غزة    مران خفيف للاعبي الأهلي قبل مواجهة الترجي    باين آراء طلاب الشهادة الإعدادية بجنوب سيناء حول أسئلة امتحانات اللغة العربية    متى إجازة عيد الأضحى للقطاع الخاص 2024 في السعودية؟    المخرج ماندو العدل يتعرض لأزمة صحية مفاجأة.. تفاصيل    وزير الصحة: خطط عادلة لتوزيع المكلفين الجدد من التمريض    إسرائيل تعلن اغتيال قائد لواء رفح في حركة الجهاد جنوب غزة    وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: «أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم»    بدأت في 2017.. القصة الكاملة ل رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    «القباج» تستقبل وزير التمويلات الصغرى والاقتصاد التضامني بدولة السنغال    سقوط 3 تشكيلات عصابية تخصصت فى سرقة السيارات والدراجات النارية والكابلات بالقاهرة    مصرع شخصين وإصابة 6 آخرين في حادث تصادم بالشرقية    أسعار سيارات جي ايه سي 2024 بعد الانخفاضات الأخيرة    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    وظائف في القليوبية برواتب مجزية.. اعرف التفاصيل    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة النجيلة البحرية الإثنين    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    ضباط وطلاب أكاديمية الشرطة يزورون مستشفى «أهل مصر»    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    نانسي صلاح تهنئ ريم سامي بحفل زفافها .. ماذا قالت؟    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جامعة كفر الشيخ الثالث محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة الحرب العدوانية على غزة إلى 35386 شهيداً    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    أسعار الدواجن اليوم السبت 18 مايو 2024.. 83 جنيهًا للفراخ البيضاء    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سلماوي: المبدع خلق من أجل الكتابة
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 06 - 2015

مجموعة "ما وراء القمر" أحدث ما صدر للكاتب والأديب ورئيس اتحاد كتاب مصر السابق محمد سلماوي وأمين عام اتحاد الكتاب العرب وهي أول ما أبدعه بعد أن قرر التفرغ للكتابة علي إثر بلوغه السبعين.
تاريخ طويل قضاه سلماوي في العمل العام، ربما عطله عن اتمام مشاريعه في الكتابة، لكنه غير نادم علي ما ضاع، فقط يحاول الانتباه لما هو آت ومحاربة الوقت لإنجاز المطلوب فيما بقي.
هنا نحاور سلماوي عن المجموعة، وعن الثورة والكتابة والزمن والعمل العام..
(الموتي الذين يتركون هذا العالم يذهبون خلف القمر)، هذا ما ذكره كتاب الموتي في مصر القديمة وما كان يؤمن به الفراعنة علي مدي سنوات طويلة، فقد كانت الشمس هي الإله رع مصدر الحياة، والمقابل له هو القمر، ولذلك من يموت يذهب خلفه لأنه أبعد نقطة عنها، وتلك المقولة هي التي اعتمد عليها سلماوي في كتابة مجموعته القصصية الأخيرة "ما وراء القمر"، التي يرصد فيها حالات اتصال مع من رحلوا.
هي ليست قصصا منشورة في أوقات مختلفة أو تناقش موضوعات مختلفة تم جمعها في مجموعة، وإنما خط متصل لا ينقطع، أساسه هو أن الصلة لا تنقطع بيننا وبين من رحلوا، لأن الموتي يذهبون إلي ما وراء القمر ويعودون كلما أرادوا للاتصال بنا، ولكي لا تكون تلك الحكايات "حواديت" خيالية، يقول سلماوي: "اتبعت في هذه القصص أسلوبا واقعيا تماما، فكانت التفاصيل فيه مهمة جدا، وما يزيد من واقعية الحدث أو القصة أو الموضوع هو أن تكون الشخصية المذكورة حقيقية، بأن يكون بطل القصة يوسف إدريس مثلا، فالقصة تحكي كيف قابلته بعد وفاته بسنوات وكيف تحدثنا وكيف ألتقينا، دون تفسير، ليس كما يحدث في معظم القصص واكتشاف أنه حلم في النهاية، بل إنه واقع، تفسيره هو ما قاله الفراعنة في كتاب الموتي منذ سنوات".
