احتفل العالم يوم 22 مايو باليوم العالمي للتنوع البيولوجي، ويتفق الاحتفال بالتنوع البيولوجي هذا العام مع الاحتفال بالسنة الدولية للصحاري والتصحر الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة رقم 58/211 في 2003. لقد قرر الأمين التنفيذي الجزائري، د. أحمد دجلاف، لاتفاقية التنوع البيولوجي التي يقع مقرها في مونتريال بكندا، أن يركز الاحتفال العالمي بالتنوع البيولوجي هذا العام علي حماية التنوع البيولوجي في المناطق الجافة كي يتماشي مع السنة الدولية للصحاري والتصحر المعلنة في 2006، ويتمثل هذا الاختيار في تسليط الضوء علي أهمية الحفاظ علي التنوع البيولوجي في المناطق الجافة بصفة خاصة وعلي زيادة وعي الرأي العام حول التنوع البيولوجي والمخاطر التي تهدد ضياعه، وعلي إبراز برنامج العمل الخاص بالتنوع البيولوجي في المناطق الجافة وشبه الجافة الذي تشرف علي تنفيذه أمانة الأممالمتحدة لاتفاقية التنوع البيولوجي. ويوفر برنامج العمل الإرشادات حول الأعمال الممكنة لوقف التصحر والحفاظ علي التنوع البيولوجي في الأراضي الجافة وشبه الجافة وتلبية هدف التقليل بشكل كبير من معدل ضياع التنوع البيولوجي بحلول عام 2010. فهل يعرف القاريء ما يقصد بالتنوع البيولوجي؟ فالتنوع البيولوجي حسب تعريف الاتفاقية هو تباين الكائنات العضوية الحية المستمدة من جميع المصادر بما فيها النظم الإيكولوجية الأرضية والبحرية والأحياء والمركبات الإيكولوجية التي تعد جزءا منها وذلك يتضمن التنوع البيولوجي داخل الأنواع وبين الأنواع والنظم الإيكولوجية. وأين هي هذه المناطق الجافة وشبه الجافة؟ فهي موجودة في كل القارات بما في ذلك البلدان العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وهل يعرف القاريء مثلا أن مساحة البلدان العربية في شمال أفريقيا "مصر وليبيا والمغرب العربي" تتسم بجفاف شديد مع أمطار محدودة وغير منتظمة وأن 7% فقط من مساحتها الكلية حسب د. كمال البتانوني لا تعد صحراء. وتمثل المناطق الجافة 47% من الأراضي في العالم وهي غنية بالتنوع البيولوجي الذي يتسم بمرونة كبيرة في ظل الجفاف وبقدر كبير من الأنواع المستوطنة، ويعد التنوع البيولوجي محورا رئيسيا في كسب معيشة حوالي 2 مليار شخص (أي ثلث سكان العالم في سنة 2000) في 110 بلدان، كما أن 70% من سكان إفريقيا يعتمدون اعتمادا مباشرا علي التنوع البيولوجي في هذه المناطق الجافة في معيشتهم اليومية، تلعب المناطق الجافة دورا مهما في تأمين الأمن الغذائي نظرا لإنتاجها لكثير من المحاصيل الغذائية والمواشي، فحسب تقديرات منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، تمثل المواشي فيها 50% من إجمالي المواشي في العالم، وهي مورد للدخل ومصدر رئيسي للبروتين "غذاء" كما توفر المواشي الصوف إضافة إلي القطن والكتان والحرير، وتصدر المناطق الجافة إلي المناطق غير الجافة المواشي والمحاصيل الغذائية بما في ذلك الزيت النباتي والخضر والفواكه والمكسرات مما يسهم في الناتج المحلي الإجمالي، وتستخدم كثير من أنواع النباتات الموجودة فيها لأغراض طبية وفي مستحضرات التجميل وكتوابل في الغذاء، كما أن لهذه المناطق الجافة أهمية استراتيجية حيوية نظرا لثروتها في الغاز والنفط التي تمد العالم بأكمله والتي من أجلها تشن الحروب. وهل يدرك القاريء أن المناطق الجافة تلعب دورا مهما لتأمين صحة الإنسان، فهي تتسم بمستويات عالية من الأنواع المستوطنة بما يمثل ثروة هائلة من الجينات يندر وجودها في مناطق أخري من العالم، فمصر مثلا لها 2000 نوع من النباتات الطبية وأن المغرب من جانبه يمتاز بمستويات عليا من التنوع في الأنواع المستوطنة بما أن لديها 3800 نوع من النباتات الطبية منها 829 نوعا مستوطنا. وبعد سرد الأهمية الاقتصادية للتنوع البيولوجي في المناطق الجافة وشبه الجافة، علينا أن نذكر المشكلة التي ينبغي أن نتصدي لها علي كل الأصعدة الدولي والإقليمي والوطني. فالتنوع البيولوجي مهدد بالضياع بسبب الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، فإن التحول الذي أحدثه الإنسان في الموائل لصالح الزراعة والإفراط في استغلال الأراضي بما في ذلك الإفراط في الرعي، الفقر وتلوث المياه وتحويل الواحات مثلا إلي مناطق حضرية، قد أدي إلي تدهور أكثر من 20% من الأنظمة الإيكولوجية الجافة، ولقد أدي ذلك بدوره إلي التصحر والجفاف وتعرض حوالي 311.2 نوع للخطر وفقدان أكثر من 40 مليار دولار في السنة في الإنتاج الزراعي، ولقد زاد ذلك من الصراعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودفع الفقر السكان الذين يعتمدون علي الموارد الطبيعية إلي الإفراط في استغلال الأراضي الهشة بسبب ندرة الأمطار بغية الحفاظ علي سبل كسب معيشتهم. والمؤسف في الأمر أن هذا الخطر الذي يهدد التنوع البيولوجي لايزال قائما، فلقد قرأنا منذ أيام عديدة النبأ الصحفي الذي نشره الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) الذي يقع مقره في جنيف، بشأن القائمة الحمراء للأنواع المهددة لسنة 2006 والتي تشير إلي التدهور المستمر في حالة التنوع البيولوجي في العالم بسبب أثر الأنشطة التي يقوم بها الإنسان علي الحياة في عالمنا اليوم. ومن هنا، أصبح العمل علي وقف ضياع التنوع البيولوجي ملحا علي كل المستويات، فالحل يكمن في تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي وأهدافها الثلاثة الطموحة وكذلك في تنفيذ الأهداف لبرنامج العمل الخاص بالأراضي الجافة وشبه الجافة من قبل الدول التي صدّقت عليها والتي يصل عددها إلي 188 دولة منذ نفاذها يوم 29 ديسمبر 1993، فالأهداف الأحد عشر تتمثل في تعزيز الحفاظ علي التنوع البيولوجي للأنظمة الإيكولوجية والموائل وتعزيز الحفاظ علي تنوع الأنواع والجينات والاستخدام والاستهلاك المستدامين للتنوع البيولوجي في المناطق الجافة والتصدي للتدهور، ولاستخدام المياه غير الرشيد والحد من الأنواع الغريبة الغازية والتصدي للتلوث وتغير المناخ والمحافظة علي قدرة الأنظمة الإيكولوجية علي تقديم الخدمات والسلع لدعم سُبل كسب المعيشة للسكان والمحافظة علي التنوع الاقتصادي والاجتماعي للمجموعات المحلية والعمل علي التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية. وهل يعرف القاريء أن الدول الأطراف في الاتفاقية ملزمة بتقديم تقارير وطنية عن تنفيذ - في جملة أمور أخري - برنامج العمل في المناطق الجافة وشبه الجافة، وأنه قد تم بالفعل تقديم التقرير الثالث من قبل بعض البلدان الأطراف في الاتفاقية عن مدي تنفيذ هذا البرنامج. ولكن علينا أن نذكر أهمية أن تستمر البلدان الأعضاء في تقديم وعدم التأخير في تقديم التقارير الوطنية إلي أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي حتي تتحدد أوليات العمل علي المستوي الدولي، وكذلك علي المستوي الوطني استنادا إلي الخبرات المكتسبة في هذا المجال. وهناك ضرورة للتقليل من الإفراط في الرعي والتقليل من الملوثات الناتجة عن الزراعة المكثفة واتخاذ التدابير للحد من الأنواع الغريبة الغازية في هذه النظم الإيكولوجية والمساعدة في تشكيل مؤسسات للحد من الفقر وتمكين الفقراء من كسب معيشتهم علي نحو قابل للاستمرار وحشد الموارد الفنية والمالية خاصة من أجل البلدان النامية حتي يتحقق خفض ضياع التنوع البيولوجي بشكل كبير بحلول 2010، مع تشجيع الدور الذي يلعبه القطاع الخاص والمنظمات الأهلية والسلطات المحلية علي المستوي الوطني في الإطار الدولي الذي توفره الاتفاقية من أجل تنفيذ أهداف الاتفاقية وبرنامج عمل المناطق الجافة، كما علينا تشجيع الشراكة بين البلدان الأعضاء والمنظمات المختلفة التي تعمل في هذا المجال. ومازال طريق التوصل إلي هدف 2010 طويلا، فالأعمال علي المستوي الوطني - عليها أن تزداد بشكل كبير حقا، والعمل مستمر علي قدم وساق علي مستوي الإطار الدولي الذي توفره الاتفاقية، ونرجو أن تظهر البلدان الأعضاء التزامها في التنفيذ الفعلي للاتفاقية علي المستوي الوطني