حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    عيار 21 بكام بعد الارتفاع الجديد؟.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 5 مايو 2024 بالصاغة    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    أسعار السمك اليوم الأحد 5-5-2024 بعد مبادرة «خليها تعفن»    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تتجاوز 76 مليون دولار في أبريل    عاجل.. رعب في العالم.. فيضانات وحرارة شديدة ومئات القتلى بسبب تغير المناخ    تظاهر آلاف الإسرائيليين بتل أبيب للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    أحمد مصطفى: نُهدي لقب بطولة إفريقيا لجماهير الزمالك    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    الأرصاد: انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة.. وشبورة مائية كثيفة صباحًا    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    مصطفى بكري: جريمة إبراهيم العرجاني هي دفاعه عن أمن بلاده    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    مختار مختار ينصح كولر بهذا الأمر قبل نهائي إفريقيا أمام الترجي    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتحگمون في أقوات البشر
فصول حول القرصنة البيولوجية والتاريخ البسيط للطعام
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 05 - 2011

هذا كتابٌ لا غني عنه لكل إنسان يأكل، ويزرع، ويتسوَّق.. وبالأحْري، أي إنسان يعنيه أن يعرفَ كيف يعمر النوعُ البشري، بمجتمعاته وأممه، هذه الأرض.
أما الذين يهتمون برصد النفوذ المتزايد للقوي العالمية في سلسلة أقوات البشر.. فسيجدون أيضا بغيتهم في هذا الكتاب؛ إذ يصف بتفصيل ووضوح الاتفاقيات التي تؤثر في قدرة الأمم علي تحقيق الاستقلال والأمن الغذائيين، ويقدم لنا خبراءُ قانونيون وسياسيون، تحليلا وافيًا للعلاقات التي تربط بين: أنظمة ضمان نوعية الغذاء، والسلامة البيولوجية، والتنوع الأحيائي العام والزراعي، وحقوق الملكية الذهنية التي يراها كثيرون مسألة معقدة تستعصي علي الفهم، غير أنها بغاية الأهمية، ويوفرُ الكتابُ _ فوق ذلك _ إحاطةً بمفهوم الملكية الذهنية وما يربط بينها وبين الغذاء من قضايا متشعبة متداخلة، ويدفعنا الكتاب للتيقظ والانتباه.. من أجل فهم هذه الحقوق التي تتصدر المشهد، علي خلفية صيحات الحرب والارتياب التي تتردد في جنبات العالم، وإشرافنا علي مرحلة خطيرة، تحدد كيف يحصل البشر، بشكل منصف، علي غذاء يحفظ لهم صحتهم وقدرتهم علي العمل.
وهو كتاب مرجعي، تختلط فيه علوم القانون بالبيولوجيا، والاقتصاد بالزراعة، من خلال رؤي اثني عشر كاتبا متخصصا، قام اثنان منهم بتحرير أبوابه وفصوله؛ ليكون ذا فائدة لكل المهتمين بمجالاته المتعددة، سواء كانوا قانونيين، أو منظمات مجتمع مدني، أو مزارعين، أو مستهلكين.. ولا تتراجع فائدته، كذلك، بالنسبة لرجال الدولة، أو رجال الاقتصاد والأعمال، أو صانعي القرار ومتخذي القرارات.. وقبل كل هؤلاء؛ ليكون مفيدا للقراء الجادين المثابرين.
وقراء "أخبار الأدب" علي موعد مع رحلة علي صفحات هذا الكتاب المهم، الذي ترجمه الأديب السكندري رجب سعد السيد، بتكليف من المركز القومي للترجمة.
مستويات وعناصر الأمن الغذائي
يعتمد تأمين الغذاء، عالميًّا، علي عدة أمور، منها: قدرتنا علي التقليل من التغير المناخي، وما يطرأ علي إنتاج محاصيل الغذاء من اختلالات، وتدبر هذه الأمور، والاستجابة لها، بالاحتفاظ بكميات مناسبة من مخزون المؤن، وتدابير توزيع عاجلة، في الموقع الصحيح.
وكذلك توفير تقنيات جديدة تعزز هذه القدرة، ولا تزيد من خطورة تعرض عمليات الإمداد بالغذاء لأعطال كبيرة، بسبب مغبات غير متوقعة تحلُّ بقدرات البقاء الإيكولوجية.
أما علي المستوي الإقليمي والوطني، فإن تأمين الغذاء يرتكز علي عدة شروط، في مقدمتها المحافظة علي القدرة علي إنتاج و/أو استيراد المتطلبات الغذائية لتجمع سكاني، وتوفير نظام توزيع، وتحديد استحقاقات تيسر لكل الناس داخل حدود الوطن أن ينتجوا، أو يتحصلوا علي احتياجاتهم من الغذاء (من خلال عمليات إنتاجية، أو بالشراء، أو بترتيبات خاصة)، وكفالة نظام للربط بين الجهات المنوطة بالبحث العلمي والمسئولة عن برامج التنمية (R&D)، يضم الفلاحين، وتكون لديه القدرة علي تقديم تحسينات متواصلة لكل نواحي أنظمة الإنتاج التي يعمل وَفْقًا لها كافة فلاحي الدولة، والتصدي للمتغيرات الإيكوزراعية والاقتصادية، ولتغير أحوال المناخ.
بالإضافة إلي التأكد من قدرة كل من سكان الريف والحضر علي تأمين سُبُل معاشهم، ومن ثمَّ تملكهم حرية الحصول علي احتياجاتهم من الغذاء، إما بإنتاجه مباشرة، أو بالشراء، أو بالمقايضة.
وعلي مستوي المجتمع والأسرة، فالمطلوب قدرة دائمة تحافظ علي سبل العيش، وتيسر إنتاج أو جلب الاحتياجات من الغذاء بطريقة مناسبة، واتِّباعُ استراتيجيات إدارية تقبل بالمخاطرة، متوافقة مع الاحتياجات المحلية والأعراف؛ للحيلولة دون الاستنفاد، فضلا عن اتقاء النزاعات وحظر استخدام الغذاء كسلاح، ودعم سكان المناطق والبيئات الهامشية، ليسهموا في زيادة الإنتاجية؛ وإذا كانوا نازحين، فإنهم يحتاجون للدعم لإيجاد بدائل لمصادر أرزاقهم، هذا بالإضافة إلي تحقيق المساواة في التوزيع، بين الجنسين، والعائلات، وأفراد الأسرة.
--------
البعد الثقافي لسياسة الغذاء
تحديات هائلة تواجهنا في سعينا لأن يتوفر للجميع مواد غذائية مستدامة، وآمنة، وسليمة، وكافية، ومغذية (أي صحية)، وعادلة، ومتوافقة مع الثقافة العامة. هذا هو الهدف الذي ينبغي ألا يغيب عن سياسة الغذاء، ونظام الغذاء المختص. وحتي الآن، لم يُقْدم علي محاولة ربط الغذاء بغيره من مكونات السياسة الوطنية إلاَّ عدد قليل من الحكومات؛ ويأتي في مقدمة أسباب ذلك أنها عملية معقدة، فسياسة الغذاء تهتم بالإجابة علي تساؤلات متداخلة: ماذا يؤثر في النسق من العلاقات والأنشطة، التي تتفاعل فيما بينها لتحدد: ماذا عن إنتاج الغذاء وتوزيعه، والكمية المنتجة، والطرق المستخدمة، ولمن يتم الإنتاج والتوزيع، ومَنْ هم المستهلكون؟ كما أن عملية الربط تلك تتضمن اقتصاديات الغذاء، وهي فرع من الاقتصاد العام.