تتضمن المجموعة قصة عن أحد شهداء الثورة كان وحيد أمه، كلما خرج للمظاهرات يتصل بها فيظهر علي الهاتف جملة (بطمن عليكي)، فهو الاسم الذي حفظ به رقمه علي هاتفها، بعدما مات بشهور طويلة وجدت تليفونها يرن ومكتوب عليه (بطمن عليكي)، بحثت عن تليفونه وجدته مغلقا، والشريحة أخبرها أصدقاؤه أنهم ألغوها لكي لا يستعملها أحد، في النهاية تقتنع وتدرك أن ابنها اتصل بها من العالم الآخر ليطمئن عليها، حكاية تبدو خيالية وغريبة ولكنها مرصودة بشكل واقعي جدا، وبعد نشرها أتت الصدفة أمام سلماوي بقصة شبيهة لها حدثت قريبا منه، فيقول: "كنت مع أحد أفراد أسرة الدكتور محمد عبد الوهاب زوج السيدة فاتن حمامة، فبعد وفاتها أراد تغيير البيت الذي كانا يسكنانه سويا، فطلب من أبنائه البحث له عن منزل آخر، وجدوا شقة مناسبة وذهب ليراها، علي الباب سمعوا صوت كروان والتفتوا إليه، وعندما دخلوا إلي المنزل ووصلوا لغرفة النوم سمعوا صوت الكروان مرة أخري، فالرمز هنا (دعاء الكروان) أشهر أفلام فاتن حمامة، وكأنها كانت معهم وتبارك ذلك البيت الذي سيعيش فيه، هي تماما مثل قصة (بطمن عليكي) وحدثت بالفعل، فالجديد في هذه المجموعة أنها تناقش كلها نفس الموضوع، وتعالج مسائل تبدو خيالية بأسلوب واقعي".
صدرت المجموعة بالتزامن مع احتفال سلماوي بعيد ميلاده السبعين، والذي قرر معه أن يتخلي عن كل المناصب الإدارية، موضحا: "حين وصلت للسبعين شعرت أن من حقي إحالة نفسي إلي المعاش، ولتكون رسالة بأنني لن أتولي مسئوليات إدارية بعد ذلك، لأن عليّ واجبا تجاه إبداعي بأن أتفرغ له، وفعلا ذهبت بكل شغف وكتبت تلك المجموعة القصصية التي كانت تلح علي، الآن لدي تخطيط لأشياء أخري، منهما مذكراتي في السجن عام 1977 الموجودة كلها في "كرتونة" يوم بيوم، ولم أجد الوقت لكتابتها".
أثناء الاحتفال بميلاده، كتب الدكتور جابر عصفور كلمة في المصري اليوم قال فيها إن محمد سلماوي لو تفرغ لإبداعه المسرحي منذ البداية، لكان اليوم أكبر كاتب مسرحي في الوطن العربي، ولكن سلماوي عندما ينظر للوراء لا يندم علي هذا الوقت الذي اقتطع من إبداعه، فقد ساهم في عمل أشياء كثيرة جدا، وربما ذلك مرتبط معه بواقعة حدثت في أوائل السبعينيات عندما ذهب في رحلة إلي الهند مع زوجته، ويتذكر: "أثناء وجودي هناك لإجراء حديث مع رئيس الوزارة قمت بجولة سياحية، وأثناءها مررت بمعبد هناك، فأخبرت المرافق أنني أريد رؤيته، ودخلت إليه، ظهر لي كاهن بذقن طويلة، رأسه مربوط بعمامة كبيرة، عندما رآني نظر لي مدة طويلة وهو لا يعرف من أنا ولا اسمي أو من أي بلد، ولم يخبره المرافق أي شيء، دلف للداخل وأحضر لي وشاحا لونه أصفر قاني، وأهداه لي، ثم قال إنه يقدمه للناس المقدر لهم أن يقوموا بخدمات كبيرة جدا لأقرانهم، وأني سأفعل ذلك، مازال الوشاح عندي حتي الآن وأحتفظ به، فالإنسان يكون مقدرا له فعل أشياء كثيرة، ثم إن تلك التجارب الحياتية أفادتني وأثرت تجربتي بما كان له تأثير بلا شك علي إبداعي، فأصبح أكثر تنوعا وعمقا وشمولا، ولذلك لا أندم، ولكني أتمني أن أحقق بعضا مما أريد في الناحية الإبداعية خلال السنوات الباقية لي".
