الضحايا لها صوت ، نسمع الان ، صرخاتهم لم تعد اسيرة الزنانزين و حجرات التعذيب و"ثلاجات" يمارس فيها الضباط ساديتهم الساخنة ، خرجت الاصوات تتجول وتقلق المدينة نؤرق نومها علي حكايات التعذيب. عصام عطا لم يكتم صرخته امام امه ، استغاث بها ، لم يكن في حرب ولا نعرف من قصته غير نهايتها القاسية في غرفة النفخ . يحكي السجناء عن الغرفة بخيال ضحايا يدهشهم التعاطف معهم بعد حفلات التعذيب ، لم يكن في الحسبان قبل خروج صوت الضحايا وعودتهم الي الحياة ، ان يقلق التعذيب مجتمعا يري ان قلم الحكومة خير . الجسد اسير في السجون ، بلا حقوق ، ملعبا لاستعراضات الساديين اصحاب الذكورة المنقوصة ، استعراضات يغطونها بالشعارات النبيلة : نعلمهم الادب و نعيد تربيتهم. السادي تلذذ بانتهاك الجسد ، يراه بلا قيمة مادام وقع تحت يده ، جسد الضابط يهتز نشوة من تعذيب الاخرين ، جولة او غزوة او مهمة عمل ينتظر عليها مكافأة. غرف التعذيب مسرحا ، له طقوس مدهشة من الاسماء الي الادوات مرورا بملامح تتشكل نفسيا بايقاع هذه الغرف المقبضة. كيف ينام ؟ هل تزوره الكوابيس؟ اسلام نبيه الضابط الذي عذب عماد الكبير في 2007، قال له :انت زائر دائم في كوابيسي. صوت صرخة عماد وهم يضعون عصا في مؤخرته ، هز مصر كلها ، الميديا الحديثة نقلت صوت الضحية الي المحكمة ليدخل الضابط بكوابيسه الي السجن 3 سنوات. من يومها وصوت الضحايا لا يدفن مع اجسادهم المهانة وارواحهم المكسورة . من يومها و صوت الصحايا يجمع حوله العشرات و المئات و الالاف لمناهضة جريمة كان المجتمع يمررها مادامت تتم في الغرف والزنازين المغلقة علي جلاديها. الصورة نقلت مسرح الجريمة الي العلن ، لم يعد خالد سعيد رهن حزن امه و عائلته ، كما لم يشعر عصام بالخجل حن ترك صرخته امانة في عنق مجتمع كامل. مجتمع يسدل امتار كثيرة حول الجسد حرا ، ولا يحميه حين يقع اسير الدولة. علاقة مرتبكة بالجسد ، وقبول بالتعذيب مريب ، خوفا او رعبا او استدعاء لسلطة لاتري في الجسد غير مساحة للادانة او الاهانة. عندما انتشرت قبل سنوات صور ضحايا التعذيب في مراكز الشرطة، بينها صورة شاب في العشرين يصرخ وهو يتوسل للضابط أن يرحمه. والضابط يشعر بلذة إدخال العصا في مؤخّرته، وكلما صرخ زاد هياج الضابط وفرقة التعذيب المعاونة. وبرع الشرطي، الذي صور التفاصيل، في التقاط ملامح الألم والعذاب. وتصوّر أنه أخفي المجرمين، حين اكتفي بتصوير أحذيتهم وبناطيلهم السوداء. لم يتخيل المصور وضابطه أن الضحية ستظهر وتحكي وتشير إلي المجرمين. لم يتخيل أنه سيكون للضحية صوت غير الصراخ . عادت الضحية إلي الحياة، وخرج صوتها الهامس إلي العلن. صوت واهن، لكنه يزلزل المطمئنّين إلي استقرار جبروتهم. صوت أقرب إلي النشيج، لكنه يخدش الحائط الصلب الذي تقام خلفه حفلات التعذيب . هكذا أصبح صوت عماد الكبير علامة علي طريق.وأصبح للضحايا منصات متعددة خارج سيطرة السلطة.