وللبشر قدرة عالية علي التكيف، وباستطاعتهم أن يتخذوا لأنفسهم أطعمة متنوعة، علي نحو ما يظهره لنا التنوع في أساليب إعداد الطعام لدي القرويين، وهي أساليب مستمدة مما أتيح لهم في مواطنهم. ومع انتشار البشر علي سطح البسيطة، ونشوء وانهيار الإمبراطوريات، والتماس أغنياء الناس للأطعمة الشهية الجديدة، وسعي الفقراء للتأسي بهم، تغيرت تلك الأطعمة، واستوعبت أنواعا نباتية وحيوانية جديدة، فأتت بمنتجات غذائية حديثة. وأينما كان موقعنا الآن، فإن ما نقتات به من غذاء قد يكون مختلفًا عما كان في الماضي، وربما كان موجودًا فيما مضي، فإن لما نأكله تاريخًا، وهو ليس مجرد تاريخ بسيط للطعام، وإنما تاريخ ثقافة ومجتمع.
والطعام ضرورة أساسية من ضرورات الحياة، ونحن نتناولُ الأغذية، وليس مكوناتها من العناصر المغذية؛ وتؤدي الأغذية المختلفة مجموعة متنوعة من الوظائف في حياتنا، فسيولوجيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، وليس فقط مجرد الإعاشة؛ فنحن نستخدم الغذاء كمثوبة، وكمصدر للمتعة، وكتعبير عن المكانة والخيارات الثقافية والدينية، وغير ذلك. وبالرغم من أن الغذاء متوفر علي نحو مناسب، بصفة عامة، في العالم، إلاَّ أنَّ الفوارق الضخمة في كمية ونوعية ما يتناوله الناس من غذاء لا تزال موجودة، كما سبق أن أوضحنا.
والبيئة هي مصدر الطعام، حيث ينميه الناس ويجمعوه، أو يصطادوه، أو يقتنصوه؛ ويتوقف استمرار الموارد الغذائية علي الاحتفاظ بالبيئة في حالة جيدة، وعلي وجود مدي من التنوع في النباتات والحيوانات المتاحة لنا، والتي يتيسر استنساخ سلالات منها، قادرة علي التصدي للأمراض والتغيرات المناخية، وغيرها من الشدائد التي يواجهها المزارعون والصيادون والرعاة. إن ذلك يوضح درجة أهمية التنوع الأحيائي الزراعي، ويعني أن صلاح البيئة مطلبٌ لا غنًي عنه من أجل موارد الطعام في المستقبل، وهو شأنٌ يحتاج أن يضعه التطور التكنولوجي الحديث في الحسبان.
------
حقوق الملكية الذهنية وأسرار التجارة
إن حقوق الملكية الذهنية هي وسائل قانونية ومؤسساتية تستهدفُ حماية إبداعات العقل، من مخترعات وآثار فنية وأعمال أدبية وتصميمات؛ وتتضمن تلك الوسائل أيضًا علامات توضع علي المنتجات، تميزها عن منتجات أخري تشبهها ويعرضها المنافسون للبيع. وبمرور السنين، اتسع مفهوم الملكية الذهنية، الذي كان يتسمُ _ إلي حد ما _ بالمرونة (وقد يكون اتسم أيضًا بالخداع)، فأصبحَ لا يتضمن براءات الاختراع، وحقوق النشر، والعلامات التجارية المسجلة، والتصميمات الصناعية فحسب، وإنما امتد ليشمل أسرار التجارة، وحقوق مُربِّي النباتات، والعلامات ذات الدلالة الجغرافية، وحقوق النماذج الإنتاجية لتصميمات الدوائر المتكاملة، وثمة زعمٌ بأن براءات الاختراع وحقوق النشر والعلامات التجارية المسجلة هي أعلي صور الملكية الذهنية شأنًا، من حيث الأهمية الاقتصادية، ولدورها التاريخي في عملية تصنيع أوربا وأمريكا الشمالية، ولوضعها الراهن كعُمُدٍ أساسية للقانون الدولي للملكية الذهنية.
وتعطي براءات الاختراع للمخترعين حقوقًا قانونية تحول دون الآخرين واستخدام أو بيع أو استيراد مخترعاتهم، لمدة محددة، تصل حاليا _ في الأحوال الاعتيادية _ إلي عشرين عامًا.. وينبغي علي طالبي براءة الاختراع إقناع الجهة الوطنية المنوط بها إصدار البراءة بأن الاختراعَ الواردَ في طلب الاستصدار مستحدثٌ وصالحٌ للتطبيق الصناعي (ويُكتفَي في الولايات المتحدة الأمريكية بالإقرار بأنه نافع)، وبأن ابتداعه قد تضمن خطوة خلاقة، أو أنها كانت خافية علي الغير، من المشتغلين المهرة في المجال ذاته. وتفيد احتكارات براءة الاختراع النشاطَ التجاريَّ، إلي أقصي حدٍّ.
وتُعطي حقوقُ النشر للمؤلفين حماية قانونية لأعمالهم الأدبية والفنية المختلفة؛ ويمنح قانون حقوق النشر المؤلفين حقوقًا حصرية في بيع نسخ من عملهم، في أي صورة من الصور الملموسة التي يمكن استخدامها لنقل أشكال إبداعهم للعامة (إصدارات مطبوعة _ تسجيلات صوتية _ أفلام _ إلي غير ذلك من صور)، وتغطي الحماية القانونية صياغة الأفكار المتضمنة في العمل، وليس الأفكار ذاتها.. وفي الحقيقة، فإن هذه الحقوق تدوم زمنًا طويلا جدًّا، يصل عادةً إلي سنوات عمر المؤلف، مضافا إليها من 50 إلي 70 سنة.
أما العلامات التجارية، فهي وسائل تسويقية، تفيد في دعم ما تروج له شركة ما من أن منتجاتها أو خدماتها موثوق بها ومميزة، إذا قورنت بما يناظرها من منتجات وخدمات المنافسين. وتتكون العلامات التجارية، عادة، من تشكيل فني مميز، أو كلمة، أو مجموعة من الكلمات، توضع علي بطاقة بيانات المنتَج، والمعمول به أن العلامات التجارية يمكن تجديدها عددا لا نهائيا من المرات، بالرغم من أن ذلك يجب أن يكون، حسب معظم الصلاحيات القانونية، مرهونا بالاستخدام المتواصل، ولمالك العلامة التجارية كامل الحق في منع الطرف الثالث (غير المذكور اسمه) من
استخدام علامات مماثلة أو مشابهة في عمليات بيع بضائع أو خدمات مماثلة أو مشابهة، لما يترتب عليه من احتمال الخلط.
وتجدُرُ الإشارة، هنا، إلي أن الملكية الذهنية لا تتأبي علي أي تعريف دقيق يرضي الجميع، والحقيقة أن وثيقة نشرتها حديثًا المنظمة العالمية للملكية الذهنية قد حملت بعض التشكك، المقبول تمامًا، حول فعاليتها، جاء فيها: "قد تبدو الملكية الذهنية، إجمالا، تسمية مغلوطة، وذلك لأنها لا تغطي، بالضرورة، أعمالا ذهنية، كظاهر الأمر، وإنما أصولا معنوية متنوعة المصادر، لا تتطلب جهدًا ذهنيًّا مجردًا، كما أن تحديد ماهيتها، وحمايتها، لا يخضعان لحقوق الملكية وحدها (فالحقوق الأدبية للمؤلفين، والمنزلة المرموقة للتجار، هما _ في مفهوم القانون المدني _ ليسا من شئون الملكية).