ويضيف: "الإنسان كلما كبر في السن اقترب من الموت، و كانت فكرة الموت غير غريبة عليه، قد يصل إلي مرحلة أن يحب الموت كما قال محفوظ، إنما تلك مرحلة من التصوف قد لا يصل إليها كل إنسان، لكنه يتقبل الفكرة أكثر ويتعامل معها أكثر، وما أنشده الفترة المقبلة هو الكتابة وليس شيئا آخر، فلدي مشروعات كثيرة، الرواية ومذكراتي، وربما الشهر القادم تأتيني فكرة ليست علي بالي الآن، فأرجو أن تكون أوقاتي للإبداع، والتمتع بالحياة مع أحفادي، والقيام بسفريات وزيارة أماكن أريد الذهاب إليها، وكل ذلك في النهاية سيصب حسب ما أتصور في الإبداع".
الكاتب يكتب للقارئ وليس نفسه، ولكنه لا يكتب لمن يجلس بجانبه أو من سينزل لشراء الكتاب، وإنما لقارئ عام ونظري في ذهن سلماوي، فبعض الكتاب كانوا يكتبون لقراء لم يوجدوا إلا بعدما ماتوا، وكثيرون لم يلتفت إليهم سوي بعد وفاتهم بسنوات، وذلك كان سر نجيب محفوظ، وبوضع: "لقد كان يجد سعادته وجزاءه الحقيقي من عملية الكتابة نفسها، سعادته في كتابة الرواية الدافع له لاستكمالها، فالكاتب مهمته أن يكتب وفق ما يراه وحسب رؤيته ثم يترك بعد ذلك الحكم عليه ربما لأقرانه أو لمن سيجيئون بعده، أو كما يحدث دائما؛ للتاريخ، وهذا هو ما أتمني أن أستطيع فعله الآن بعد أن تحررت من كل التزاماتي، وأركز كل جهدي علي الكتابة التي أعتقد أن المبدع خلق من أجلها، ويا ليته لا ينشغل بأشياء أخري بعيدا عنها".
يري سلماوي الان أن الأديب يجب أن يتفرغ لإبداعه، ولكن المناصب التنفيذية كانت تجذبه وتفرض نفسها عليه، وكان يشعر أن ذلك واجب لا يمكن التخلي عنه، فعضويته في الاتحاد قديمة جدا، حيث إن عدد الأعضاء الآن أكثر من ثلاثة ألاف، ورقم عضويته 805، لقد كان من الرعيل الأول الذي انضم للاتحاد، ولم يكن يفكر في الترشح لرئاسته، لكن في عام 2005 كان الاتحاد يمر بمرحلة صعبة بعد وفاة فاروق خورشيد، وكانت هناك صراعات مختلفة ولم يتمكن أحد من تسوية الأمور، فذهب إليه بعض الأعضاء وسألوه لكي يترشح، وحكوا له ما يحدث، فحزن علي الوضع وشعر أنه يمكنه صنع شيء لتطوير اتحاد كتاب مصر ومنحه المكانة التي يستحقها، وعلي مدي 10 سنوات، لم يكن يترشح للرئاسة، وإنما يختار بالتزكية، ولا يترشح أحد أمامه للمنافسة، ولذلك يوجه رسالة شكر للأعضاء بعد تخليه عن المنصب، قائلا: "أشكرهم لتكريمهم الكبير، وانتخابهم لي طوال هذه المدة رئيسا للاتحاد، مررنا بأوقات صعبة كثيرة، ولكننا اجتزناها، فوقت الثورة مثلا حليت المجلس بأكمله بما فيهم أنا واستقلت، وقررنا أن ننتخب من جديد لأننا في عصر جديد، وكُرمت وشرفوني بانتخابهم لي مرة أخري رئيسا عام 2011 وحتي 2015، فهذا من الأشياء التي اعتز بها وأشعر أنني مدين لأدباء وكتاب مصر، كما أنا مدين لأدباء وكتاب الوطن العربي الذين تمسكوا بي 9 سنوات".
