محمد الراوي كاتب ملتزم وجاد من أبناء الجيل الذي أنتمي إليه ، وهو الجيل الذي كان النقاد يسمونه جيل الشباب خلال عقد الستينيات من القرن العشرين الغارب ، ولأن طوفان الزمان لا يتوقف عن الاندفاع فإن من كانوا من أبناء جيل الشباب أصبحوا رجالا مخضرمين ، يتمشون بهدوء ووقار، وما يزال كثيرون منهم يواصلون أداء رسالتهم عبر الكلمة الأدبية نثرا كانت أو شعرا ومن أبرز هؤلاء محمد الراوي الذي أنجبته السويس لكي تحتضنه مصر بأسرها بعد أن قدم ما قدم من عطاء أدبي خصب ومتميز في الرواية وفن القصة القصيرة . من الأدباء والكتاب من هجروا المدن والقري التي أنجبتهم وانطلقوا للعيش والإقامة في القاهرة ، وعلي سبيل المثال فإن أمل دنقل هجر أبنود لكي ينطلق أولا إلي السويس ثم إلي الإسكندرية ومنها إلي القاهرة ، لكن هناك آخرين ظلوا يواصلون أداء رسالتهم الإبداعية في المدن التي أنجبتهم دون أن تغريهم أضواء الساحة الثقافية في القاهرة وتجذبهم للإقامة الدائمة فيها ، وهذا ما يجسده محمد الراوي خير تمثيل ، لكنه يتذكر بالتقدير والحب كاتبين مرموقين ممن أسهموا في تشكيل عالمه الأدبي عندما عرفهما عن قرب في القاهرة ، هما الدكتور عبد الغفار مكاوي بقامته الكبيرة وثقافته الموسوعية وخصوصا في الفلسفة ، والدكتور نعيم عطية بعشقه العميق للفنون علي تنوعها وبنظراته المتأملة في الحياة ، ولا ينسي محمد الراوي أبدا أن أولي رواياته » عبر الليل نحو النهار« قد نشرت في طبعتها الأولي في دمشق ، بفضل اهتمام زكريا تامر بتلك الرواية التي قدر لها بعد ذلك أن تنشر ضمن إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر . ما يذكره محمد الراوي عن بداياته الأدبية يؤكد أن قيمة الوفاء متغلغلة في أعماقه ، وهذا أمر يستحق التحية لأن الوفاء أصبح مثل العملة المنقرضة في زماننا هذا . وقد ظل هذا الكاتب الجاد والملتزم يواصل رحلته مع الإبداع الأدبي دون أن يلهث وراء الجوائز ، إلي أن سعت إليه جائزة التميز منذ سنة واحدة ، فهو _ كما قلت _ من القلائل الذين يعشقون الكلمة باعتبارها رسالة دون انتظار لثواب أو لتقدير من أحد . منذ أن نشر محمد الراوي إبداعاته الأدبية المبكرة أدرك أن التزام الكاتب بقضايا بيئته ومجتمعه ضرورة أخلاقية وقيمة إنسانية ، ومن هذا المنطلق البعيد كل البعد عن الالتحاق بحزب من الأحزاب أو التقرب من أصحاب النفوذ أو الارتماء في أحضان المتحكمين في الأمور، ظل هذا الكاتب يواصل تقديم إبداعاته الغزيرة والعميقة ، مبتعدا عن الجري وراء الإبهار الذي يحقق ما يسمونه بالفرقعة ، وهذا ما أبعده عن ألاعيب الحواة وعن القفز في الهواء دون وقوف علي أرض ثابتة متمثلة في تعمق الحياة وتأملها من خلال المعايشة الحميمة لقضايا البيئة والمجتمع