وبالرغم من أن النفع، أو الصلاحية للاستعمال، تبدو كمطلب أقل إلحاحًا، فمن الممكن أن يجتاز اختراعٌ ما اختبارَ القابلية للتطبيق الصناعي، في أوربا، بينما يُعدُّ غير صالح للاستعمال، وفقًا للمعايير الأمريكية، وتوضح ذلك ألين جالوشات، مستشار وزارة التكنولوجيا في فرنسا، فتقول: "بمقدور أي فرد أن يتخيل اختراعًا في هيئة منتج أو طريقة لحل مشكلة تقنية، أو يشتمل علي خطوات ذات طبيعة تقنية، ولكن لا يأتي من ورائه نفع. إن هذا الاختراع يقبله نظام تسجيل براءات الاختراع في أوربا، بينما يرفضه النظام الأمريكي".
------
حفز الإبداع والنظام العالمي للملكية الذهنية
يزعمُ المؤيدون لوجود نظام عالمي قوي للملكية الذهنية بأنه يوفر الحافز الضروري، والمثوبة المناسبة، والتأمين المرتجي للاستثمار بأسلوب التفاعل بين البحث العلمي والتنمية لإيجاد مبتدعات تحسِّنُ أحوالَ المعيشة، ويعرفُ التاريخُ، بصفة أساسية، اثنتين من الجدليات الأخلاقية والفلسفية الداعية إلي مكافأة الأفراد المبدعين والمخترعين، جاءت إحداهما من رأي فيلسوف القرن التاسع عشر الألماني (هيجل)، القائل بأن الفكرة بنت من جاء بها؛ لأنها علامة علي هويته أو ذاته.. أما الدعوة الثانية، فمستمدة من أعمال فيلسوف القرن السابع عشر، الإنجليزي (جون لوك)، عن الملكية المادية، وكان يري أن نفع الأشياء المادية أو الطبيعية يتحقق من خلال جهد آدمي، وأن أولئك الذين يقومون بهذا الجهد لهم حقٌّ أدبيٌّ في استغلال هذه الأشياء، حصريًّا.
وفي الوقت الراهن، وعلي مستوي التطبيق العملي في الدول الصناعية، فإن الأساس المنطقي لحماية الأشياء ذات القيمة المعنوية، والذي أوجدته الملكية الذهنية، هو منفعيٌّ في جوهره، ويركز الجانبُ النفعيُّ فيه علي حفز الإبداع، باعتبار أن ذلك يفيد الجميعَ؛ فالمعلومات اللازم توفرُها لصنع شيء ما، علي سبيل المثال، تختلفُ عن الشيء المادي، كقطعة خبز، وذلك لأنها _ المعلومات _ يمكن لشخص واحد أن يستخدمها أو يستهلكها، بغير أن يحولَ ذلك دون أن يستخدمها آخرون؛ أي إن مشاركة الآخرين لك في المعلومات لا تقللُ من القدر الذي تملكه أنت منها، علي العكس من قطعة الخبز.. وعلي أي حال، فإن الأفضلية التي قد تكون توفرت لك يمكن أن تقلَّ إن انفردتَ أنت بالإحاطة بشيء ما، أو إن أتيح لك أن تُقصيَ الآخرين، فلا يستخدمون ما أنت به عليم، وهنا تنشأ مشكلة.. ففي حين أن أوسع انتشار ممكن لمعلومة جديدة يترتب عليه أكبر فعالية اقتصادية، إن كانت تلك المعلومة متاحة لأن يستخدمها كلُّ الناس، فإن ذلك يقلل من حماسة المبدعين للعمل من أجل إنتاج تلك المعلومة، ويعترض مختلفُ أشكال الملكية سبيلَ هذه المشاركة (يكون ذلك، في العادة، بشكل مؤقت)، بتحويل المعلومات من صورة النفع المشترك العام إلي المصلحة الخاصة.. وبمعني آخر، فإن الملكية الذهنية تؤدي إلي ندرة لا موجب لها، في غير محلها؛ ويعطي ذلك أصحابَ الملكية الذهنية تعزيزاً من قوي السوق، كما أنه يسمحُ بالتسعير الاحتكاري الذي يتمكنون بواسطته من استرداد ما أنفقوه علي برامج البحث العلمي المرتبط بالتنمية.. وهكذا، يتوفرُ الدافعُ أمام العقول المبدعة والشركات التجارية المجددة لخوض غمار أنشطة خلاقة، ويضطلعُ نظام الملكية الذهنية، بعد ذلك، بدوره المهم في دعم ما يهتدي إليه القطاع الخاص من ابتكار، وفي تمكين الشركات من توطيد قوتها في السوق، والإبقاء عليها.
ويوفر هذا الجدل السند العقلي الأساسي للحماية المستمدة من براءات الاختراع، وحقوق النشر، وحقوق مربِّي النباتات، وغيرها من أنواع الملكية الذهنية. وعلي كل حال، فإن الصور العديدة للملكية الذهنية، في مختلف الدول، تتباين من حيث نوعية المادة التي قد تكون أحق بالحماية، والمجال (ما سيتم حمايته)، والأمد (زمن الحماية).. كما تتباين من حيث ما يتيسر من إعفاءات ضريبية للحقوق الحصرية، ويعكسُ ذلك حقيقة أن صور الملكية الذهنية هي امتيازٌ يمنحه المجتمع، من خلال ما يسنُّهُ من قوانين، لتنتفع به جماعة بعينها تعملُ لتحقيق أهداف مجتمعية عامة (تنمية القدرة علي الخلق والإبداع)، كما أنها _ الملكية الذهنية _ تحاول تحقيق التوازن بين مصالح منتجي الأعمال الذهنية ومستخدميها.
ويري الاتحاد الأوربي، بوضوح، أن للملكية الذهنية دورا تلعبه في العمل علي تأمين مصالح أعضائه الاقتصادية التنموية، وفي تطبيق التكنولوجيا الحيوية المعاصرة، وقد اقترحت المفوضية الأوربية خطة عمل تنفيذية مكونة من 30 نقطة، منها إنشاء نظام أوربي للملكية الذهنية، يتسم بالقوة والتناسق وسهولة التطبيق، من شأنه تحريك برامج التنمية المرتبطة بالبحث العلمي، والابتكار؛ ليكون بمثابة الدعامة للانتفاع بكامل قدرات التكنولوجيا الحيوية، ولتقوية القدرات التنافسية لقطاع التكنولوجيا الحيوية الأوربي.
أسرار جينات البشر والنباتات والحيوانات
في دراسته الموسَّعَة التي تستعرضُ المبررات الرئيسة للملكية الذهنية _ سواء لإثابة المبدع أو لحفز الابتكار _ يحاولُ عالمُ السياسة (كريس ماي) البرهنة علي أن الغرض الحقيقي منها، بالوقت الراهن، هو حماية الاستثمار المالي، وتسوِّي بعضُ الدول بينها وبين المصالح القومية، ويشير "ماي" في دراسته إلي أن تصوُّر الولايات المتحدة الأمريكية لضوابط الملكية الذهنية، الذي أعلنته في المباحثات الخاصة بوضع ضوابط جديدة للملكية الذهنية، يتم إدخالُها إلي منظمة التجارة العالمية من خلال اتفاقية حقوق الملكية الذهنية للمسائل ذات الصلة بالتجارة، فهي تري في تلك الضوابط (وسيلة للاحتفاظ بميزتها التنافسية في النظام العالمي).. إنها نظرة إلي تلك الضوابط، ليس بوصفها طريقة لنقل التكنولوجيا الحديثة، ولكن للإبقاء علي الفجوة بين الدول التي تملك التكنولوجيا وتلك التي لا تملكها، تأكيدا للمصلحة الوطنية.. وعلي كل حال، فإن "ماي" يقول إن الإقرار بشرعية تلك الفجوة قد تم استنادًا إلي ملكية ذهنية استحدثت ما يُسَوِّغها ليس من هذه المصلحة وإنما من حقوق مبتكري المعرفة الأفراد، وقد قام عالمُ الاقتصاد (ها جون تشانج)، من جامعة كمبردج، بتجسيد هذه النظرة إلي نظام الملكية الذهنية الموسَّع باعتباره يحولُ دون التنمية، حين تحدث عن (ركلِ السُّلَّم وإزاحته).