علي مدي تسع سنوات، تقلد سلماوي منصب أمين عام اتحاد الكتاب العرب، يعتقد أنهم استطاعوا خلالهما منذ عام 2006 وحتي اليوم تحقيق الكثير علي أصعدة مختلفة، فيقول: "لقد أسننا هذا الاتحاد باجتماعاته التي ينص عليها النظام الأساسي له - قانون إنشائه -، فقد رأينا في دورات سابقة أنها كانت تمر كلها دون أن تنعقد اجتماعات، فثبتنا ذلك بأن وضعنا مواعيد محددة لاجتماعات المكتب الدائم أو المؤتمر العام، لدرجة أنه في بعض الأحيان عندما كانت دولة من الدول عليها استضافة اجتماع مكتب دائم ولأي سبب تحدث ظروف طارئة لا تمكنها من ذلك، كنت أرفض إلغاءه، وأقول أن مسئولية الأمانة العامة أن تعقده، وبالتالي كنا نعقده في مقر الأمانة العامة بالقاهرة، وفي هذا الإطار استضفنا حوالي 3 أو 4 اجتماعات خلال الدورة الأخيرة في الثلاث سنوات الماضية، ذلك كان أساسي لكي يستطيع الاتحاد العمل بشكل منتظم".
ويستكمل: "كما أننا صنعنا نظاما أساسيا جديدا، فالنظام الذي كان يعمل به الاتحاد هو نفسه منذ وقت تأسيسه قبل عدة عقود، الظروف السياسية والاجتماعية في العالم العربي تغيرت، بما استدعي أن نعيد النظر في هذا النظام الأساسي، فعقدنا مؤتمرا استثنائي في الأردن ووضعنا نظاما جديدا، خصصنا فيه مسئوليات أكبر لوكلائنا من بقية القيادات ومواقع قيادية جديدة بدلا من انفراد الأمانة العامة بكل السلطات، فقد كان ذلك متماشيا مع طبيعة العصر في وقت إنشاء الاتحاد ولكن الآن لا، هناك نائب أول وثاني وكل منهما له اختصاصات، وأنشأنا مكاتب جديدة لكل دولة تشرف علي واحد منها ولهم اختصاصاتهم".
ثم يستطرد: "أما الأهم من وجهة نظري، فهو أننا وضعنا هذا الاتحاد علي خريطة العمل العام في الوطن العربي، بحيث أصبح اليوم وجوده محسوسا وله كلمته، عندما نصدر بيان إدانة لإلقاء القبض علي كاتب فإن الحكومات تتصل بنا، وقد ساهمنا في حل مشاكل أدباء تم منعهم من الدخول، آخرهم الكاتبة اللبنانية سونيا بوماد، تدخلنا واستطعنا رفع الحظر عنها وتمكنت من حضور معرض الكتاب الذي كانت مدعوة له، وآخرين".
أما علي المستوي المادي، فقد تضاعفت ميزانية الاتحاد عدة مرات، فعندما استلمته مصر عام 2006 كان مدينا، اليوم هناك فائض عدة مئات الآلاف من الدولارات، وعلي المستوي المحلي، يوضح سلماوي "اعتقد أننا بمجرد إعادة الأمانة العامة إلي مصر، أسقطنا الورقة الأخيرة في سياسة المقاطعة التي طبقت منذ كامب ديفيد".
