هناك في المشهد الثقافي المصري.. مثقفون يمارسون دورهم بهدوء وصبر واحترام للذات، وقبول الاختلاف وتقديره دون أن تذوب في دوائر تشعر بضغوطها القوية الأمر الذي يبعدها عن نقطة التوازن مع السلطة!.. وهناك مثقفون يريدون الحصول علي كل شيء بأسرع الطرق وأيسرها، هربا من شبح العزلة، وتختبر طرق التعامل مع السلطة مؤمنين بأن الانغلاق علي أنفسهم لا ينفع، ودائما يندبون ويتحدثون في الغالب بلغة قديمة، ولا يرون حلا لتحريك المناخ الثقافي بقوة، إلا في حضورهم وقيادتهم وشروطهم، وليس في قولي هذا اتهام، ولكنه حصاد أقوالهم وتصريحاتهم المكتوبة والمشاهدة والمسموعة. .. وهناك أيضا.. مثقفون ممن يطلق عليهم.. أصحاب القفزة النوعية للاستفادة بكل نقاط القوة المتاحة للمشهد المعاصر، وعدم اهدار الوقت، فلا شيء يضر لأن المسئول أو متخذ القرار قد تغير، وأن المجتمع ككل يري نفسه يدور في دائرة من القرارات وليدة اللحظة، سواء حفظت للنشاط العام الاستقرار أو وضعت في الأدراج ويؤتي بغيرها.. هذا المثقف.. يصبح صوتا مدافعا عن السلطة ويستمد منها القوة والشهرة وهو بالضرورة يكون خارج الانجاز الذي يلبي احتياجات الثقافة المصرية. .. صحيح.. مصر غنية جدا في استمرار مسيرتها الابداعية في الفكر والفن وجميع المجالات.. واتجاه كتيبة المبدعين الي رفض التعامل مع مسئول جديد للثقافة، تعود بنا الذاكرة الي موقف المبدع الكبير (توفيق الحكيم) عندما رفض الأستاذ هيكل رئيس الأهرام نشر روايته (بنك القلق) ثم أعادها للنشر فور رؤيته اعلانا بالصحف اللبنانية عن فرحتها لاستضافة (توفيق الحكيم) في عمل رفضت الأهرام نشره.. وهو ما نحرص علي مستوي التعامل مع الآخر. ..إن أفضل ما يستحق الجدل والعراك والمظاهرات.. في تقديري.. هي ظاهرة "الأمية في مصر".. انه الحريق الذي يلتهم المتاحف العلمية والجامعات، وأحسد الزعيم المخلوع (زين العابدين) الذي غادر تونس وليس فيها أمي واحد، كما حفاظ علي ثبات عدد سكان تونس لأكثر من عشر سنوات. .. واسقاط خزي مسئولية الأمية في مصر عن كاهل المثقفين، والصاق التهمة للدولة وحدها.. أمر مؤسف ويشعرك بأن الكاتب لا يعنيه أن يجد قارئا. وأن الفنان لا يهمه من يذهب الي معرضه.. أقولها لمن أنتمي.. لا تركبوا أرجوحة تصعد بكم من قاع الي قمة لسبب ما، ثم تعود لتهوي بكم من قمة الي قاع لنفس السبب.. وانتم تملكون قدرة الملك والكتابة رغم الزحام والرغيف الغائب.