أما (جيمس بويل)، أستاذ القانون بمدرسة ديوك الحقوقية، فيقول إن تأثيرات نظام عالمي للملكية الذهنية سوف تنتشر، ولن تكون مفيدة علي نحو ما يصورها المناصرون لهذا النظام، وقد بادر الرجلُ فكتب مسودة بيان، جاء فيه: "إن نحَّينا جانبًا ما تحاول أن تخدعنا به صناعات المعلومات العالمية، لوجدنا أن مزيدًا من حقوق الملكية الذهنية قد يؤدي، فعليًّا، إلي ابتكار أقل، ونقص في تنوع الثقافات والبيئات، وإلي عالم يعمه النزاعُ وتنقصه المعلومات". إن ذلك يأتي، أساسًا، من أن تلك الحقوق تدعم وجود سوق شديدة التعقيد، خاضعة لهيمنة شركات كبيرة تستغل ضوابط الملكية الذهنية في منع غيرها من تهديد أوضاعها، ويري "بويل" أن حقوق الملكية الذهنية يجري استخدامُها كجزء من سلسلة جديدة من أعمال الحجر علي ما كان يُعَدُّ فيما سبق مشاعًا عالميًّا، متضمنًا المعلومات الجينية المشفرة في جينات البشر والنباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة، ويري "بيتر دراهوس" أن ذلك جانب من جوانب الاتجاه نحو (الملكية الخاصة)، وهي معتقد يدعو إلي أن يستحوذ المالك علي كل شيء، وأن امتيازات الملكية ينبغي أن تسبق مصالح المجتمع، وأن المجال مفتوح لامتلاك العالم بكل ما فيه؛ ويحذِّرُ "دراهوس" من التفكير في حقوق الملكية الذهنية علي أنها حقوق، وإنما كامتيازات، فيقول: "يفترض قانونُ الملكية الذهنية حقوقًا مترتبة علي أشياء غير ملموسة، خلافًا لقانون الملكية المادية؛ وما حقوق الملكية الذهنية إلا امتيازات مقررة بضوابط جاءت لتنظيم ملكية واستغلال أشياء مجردة، في عدة نواحٍ من النشاط البشري، وهي نوع خاص من الامتيازات المتعدية لحدود الحرية، يشجع علي التحزب لفئة دون أخري، ويُعلي منزلة مستويات خطيرة من القوي الخاصة، ومن وجهة نظر عدالة التوزيع، ينبغي أن يُحَدَّ مدي حقوق الملكية الذهنية، فلا أحد ينكرُ وجودَ أسباب قوية تدعو إلي تعزيز حقوق الملكية الخاصة، ولكن ذلك ينبغي أن يكون مشروطًا، ومتسقًا مع المنطق، وبهَدْي من الرؤية الفلسفية المبررة لوظيفة الملكية في الحياة الاجتماعية والثقافة الديمقراطية.
وفي رأي "دراهوس" أن حقوق الملكية الذهنية سوف تخلق، عالميًّا، شكلا جديدًا من أشكال النظام الإقطاعي؛ لأن تلك الحقوق ستغير العلاقات الاجتماعية، فتحرمُ أفرادًا عاديين من أن يمتلكوا موجودات، مثل البرمجيات أو بذور النباتات، وعوضًا عن ذلك، فإن المشترين وحدهم يؤذن لهم من قِبَل القائمين علي هذه الحقوق باستخدام مثل تلك الموجودات، علي نحو محدود جدا، ولا يتمتعون بتصرفات اجتماعية ثابتة بحكم القانون، وترتبط بالملكية المادية، مثل إمكانية التصرف فيما اشتروه بالإعارة أو المشاركة أو الإهداء أو البيع. وهكذا، فإن المسائل الأخلاقية التي تكتنفُ الملكية الذهنية تتجاوز إلي ما هو أبعد مما نركز عليه من أمور الغذاء والزراعة.
----
القرصنة البيولوجية وتبادل الموروث المعرفي
المستقرُّ لدي الغالبية العظمي من الدول، أن تبادل الموارد الوراثية والموروث المعرفي، عبر الحدود ينبغي أن يتم امتثالا للمبادئ التي أقرتها اتفاقية التنوع الأحيائي، وقد أصبحت حقوق الملكية الذهنية، وبخاصة براءات الاختراع، وأيضا حماية الأصناف النباتية، من المسائل التي تتصدرُ مناقشة هذا الموضوع، لأسباب عديدة، منها الاقتناع الراسخ لدي الدول النامية والمنظمات غير الحكومية بأن للتنوع الأحيائي، وما يرتبط به من موروث معرفي، قدرات اقتصادية هائلة، في ظل حقيقة مفادها أن طلبات براءات الاختراع في مختلف الدول قد تتضمن في نطاقها مواد بيولوجية ووراثية، وتشترك الدول النامية والمنظمات غير الحكومية أيضا في الاعتقاد بأن هذا الوجه من وجوه نظام براءة الاختراع يمكِّنُ الشركات من نهب الموارد الوراثية والموروث المعرفي المرتبط بها، أو علي الأقل، من الحصول علي ميزات دون وجه حق، وإن بمقدور قانون الملكية الذهنية الحديث حماية الابتكارات الصناعية المتمركزة بصورة أساسية في العالم المتقدم، ويعجز عن توفير هذه الحماية في دول نامية أيسر حالا نسبيا، وثمة تصورٌ بأن الأسباب السابقة ترتبطُ ارتباطا وثيقا بالتوزيع غير المتكافئ لحيازة براءة الاختراع وتركيزها، وبعدم تكافؤ الحصص من المنافع المتحصلة من استخدام الموارد الوراثية في الصناعة.
وقد برزت القرصنة البيولوجية كاصطلاح يصف أساليب بعض شركات العالم المتقدم في الاستيلاء علي موارد وراثية وموروث معرفي وتكنولوجيات من الدول النامية، دون وجه
حق، ولئن كانت هذه الشركات وغيرها تتذمرُ من (القرصنة الفكرية) التي يقترفها بعض الناس في دول نامية، فإن هذه الدول ترد علي ذلك بأن هذه الشركات نفسها هي التي تسلبها أصولها البيولوجية والعلمية والثقافية.
والقرصنة الفكرية مصطلح سياسي تنقصه الدقة، وهذا عن قصد، وهو قائم علي افتراض أن نسخ وبيع المستحضرات الصيدلانية وأسطوانات الموسيقي وشرائط السينما، في أي مكان في العالم، خطأ، بصرف النظر عما إذا كانت الأعمال محل الاعتبار مشمولة بحماية براءة الاختراع أو حقوق النشر، في إطار القوانين المحلية. ومع ذلك، فإن كانت بعض الدول لا تجيز إصدار براءة اختراع للعقاقير، فإن قامت شركات محلية بإنتاج شبيهات لها، تستخدم بالسوق المحلية والأسواق الخارجية، أو في أيهما، حيث لا يمكن إصدار براءات اختراع لهذه العقاقير، فإن هذا لا يعد قرصنة، بالمعني القانوني للكلمة.