ومن الإنجازات التي يعدها سلماوي غاية في الأهمية أيضا، هو تقرير الحريات الذي استحدث في الفترة الأخيرة، لأن الاتحاد العام للكتاب العرب من المفترض أن يكون معنيا بحريات الكتاب الشخصية وحريتهم في التعبير وعدم إلقاء القبض عليهم بسبب ما يكتبون وهكذا، فعلي مدي السنوات الأخيرة ترسخ مبدأ بأنهم في كل اجتماع للمكتب الدائم يصدر تقرير عن حال الحريات في العالم العربي، وكان في أحيان كثيرة شديد اللهجة ويأتي بأثر كبير، فأصبح كل اتحاد ملزما بأن يصدر تقريرا عن الحريات في بلده، ولزم عليه أن يتابع وضع الحريات، وهذا كان جزءا من التخطيط، تفعيل وتنشيط الاتحادات وحثهم علي أخذ موقف استقلالي.
ولكن هذا التقرير لا يعني أن الحريات في أوطاننا العربية بخير، فيقول سلماوي: "الحريات في العالم العربي تراجعت منذ بدأنا التقرير، ولكن ليس بسببه بالطبع، بسبب التطورات السياسية التي حدثت من خلال الثورات التي شهدها الوطن العربي، والتي تحولت الآن إلي فترات اقتتال طائفي ومذهبي وانقسامات وتقسيمات جغرافية، كل هذه القلاقل والاضطرابات تكون دائما علي حساب صون الحريات والحفاظ عليها، إنما ذلك يعلي من قيمة التقرير لأن له احتياجا أكبر، لكن للأسف لو سنتحدث عن حال الحريات، فقد تراجعت بشكل كبير في الوطن العربي بلا استثناء، لأن هناك حالتي عدم استقرار وعدم طمأنينة غير طبيعية في الوطن العربي وحالات اضطراب وتخوف وترقب، كل ذلك للأسف علي حساب الحريات".
وبذكر الحريات وخاصة للأدباء، نجد أن علاقة المثقف بالسلطة دائما مضطربة، ففي العالم الثالث، يعبر التناقض بين المثقف والسلطة عن نفسه بشكل عنيف، بالسجن أو القتل، وقد تعرض سلماوي لذلك من قبل عام 1977، ولكن التجربة لم تكن سيئة تماما بالنسبة له، فيوضح: "العلاقة بين السلطة والمثقف بالضرورة علاقة تضاد، لأن كلا منهما نظرته مختلفة وأسلوبه في التعامل مع الحياة مختلف، فالمثقف بطبيعته يتأمل الأشياء ويحللها ويناقش كل القضايا، بينما رجل السياسة ينطلق بعد أن يكون قد حسم كل القضايا، فهو عندما يترشح لرئاسة الجمهورية مثلا لا يكون لكي يبحث أو يناقش أو يحلل، وإنما لأنه يعلم الحل وسينفذه، وحين انتخابه يعتبر أن ذلك بمثابة تفويض للتنفيذ فيصبح في حالة صراع مع الوقت، فيخرج له المثقف ويطالبه بالمناقشة، ولا يتفقان، لأن كلا منهما له نظرته المتناقضة مع الآخر، في الدول الديمقراطية هذا الصدام يكون بناء ويستطيع الحاكم أن يستمع لهذه الآراء الأخري ويجد لديه من الوقت ما يذهب إلي مناقشة بعض هذه الآراء بحيث يصوب اتجاهه، أما في الدول الاستبدادية فلا أحد يحاول مناقشة الحاكم، ولذلك أي محاولة مناقشة هي بمثابة تعطيل الركب وبالتالي خيانة للوطن، ومن هنا يأتي الصدام العنيف، فالمجتمعات السوية هي التي يمارس فيها كل من السلطة والمثقف دوره ويستطيعان أن يجدا وسيلة التفاهم والتفاعل فيما بينهما، ولكن في الدول الاستبدادية، وخاصة لدينا في الوطن العربي، لم نخرج تماما من وعاء الاستبدادية السياسية، وهذا التناقض عادة ما يأخذ شكلا به قدر من العنف بالاعتقال أو التصفية الجسدية في بعض الأحيان كما رأينا في العراق أو غيره، من لم يمر بتجربة السجن سعيد الحظ بأن التناقض بينه وبين السلطة لم يدفعها إلي أن تأخذ مثل هذا القرار تجاهه، ولكن تجربة السجن عندما أنظر لها أجدها مفيدة وثرية جدا، فقد عرفتني بجانب من المجتمع والحياة لم يكن يمكنني معرفته لو لم أدخل إلي السجن، فقد رأيت أناسا كان يمكن أن أعيش وأموت دون أن تتقاطع حياتي مع حياتهم، خارجين علي القانون ومحكومين بالإعدام وآخرين سياسيين ومفكرين، خرجت منه وكتبت مسرحية "القاتل خارج السجن" التي كانت تعالج تلك المشكلة، واعتمدت اعتمادا مباشرا علي تلك التجربة، فأنا أدين لها كثيرا".