وبالمثل، يفتقد مصطلح القرصنة البيولوجية الدقة، وثمة أسباب وجيهة للإبقاء عليه هكذا، في الساحة الدولية، علي الأقل.. غير أن هذا (الغموض الاستراتيجي) لا يعد نهجًا معينًا لمن يسعون لإيجاد حلول قانونية في القوانين الوطنية أو اللوائح أو الاتفاقيات الدولية. إنه مصطلح مركَّب من شقين: (قرصنة)، و(بيولوجية)، أي حيوية. وحسب (معجم أكسفورد الوجيز)، فإن كلمة قرصنة (Piracy) تعني : (1) ممارسة السطو علي السفن في البحر، أو الاشتغال به. (2) أشكال أخري مشابهة لذلك، وبخاصة الاختطاف. (3) انتهاك حقوق النشر.
وبعيدًا عن الاستخدام الخطابي للكلمة، فإن (قرصنة) لا تبدو منطبقة علي نوع الفعل المعروف بالقرصنة البيولوجية.. فماذا عن الفعل قرْصَنَ (to pirate)؟ يعطينا ذلك القاموس معنيين له: (1) يختلسُ أو يعيد إنتاج ما يملكه الآخرون من أعمال وأفكار.. إلخ، دون إذن، ولمنفعة شخصية. (2) السلب أو السطو.
وتبدو هذه التعريفات أفضل كثيرا مما التصق بلهجة الحديث عن القرصنة البيولوجية من ألفاظ مثل الاختلاس والسرقة. والقراصنة، في حقيقتهم، هم أولئك الأفراد، أو الشركات، الذين يُتهمون بارتكاب أحد الفعلين التاليين، أو كليهما: (1) سلب موارد وراثية وموروث معرفي، أو أيهما، مستخدمين نظام براءة الاختراع. (2) جمع موارد وراثية وموروث معرفي، أو أيهما، دون تخويل، ولأغراض تجارية.
ولما كانت القرصنة البيولوجية تتعدي كونها مسألة قانونية لتصبحَ قضية أخلاق وعدالة، فليس من السهل في كل الأحوال وضع خط فاصل بين واحدة من ممارساتها، وممارسة مشروعة، وتتفاقم هذه الصعوبة حين يكتنف الغموضُ أسلوبَ تطبيق المصطلح.
ونورد فيما يلي، ولغرض توضيح هذه النقطة، مجموعة واسعة من الأفعال التي يُنظرُ إليها علي أنها قرصنة بيولوجية للموروث المعرفي:
- الاستخدام غير المأذون لموروث معرفي شائع.
- الاستخدام غير المأذون لموروث معرفي شائع يتحدد وجودُه داخل نطاق مجموعة واحدة من السكان الأصليين.
- الاستخدام غير المأذون لموروث معرفي شائع، تم الحصول عليه عن طريق الخداع أو الفشل في الإفصاح التام عن الدافع التجاري وراء اقتنائه.
- الاستخدام غير المأذون لموروث معرفي شائع، علي أساس من معاملة يشوبها استغلال.
- الاستخدام غير المأذون لموروث معرفي شائع، علي أساس من معاملة يشوبها استغلال، مع الاعتقاد بأن كل هذه المعاملات هي بطبيعتها استغلالية (كل أعمال التنقيب عن الموارد البيولوجية هي أعمال قرصنة بيولوجية).
- الاستخدام التجاري للموروث المعرفي في البحوث الأدبية.
إن الحجم الحقيقي للقرصنة البيولوجية غير معلوم، وبصرف النظر عن الافتقار للمعلومات، فإن تحديده يعتمدُ علي كيفية التمييز بين استغلال شرعي واستغلال غير عادل، فالخط الفاصل بينهما غير واضح علي الدوام. كما يعتمدُ تحديد ذلك الحجم علي ما إذا كانت الموارد برية، لا مالك لها، أو مستأنسة، مملوكة.. وثمة رأي يشيعُ بين منتقدي الممارسات التجارية التقليدية، مؤداه أن معظم الشركات لا تعترف بأن عليها التزاما أخلاقيا بتعويض المجتمعات التي تقدم المادة الوراثية، مقابل إسهامها الفكري، حتي بافتراض أن هذه المادة (برية)، والحقيقة هي أن الاعتقاد بأن الموارد الوراثية (هبات طبيعية) يأتي في الغالب من ممارسات علي مدي أجيال عديدة للتربية الانتقائية للمحاصيل وإدارة المعالم الأرضية، والحكاية، بالأساس، هي أن التقصير في الاعتراف بإسهامات المجتمعات التقليدية، فيما مضي وحاليا، وتعويضها عنه، هو نوع من القرصنة الفكرية.
والرد المتوقع من الصناعة هو أن تلك ليست بقرصنة.. فربما لم يفعل الجيل الحالي شيئا يذكر من أجل تطوير وصون هذه الموارد، وقد يستمر الجدلُ، فيقال إن ذلك هو _ في أسوأ الأحوال _ فشلُ سياساتٍ، وإن اتخاذ تدابير خارج نطاق نظام حقوق الملكية الذهنية قد يكون هو المناسب لضمان مكافأة المجتمعات التقليدية.
أما عن صيغة القرصنة البيولوجية ذات الصلة ببراءة الاختراع، فليس ثمة شك في أن الشركات في وضعية متميزة.. بمعني أنه في حين أن خصيصة مفيدة في نبات أو حيوان قد تكون معلومة لأحد المجتمعات التقليدية دون أن تكون لديه القدرة علي وصف الظاهرة بلغة الكيمياء أو البيولوجيا الجزيئية، فإن المجتمع لا يستطيعُ الحصولَ علي براءة اختراع، حتي وإن كان بمستطاعه التقدم بها؛ وبينما يكون من غير المرجح أن تحصل الشركة بعد ذلك علي براءة اختراع، لمجرد وصف طريقة عمل أو مركب فعال، فإنها تستطيع ادِّعاءَ نسخة تخليقية من المركب، أو حتي مستخلص نقي؛ وستكون الشركة في حِلٍّ من تقديم التعويض للمجتمعات المعنية، في غياب عقد أو لائحة نوعية.
ولا تستهدفُ هذه المناقشة إنكارَ وجود القرصنة البيولوجية، وإنما تبيان أن افتقاد الوضوح أمرٌ مُعَوِّقٌ، وتتمثلُ مشكلة لهجة الحديث عن القرصنة البيولوجية وما وراءها من غموض استراتيجي في استحالة تقدير حجمها، ما لم يتم الاتفاقُ علي ماهيتها.. كما يستحيلُ تقريرُ ما يجبُ أن يُتخذَ بشأنها.
وثمة وجهة نظر متطرفة تقولُ إن كلَّ أعمال التنقيب البيولوجي هي قرصنة بيولوجية، وإن كان الحالُ كذلك، فإن الردَّ يكونُ حظرَ الموارد برمَّتها، وإذا كانت القرصنة البيولوجية مجرد عملية إثارة، فلا حاجة لأن يكون إنفاذ هذا الحظر شديد الصرامة، حيث إن التطبيق القانوني في مجالات المصالح العليا يجب أن تكون له الأولوية.