ومن الأدوار التنفيذية التي قام بها سلماوي كذلك، أنه كان عضوا بلجنة الخمسين التي وضعت الدستور والمتحدث الرسمي باسمها، وإزاء الجهد الذي بذل في كتابته، لم يكن المقابل حتي الآن سوي في شيء واحد وهو ليس كافيا في رأي سلماوي، فيوضح: "قناعة الشعب المصري بأنه يملك دستورا جيدا ينبغي أن يطبق هو الإنجاز الوحيد حتي الآن، أما الدستور نفسه فهو مازال غائبا عن حياتنا العامة في مصر علي جميع المستويات، ما أشعر به ليس القلق من أن لا يطبق الدستور، وإنما الغضب من أنه تأخر كل هذه المدة، لكني واثق من أنه سيطبق، لأن هناك متغيرا مهما جدا حدث وهو العنصر الشعبي، الذي كان مغيبا في الماضي وأصبح الآن عنصرا فاعلا في معادلة الحياة العامة في البلد وليست السياسية فقط، هذا الشعب لن يقبل بأن الدستور الذي أقره بهذه النسبة غير المسبوقة يكون مجرد لعبة سياسية ولا يطبق، فالناس يعرفون أن الأداة الأساسية في تطبيق الدستور هو البرلمان القادم، ومتي انعقد البرلمان الذي وعد الرئيس السيسي بتشكيله قبل نهاية العام، لن يقبل الناس أن يكون هناك برلمان ولا ينصرف أول ما ينصرف إلي وضع القوانين والتشريعات التي تطبق الدستور".
ويستطرد: "لكن أمامنا مشكلة رهيبة جدا، وهي أنه إلي أن يتم ذلك، لدينا قوانين كلها مضادة لهذا الدستور العظيم الذي أقره الشعب، والمحاكم تحتكم لمثل هذه القوانين، فتصدر أحكاما وتقبل قضايا بتهم مثل ازدراء الأديان، وهي تهمة غير دستورية وغير واردة في الدستور، فهذا موقف لا يجب أن يستمر، فحتي يتشكل البرلمان لدينا فترة حكم بقوانين الاستبداد رغم وجود الدستور وإقراره، وهذا وضع غير سليم، لأنه رغم أن البرلمان لم يقم، إلا أنه من الناحية القانونية الدستور يعتبر نافذا من تاريخ إقراره، وهذا يعني أن القاضي الذي يحكم اليوم لابد ألا يكتفي بالقانون الذي وضعه السادات أو مبارك أو غيرهما، لابد أن يكون في ذهنه أن هناك قانونا نافذا من لحظة التصويت عليه وإن كانت لوائحه التشريعية لم تصدر بعد، ولابد من من وجود مرونة تشير إلي وعي القاضي بوجود الدستور".