وإن تسببت القرصنة البيولوجية في ضرر اقتصادي واجتماعي، أو أيهما، يجبُ علي الدولة أن تسارعَ بالتمكين للحظر.. ومن ناحية أخري، إذا كانت المشكلة تتمثلُ في عجز الدولة، أو المجتمعات الموردة، عن التفاوض من أجل اتفاقيات مثمرة، فإن الاستجابة قد تكون في تحسين ما يقدم من عون قانوني وتقني؛ أما إن كانت مشكلة إضفاء شرعية علي نظام براءة الاختراع، أو تشجيع التملك غير المشروع، فقد نكون بحاجة إلي تطوير معايير الفحص، أو إلي حظر إصدار براءات اختراع لأشكال الحياة والمركَّبات الطبيعية، أو حتي المحوَّرَة، أو للأخذ بشرط الإفصاح عن المنشأ. وباختصار، فإن تحديد معني للقرصنة البيولوجية يساعد في قطع شوط كبير نحو تحديد ما ينبغي القيام به حيالها.
----
الحق في الغذاء والتبادل الحر للمعرفة والبذور
الحق في الغذاء، هو حق مثبت في كثير من الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل.. كما تحميه، فوق ذلك كله، وثائق إقليمية، مثل بروتوكول سان سلفادور،
الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والميثاق الأفريقي لحقوق ورفاه الطفل.
ويمكن لحقوق الملكية الذهنية أن تحمل أثرًا سلبيًّا علي الحق في الغذاء، بصور مختلفة.. فبمقدور الحماية التي توفرها براءات الاختراع للبذور، مع حماية الأصناف النباتية، أن تحول بين المزارعين وتربية وادخار وإعادة استخدام البذور اللازمة لإطعام أنفسهم، وإعاشة مجتمعاتهم.. كما أن براءات الاختراع، علاوة علي ذلك، ترفع تكلفة البذور، الأمر الذي يمنعها عن صغار المزارعين، فثمة ضرورة لشرائها سنويًّا، كما أنها تحتاج في الغالب لمدخلات زراعية إضافية، كمبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية، وأيضًا، فقد تجافي براءاتُ الاختراع علي العمليات الميكروبيولوجية، وعلي النباتات والحيوانات، الذائقة الثقافية للمجتمعات المحلية والتقليدية، التي تقوم علي مبدأ التبادل الحر للمعرفة والبذور.
ويمتد التأثير الذي يمكن لحقوق الملكية الذهنية أن توقعه بالحق في الغذاء إلي أبعد من تقييد الحصول علي الغذاء ذاته، لأن الحق في الغذاء يتجاوز عملية التغذية ليشمل مفهوم (الكفاية والاستدامة)، ولقد قامت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تشرف علي تنفيذ الميثاق في ال 156 دولة التي وافقت علي الالتزام به، بإعداد تحليل عن نطاق الحق في الغذاء، هو الأكثر تفصيلا وموثوقية، وفيه نص علي أنه لجعل الحق في الغذاء حقيقة واقعة ينبغي أن تتوفر لكل فرد بنفسه، أو داخل مجتمع، المقدرة الفيزيقية والاقتصادية للحصول علي الغذاء الكافي، أو وسيلة لشرائه، في جميع الأوقات؛ ويتطلب ذلك أن يكون الغذاء مقبولا للمستهلك ومتسقا مع الذائقة الثقافية، وأن يتوفر الغذاء عن طريق تغذية الفرد لنفسه مباشرة من الأرض المنتجة أو الموارد الطبيعية أو نظام توزيع جيد الأداء، ومقدرة فيزيقية واقتصادية علي الحصول علي الغذاء.
وتلتزم الدول باتخاذ التدابير اللازمة لاحترام وحماية وإعمال الحق في الغذاء، والتحرك بسرعة نحو تحقيق هذا الهدف، ويُملي احترام الالتزام علي الدولة ألا تعرقل الحصول علي الغذاء الكافي، وقد يشتمل ذلك علي الامتناع عن الانضمام إلي حقوق الملكية الذهنية أو أنظمة حماية الأصناف النباتية التي تقلل من فرص الحصول علي البذور.
كما يُملي الالتزام بالحماية علي الدولة اتخاذ اللازم من التدابير لضمان أن الأفراد أو المؤسسات لا تحرم الناس من الحصول علي ما يكفيهم من غذاء، وقد ينطوي ذلك علي منع شركات التكنولوجيا الحيوية من تسجيل براءات اختراع عن الكائنات الدقيقة والنباتات والحيوانات، من شأنها أن تعترض الحق في الغذاء، مثل البذور المنهية (التكنولوجيا المنهية، ويقال لها أيضا تكنولوجيا تقييد الاستخدامات الجينية). وأخيرًا، فإن الالتزام بالتمكين للحق في الغذاء يوجب علي الدولة تقوية قدرة الناس علي الوصول إلي الموارد، ضمانًا لوسائل الإعاشة والأمن الغذائي؛ ويمكن لذلك أن يتأتي بِسَنّ تشريع حماية فعَّال وفريد للأصناف النباتية، علي نحو يتسق والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان.
-----
الموروث المعرفي واتفاقيتي التريبس والويبو
يمكن القول، بمعني أو بآخر، إن الاتفاقيات الدولية للملكية الذهنية، كالتريبس، هي شكل من أشكال (عولمة العصبية الإقليمية)، اكتسبت من خلالها قواعد السلوك الأوربية والأمريكية الشمالية، المنظمة للمعرفة، صفةَ العالمية. وإذا كنا نرومُ حماية الموروث المعرفي في صورة تطبيق متسع لما لدي أصحابه من قواعد سلوك عرفية، فقد يكون ذلك تجليًا لنفس الظاهرة. وتتجسد المشكلة في أنه، في حين كانت التريبس تدس للعالم بواسطة الشركات الكبيرة والحكومات القوية، فإن حماية الموروث المعرفي لا يمكنها الاعتماد علي دعم كهذا، مما يعني أن نظامًا ذا اتساق دولي وذا فعالية حقيقية من المرجح أن يتحقق. أضف إلي هذا أن بالموروث المعرفي ميلا إلي أن يناقش في منتديات كمجلس منظمة التجارة العالمية الخاص بالتريبس والويبو. وعلي نفس الدرجة من أهمية المناقشات التي تجري في هذه المنتديات، لا مناص من معالجة الموروث المعرفي في نطاق ضيق، بصفته أحد قضايا الملكية الذهنية، وترغبُ الحكومات في إبقاء الحال علي ما هو عليه؛ ولكي تتم معالجة الموروث المعرفي معالجة أكثر شمولية، فلا مهرب من أن تكون هناك بعض انعكاسات خطيرة علي الحكم الوطني، تتضمن إمكانية توفير تعددية قانونية، وتخلي الحكومة المركزية عن السلطة لصالح الأقاليم.
ليس من المستغرب، والحال هكذا، أن تكون الحكومات غير راغبة في توسيع نطاق المناقشة، بل إن دوافع بعض حكومات الدول النامية للسعي إلي (حل) للموروث المعرفي تبدو وكأنها قائمة علي افتراضات مشكوك بها عن القدرات التجارية للموروث المعرفي، الذي لا شك أن له قيمة بالنسبة للسكان المحليين، بالمقام الأول. وربما كانت الفكرة القائلة بأن الصناعات المحلية عالية التكنولوجيا قد تكون قادرة علي استخدام الموروث المعرفي لتكتشف الكثير من الأدوية الرائجة، وتساعد كثيرًا في زيادة الناتج الإجمالي الوطني والميزان التجاري، ضربًا من الوهم، وسوف تتحقق الحكومات من ذلك، إنْ آجلا أو عاجلا؛ وعندما يحدث ذلك، فثمة مخاوف حقيقية من أن تتخلي في هدوء عن قضية الموروث المعرفي، وبخاصة إن منحت امتيازات في شئون الملكية الذهنية الأخري المتصلة بالتجارة، كمقابل.
إن قضية حماية الموروث المعرفي مفتتة للغاية علي الصعيد الدولي، فتذهبُ نواحيه المتصلة بالتنوع الأحيائي إلي اتفاقية التنوع الأحيائي والويبو ومنظمة التجارة العالمية، وتختص منظمة الصحة العالمية بالموروث المعرفي والصحة، إلا في حالة التركيز علي المعارف الخاصة بالنباتات، فيعود ليدخل إلي الصورة كلٌّ من الاتفاقية والويبو والمنظمة، وذلك بالرغم من أن الويبو لم تشارك في وضع القواعد والمعايير في هذا المجال. فإن أتينا إلي الموروث المعرفي الزراعي، كان للفاو شأن به، وتوفر اليونسكو، جنبا إلي جنب مع الويبو، منتدًي لمناقشة أشكال التعبير الفولكلوري والثقافة.
فما حجمُ المداولات في هذه المنتديات، الذي كان مؤثرًا في القانون الدولي؟ ربما لم يكن كثيرًا علي النحو اللائق. لقد أعدت الويبو مجموعتين من الأحكام لحماية الموروث المعرفي وأشكال التعبير الثقافي التقليدية، وثمة احتمال كبير لأن تكون هذه الأحكام بمثابة الأساس للمعاهدات الدولية، والزمن وحده كفيلٌ بإثبات ذلك؛ كما اعتمدت اليونسكو في العام 2003 اتفاقيتها الخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي. وقد تصبح هذه الاتفاقية علي درجة من الأهمية، وهي لينة نوعًا ما في مدي ما تفرضه من التزامات علي الحكومات؛ وتعود اتفاقية حماية وتعزيز التنوع في أشكال التعبير الثقافي، التي أطلقتها اليونسكو بالعام 2005، لتؤكد في مادتها الأولي علي "الحقوق السيادية للدول في الاحتفاظ بما تراه مناسبًا من تدابير، وأن تعتمد وتنفذ من السياسات ما يكفلُ الحماية والتعزيز لتنوع أشكال التعبير الثقافي داخل أراضيها"؛ ومن سوء الطالع، يمكنك أن تتصور هذا المبدأ القومي، وقد استخدم لإضفاء الشرعية علي سياسات أبوية عاجزة، تتعارض ورغبات الشعوب التي تمتلك التعبيرات الثقافية المراد حمايتها وتعزيزها.
مطلبٌ وحيدٌ للدول النامية هو الذي تقاطع مع هذه المنتديات (الويبو _ منظمة التجارة العالمية _ اتفاقية التنوع الأحيائي)، ألا وهو الإفصاحُ عن المنشأ؛ فكما رأينا، كان الاقتراح هو أن تقوم الدولُ بتعديل قوانين براءة الاختراع خاصتها، لتوجبَ علي أصحاب الابتكارات التي تطالب بالموارد الوراثية أو تستخدمها، مع الموروث المعرفي، بالإفصاح عن مصدر هذه الموارد والمعرفة، في طلبات البراءة، وإلا فإنهم قد لا يحصلون عليها، أو قد تلغي إن كان قد سبق منحها. وقد يمثل مثل هذا الإجراء قدرًا إضافيًّا من الشفافية، في هيئة حركات دولية للموارد الوراثية والموروث المعرفي، غير أن البعض لا يعوِّل كثيرًا علي أنه سيفعل الكثيرَ لمنع اختلاس الموروث المعرفي. وعلاوة علي ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعارضُ تماما فكرة تعديل قانونها لبراءة الاختراع ليوجب الإفصاحَ عن المنشأ، وليس من المحتمل أن تغير موقفها.
------
قوة العلامة التجارية
تستأثرُ أنظمةُ براءة الاختراع وحماية الأصناف النباتية بمعظم الاهتمام، بينما توجد صورٌ أخري من الملكية الذهنية، لها أهميتُها للنظام الغذائي، من بينها العلامةُ التجارية، التي لم تحظَ بالقدر المناسب من الاهتمام؛ فهي ذات أهمية حيوية بالنسبة للشركات التي تتعاملُ مع المستهلكين، وكذلك بالنسبة لتسويق المنتجات للمزارعين، وذلك لأنها تدعم استراتيجيات التسويق المعتمدة علي العلامة التجارية.
وعلي النحو الذي بيَّنه بيل كينجستون، في إثارته للمخاوف تجاه إعلانات التبغ، نظرًا لتأثيره علي الصحة، فلا توجد أسبابٌ تدعو لرفض طلبات تسجيل علامة تجارية، حيث يتم إدراجُ مثل هذا المنتج علي أنه ضار بالصحة؛ ويجري الآن الترتيبُ لنهجٍ متساهلٍ إلي حدٍّ بعيد تجاه ما يتم السماحُ له بتسجيل علامة تجارية.
ومن الأمثلة الدالة علي قوة العلامات التجارية، ما ظهر
في المملكة المتحدة بالعام 2007 ونوهت إليه وسائلُ الإعلام البريطانية من مطالبة شركة سلسلة مطاعم "كنتاكي" حانةً صغيرة تديرها عائلة، في شمال إنجلترا، بأن تزيلَ عبارة (وليمة عائلية) من قائمة ما تقدمه من طعام؛ وقال محامُو شركة الوجبات السريعة الأمريكية أن مُلاَّكَ الحانة قد قاموا باستخدام عبارة سجلتها الشركة كعلامة تجارية، ومن ثمَّ فقد تعدوا عليها. وكانت تلك الحانة تقدم (وليمتها العائلية) في أعياد الكريسماس، وقد استخدمت العبارة لتصف قائمة طعامها لهذه الأعياد، وتضمُّ بعض الفطائر، ولحم الديك الرومي المشوي، وحلوي الكريسماس؛ بينما تستخدم كنتاكي العبارة لتصفَ محتويات وجبتها الكرتونية المكونة من الدجاج المحمَّر ورقائق البطاطس وسلطة الكرنب والبطاطس والمرق، مع زجاجة مياه غازية بحجم لتر وربع اللتر. وصرَّحَ متحدث باسم الشركة قائلا: "إن عبارة وليمة عائلية هي العلامة التجارية المسجلة لشركة كنتاكي للدجاج المشويّ المحدودة، في بريطانيا العظمي؛ وتخصص الشركة الكثيرَ من الموارد لتعزيز وحماية علاماتها التجارية؛ ويتصدي محامونا لهذه الحالة، بالذات". وحسب مديرو الحانة، في البداية، أن الأمر مجرد مُزحة، وسرعان ما شغلت قضيتهم الرأي العام الإنجليزي، وتلقوا عروضًا لمظاهرتهم في تلك القضية، فأعلنت الشركة عزمها عدمَ المضيِّ فيها.
ومن بين التعليقات الكثيرة التي أثارتها هذه القضية، عُني عددٌ قليلٌ جدًّا بأن يتساءلَ عن أُسُس السماح بتسجيل العلامات التجارية؛ وقيلَ: إنَّ وضعَ معايير أكثر صرامة لتسجيل العلامة التجارية كفيلٌ بمنع استخدام صيغ تافهة أو صريحة كعلامات تجارية، تجنبًا لمثل هذه المشكلة؛ كما أن تغيير قواعد تسجيل العلامات التجارية هو _ طبقًا لكينجستون - مسألة أساسية، تحد من التجاوزات السيئة بأن تمنع امتياز التسجيل عن المنتجات الضارة. ولن يمنع رفض التسجيل أيَّ فرد من أن يصنع وأن يبيع السجائر أو المشروبات أو الأطعمة الضارة، ولن يحول دون الإعلان عنها، غير أنه سيقلل من نجاعة الإعلان وغيره من الحيل التسويقية في التأثير في الثقافة العامة. كما كانت ثمة دعوة للتحكيم الإجباري، الذي من شأنه القضاء علي إقصاء الشركات الكبيرة للشركات الصغيرة.