لا تتوقف المشكلات عند هذا الحد، بل هناك مشكلة أخري ستبدأ بعد انعقاد البرلمان، وهي أننا في بلد به 66 ألف قانون وتشريع، فأي برلمان الذي يستطيع مراجعة كل ذلك وبيان إن كانوا متفقين مع الدستور من عدمه؟، ولذلك يقترح سلماوي: "فليبدأ البرلمان من الطريق الثاني، وهو أن يضع التشريعات التي يري أنها تطبق مواد الدستور، ويصدر 247 تشريعا مقابلا، وما عدا هذه التشريعات يعتبر باطلا ولاغيا وكأنه لم يكن، هذه الطريقة الوحيدة، لأنه إذا انعقد البرلمان وسقط في مشكلة مراجعة القوانين واستغراقه في ذلك أعواما، لن يقبل ذلك أحد وسيشكك في شرعيته، لأن مهمته الأولي هي التشريع، وإن لم يكن أولاها هو تشريع الدستور فليس هناك مهمة أعلي من هذا ولن يقبل الناس أن ينصرف البرلمان بشيء أقل أهمية".
هذا الدستور لم يكن ليكتب إن أكمل الإخوان حكمهم، بل كنا كما يوضح سلماوي انضممنا لغالبية المجتمعات العربية الأخري مثل ليبيا والعراق وسوريا والسودان واليمن، وكنا في حالة من الفوضي كانت بدايتها واضحة جدا في النصف الثاني من حكم الإخوان، ويصفها: "لقد كانت فترة استثنائية، وقد أصدرت عنها كتابا اسميته (مسدس الطلقة الواحدة)، أي لا يمكن أن يعاد استخدامه مرة أخري، اليوم نحن علي الطريق الذي بدأ عام 2011، وأنا لا أري هذا التناقض بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو، فالثانية لم تقم ضد الأولي وإنما ضد من اغتصبوها واختطفوها، فكانت عودة إليها، نحن الآن علي طريق 25 يناير، الشعب أصبح عنصرا فاعلا في المعادلة السياسية بشكل عام لا يمكن تجاهله، العدالة الاجتماعية وإن كانت لم تتحقق بالكامل لأنها تحتاج سنوات، وإنما هناك إدراك لأهميتها ومطالبة أكثر من أي وقت مضي بضرورة الالتزام بها، السياسة الخارجية والدور العربي والدولي لمصر يتأكد يوما بعد يوم، وكما كانت العدالة مطلبا، كانت أيضا الكرامة الإنسانية، وهي ليست فقط كرامة المواطن وإنما كرامة الدولة، فقد كانوا يخبرونني عندما كنت أمينا عاما لاتحاد الكتاب العرب بأننا أنقذنا العرب وليست مصر فقط، لأن الإخوان إن كانوا سيطروا علي مصر؛ كان العالم العربي كله سيصبح في حكم إسلامي متشدد، هذه قاعدة تعطي مصر أيضا قوة في مواجهة الدول الأخري، فعودة الدور العربي لمصر ومكانتها علي الساحة الدولية يتم".
ويعود ليؤكد: "بعد 4 سنوات من الثورة نحن علي الطريق السليم، ولكن هذا لا يعني أن المتاعب انتهت والنتائج تحققت، علي العكس، نحن في بداية الطريق، وهو صعب وطويل ووعر، لكنه هو الصحيح وليس أمامنا غيره، وقد قطعته كل الدول التي وصلت إلي تحقيق انتعاشها وتقدمها مثل ألمانيا وإنجلترا وغيرها، بتضحية مريرة، الوضع لدينا؛ والرئيس السيسي أول من يعرف هذا، لا يتحمل أن نطلب من الشعب أن نتقشف مثلما فعل الشعب الألماني أو البريطاني، لأن الشعب لدينا متقشف منذ 40 سنة، فهذا يزيد صعوبة المشكلة، ولكن مشروع قناة السويس وفكرة العاصمة الجديدة، ستصنعان نقلة كبيرة، إلي جانب الاستثمارات الأجنبية، ولكني اعتقد أنها ما لم تصاحبها ثورة إدارية تغير من كل القوانين واللوائح التي يخضع لها الاستثمار، ستخرج كل هذه الأموال كما أتت، فالثورة ليست مجرد شعارات في التحرير، ولكن أن نثّور كل جوانب حياتنا وأولها هذه اللوائح والقوانين التي تكبل الاستثمار".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.