-----
الشعوبُ الأصليةُ تطالبُ بحقوقها
أصدرَ اجتماعٌ لأربعٍ وأربعين مجموعة من الشعوب الأصلية، عُقد في نيويورك في مايو 2007، البيان التالي: "إعلانُ حقوق الشعوب الأصلية في الموارد الوراثية والموروث المعرفي".. نحن الموقعون أدناه، من شعوب أصلية ومنظمات، والمجتمعون أثناء انعقاد الدورة السادسة لمنتدي الأمم المتحدة الدائم، المعنيّ بقضايا الشعوب الأصلية، في المدة من 14 إلي 25 مايو 2007، فوق الأراضي التاريخية لشعب أونونداجا، نعلنُ البيانَ التالي، المتعلق بحقوقنا في الموارد الوراثية والموروث المعرفي ، وفيه:
- نعاودُ التأكيدَ علي ارتباطنا الروحي والثقافي بكل ما يوجد في أراضينا التاريخية من أشكال للحياة.
- نعاودُ التأكيدَ علي جوهرية دورنا، واضطلاعنا بتحمل المسئولية كحماةٍ لأصقاعنا وأراضينا ومواردنا الطبيعية.
- نقِرُّ بأننا حُرَّاسُ الموروث المعرفي الذي أخذناه عن أجدادنا، جيلا بعد جيل، ونعودُ فنؤكدُ علي مسئوليتنا تجاه حماية وإدامة هذه المعارف، لما فيه خيرُ شعوبنا وأجيالنا المقبلة.
- نعاودُ التأكيدَ بشدة علي حقنا في تقرير المصير، فهو مسألةٌ جوهرية تمسُّ قدرتَنا علي الاضطلاع بمسئولياتنا، بما تمليه علينا قيمُنا الثقافية وأعرافُنا.
- ونعودُ لنشددَ علي تأكيد التزامنا بإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، علي النحو الذي اعتمده مجلسُ حقوق الإنسان، متضمنًا المادة 31، التي تنصُّ علي:
1 _ للشعوب الأصلية الحقُّ في الاحتفاظ، والسيطرة، والحماية، والتطوير، لميراثها الثقافي والموروث المعرفي وأشكال التعبير التقليدية، فضلا عن تجليات علومها وتقانياتها، مشتملةً علي الموارد البشرية والوراثية، والبذور، والعقاقير، ومعرفة خصائص الحياة النباتية والحيوانية، والموروثات الشفاهية، والأدبيات، والتصميمات الفنية، والرياضات والألعاب التقليدية، والفنون المرئية والأدائية؛ كما أن لهذه الشعوب نفس الحقوق فيما يتصلُ بالملكية الذهنية علي ميراثها الثقافي وموروثها المعرفي وأشكال التعبير الثقافي التقليدية.
2 _ ستتخذُ الدولُ، مع الشعوب الأصلية، التدابير الفعالة لإحقاق وحماية وممارسة هذه الحقوق.
- وبالإشارة إلي بيان منظمات السكان الأصليين في النصف الغربي من الكرة الأرضية، المنعقد في (فينيكس)، بولاية أريزونا الأمريكية في فبراير 1995، والذي أكد علي (أن مسئوليتنا كشعوب أصلية هي ضمانُ استمرارية النظام الطبيعي للحياة كلها، وحفظه من أجل الأجيال القادمة)، فإن علينا مسئولية أن نتحدث عن كافة أشكال الحياة، وأن ندافع عن سلامة النظام الطبيعي؛ وإننا لنعارضُ منحَ براءة اختراع لكل المواد الوراثية الطبيعية؛ فالمستقرُّ لدينا أن الحياة، حتي في أدني صورها، لا تُشتري، ولا تتملّك، ولا تُباع، ولا تُكتشف، ولا تُسجل في براءة اختراع.
- تأسيسًا علي بيان بكين لنساء الشعوب الأصلية، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الرابع المعنيّ بالنساء، المنعقد في بكين بالصين، والذي جاء في نصه: "إننا نطالبُ بالاعتراف بحقوقنا الثابتة في موروثنا الفكري والثقافي، واحترامها؛ وسوف نواصلُ الاستخدامَ الحرَّ لما لدينا من تنوع أحيائي، للوفاء باحتياجاتنا المحلية، مع التأكيد علي ألا يصيبَ التآكلُ قاعدةَ التنوع الأحيائي التي تقومُ عليها اقتصادياتُنا المحلية؛ وسوف نعملُ علي تجديد حيوية وتحديث تراثنا البيولوجي والثقافي، ونداومُ علي حراسة معارفنا وتنوعنا الأحيائي والوصاية عليهما.
- وإننا، إذ نشيرُ إلي بيان أوكوبسيني، في كونايالا _ بنما، المعلن بتاريخ 12-13 نوفمبر 1997، وما وردَ به : "نحن نشجبُ استخدامَ الآليات القائمة للتسويغ القانوني لنظم الملكية الذهنية وبراءة الاختراع، لإضفاء الشرعية علي سلب المعرفة والمواد الوراثية، أيًّا كان مصدرُها، وبصفة خاصة، تلك التي تأتي من مجتمعاتنا".
- وإذ نشيرُ إلي بيان كانكون الدولي للشعوب الأصلية، المعلن في المؤتمر الوزاري الخامس لمنظمة التجارة العالمية، في كانكون، بإقليم كوينتانا رو، بالمكسيك، في 12 سبتمبر 2003، والذي يدعو إلي (وقف إصدار براءة اختراع لأشكال الحياة، وحقوق الملكية الذهنية الأخري، علي الموارد البيولوجية والموروث المعرفي)، لنؤكد علي أننا، نحن الشعوبُ الأصلية، نحتفظُ بحقوقنا في الهيمنة علي بذورنا ونباتاتنا الطبية ومعارفنا الأصلية.
- وإننا إذ يساورُنا القلقُ إزاء التسرع الذي اتسمت به عمليتا البحث والتفاوض من أجل نظام دولي للإتاحة وتقاسم المنافع، في إطار اتفاقية التنوع الأحيائي، وإزاء الدول القومية التي شاركت في فشل الاتفاقية، حتي الآن، في الاعترافِ بحقوق الشعوب الأصلية في تنظيم الوصول إلي الموارد الوراثية التي تنشأ في أراضينا ومياهنا، والاستفادة منها، لنحثَّ منتدي الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية علي ما يلي:
(1) أن يعدَّ تحليلا قانونيًّا للدول والشعوب والسيادة، وما بينها من علاقات، ونطاق التطبيق، لمساعدة الأطراف في اتفاقية التنوع الأحيائي علي تفهم معني السيادة، في سياق الاتفاقية ودور السيادة في وضع نظام دولي للإتاحة وتقاسم المنافع.
(2) أن يوصي اتفاقية التنوع الأحيائي، تمشيًا مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بأن تلتزم الدولُ الأعضاء فيها بالاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية في تنظيم إتاحة الموارد الوراثية التي تكونت في أراضيها ومياهها، والموروث المعرفي، وأن تحمي هذه الحقوق، فمثل هذا الاعتراف ينبغي أن يكون عنصرًا أساسيًّا في النظام الدولي المقترح بشأن الإتاحة وتقاسم المنافع.
(3) أن يعد تقريرًا عن العواقب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لتسويق الموارد الوراثية ومعارف الشعوب الأصلية، علي هذه الشعوب.
(4) أن ينشرَ هذا البيان وما سبقت التوصيةُ به من تقارير، في جميع محافل الأمم المتحدة ذات الصلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.