( أبوغنيمة ) التابعة لمركز سيدي سالم بمحافظة كفرالشيخ هي قريتي التي ولدت بها ، والعيد فيها له مجموعة من الطقوس التي يفعلها الأهالي ، هذه الطقوس ثابتة ، ومتوارثة منذ الأزل ، ولا تتغير بتغير الزمان أبدا، إن الأطفال يلبسون ملابسهم الجديدة ، ويذهبون بمفردهم إلي أقاربهم لكي يحصلوا علي العيدية ، ثم يمضون فرادي وجماعات إلي المكان الفسيح بجوار المسجد الكبير فيركبون الأراجيح البدائية القديمة ، ويأكلون أطباق "المهلبية" ذات الألوان المختلفة ، ويشترون الكور البلاستيكية الخفيفة والنظارات والساعات والمسدسات والبندقيات والآلي كل واحد منهم حسب ما في جيبه من نقود ، بعدها يعلنون الحرب علي بعضهم في الشوارع . وقت العيد بالقرية يمتد من صلاة العيد حتي اقتراب صلاة العصر ، ثم ينفض كل شيء ،حيث يخلع الأطفال ملابسهم الجديدة التي أصبح لونها يقترب من لون التراب من كثرة الحركة بها طوال النهار ، بعدها ينامون حتي اقتراب صلاة المغرب .. ثم يتناولون وجبة العشاء وهي عبارة عن ( كبابي ) ويتكون من أرز مطحون مخلوط باللحم المفروم والشبت والتوابل ، ويكون علي هيئة دوائر صغيرة ومتوسطة الحجم ، بالإضافة إلي البرايم المعمرة باللحمة والمدسوسة في الفرن البلدي تحت نار هادئة من القش والحطب . أغلبية سكان القرية يصلون العيد في الجامع الكبير بجوار مدرسة رفاعة الطهطاوي أقدم مدارس المركز علي الإطلاق ، بعدها يتوجهون فورًا إلي المقابر لزيارة موتاهم ، حيث يقرؤون ما تيسر من القرآن علي أرواحهم ، ثم يسقون أواني الصبار الموجودة علي رأس كل مقبرة وذلك بكميات كبيرة من المياه . النساء يذهبن إلي المقابر مبكرًا ، حيث يحملن "البكاكيين" داخل أكياس سوداء كبيرة الحجم يوزعنها رحمة ونور علي صغار المشايخ الذين يسمون أنفسهم ب " المقرأة " ، وهذه البكاكيين تسمي ب ( القُرَص ) في الصعيد وفي بعض الأماكن الأخري مثل البحيرة ... بعض سكان القرية في اليوم الأول يركبون قطار العاشرة صباحًا متجهين إلي قناطر إدفينا للتنزه ، وركوب ( الفلوكة ) ، وهي المراكب الصغيرة التي تسير في عرض النيل بمظهر بديعي جميل ، له جلاله ، وقدسيته التي لا تنسي . في ليلة العيد تخرج كل امرأة حيث تنظف أمام منزلها بمكنسة تسمي مكنسة البلح ، ذات الأعواد الخشنة المشرشرة لأنها تنظف القمامة بشكل أفضل من غيرها ، الشباب والفتيات والأطفال يسيرون في طريق التفتيش المزدحم بالأشجار الملتفة من الجانبين ، حيث يتجمعون بالقرب من مبني مصلحة الأملاك الذي كان في القديم استراحة للملك فاروق ، بجوار هذا المبني الضخم يأتي الباعة بعربات التين الشوكي والفيشار واللب والترمس والحمص والسوداني والجيلاتي ، ويعد عم حسن هنية هو أشهر باعة هذه الأشياء في القرية ، كما يوجد الكثير من لعب الأطفال مثل العرائس ورشاشات المياه والموبايلات الصيني وغيرها ، حيث يضعها أصحابها علي قفصان صنعت من جريد النخل تسمي ب " العَدَّاية " . بعد العشاء بقليل يتجمع العديد من الشباب علي محطة القطار أو علي شريط السكة الحديد أو بجوار كشك عامل المزلقان الحاج كمال أبو شريف ، في هذا المكان نجد الإضاءة الخافتة والتي هي شبه منعدمة ،فالكراسي قديمة ومتهالكة ، حيث يحكي كل واحد منهم عن ذكرياته وطموحاته وعلاقاته . وسيلة المواصلات التي يركبها أهالي القرية أثناء ذهابهم إلي أصدقائهم وأقربائهم في القري المجاورة هي التوك توك والذي يوجد به شاشة عرض متوسطة الحجم حيث يعرض سائق التوك توك أغاني الفيديو كليب ، وأغاني شعبان عبدالرحيم ، وحسن الأسمر ، وحمادة هلال ، وعبدالباسط حمودة ، وبعض الأغاني الوطنية الحديثة مثل تسلم الأيادي ، وبشرة خير وغيرها لتجذب الزبون حتي لا يشعر بالملل وطول المسافة ، لأن الطرق هناك غير مرصوفة وبها أتربة . أشهر عصير قصب بالقرية عند الحاج حمدان أبوكيلة حيث يأتي إلي عصارته جميع أبناء القرية ورغم ارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين والسولار وارتفاع مصاريف نقل القصب إلا أنه ما زال يبيع الكوب الكبير بجنيه واحد ، ناهيك عن حسن ضيافته ، واستقباله الطيب للجميع ، وابتسامته التي لا تفارق وجهه النحيل . أمام حديقة العائلات بالقرية يقعد باعة الطرابيش المختلفة الألوان والأشكال والأحجام ، حيث يوجد الطويل والمدور والمربع ويكون سعر الواحد 2 جنيه . عم عبد المولي الحارون يمتلك كُشكًا قديمًا ، يبيع فيه البُمب والذخيرة البلاستيك والتي يستخدمها الأطفال في ألعابهم الترفيهية ما بين الفينة والفينة . كما أن هناك المئات من الأهالي يذهبون إلي مدينة (فوه) في اليوم الثاني ليشتروا الفسيخ من الحاج خميس وهو أشهر بائع للفسيخ بمحافظة كفرالشيخ ، فلو ذهبت إليه لن تستطيع الشراء إلا بصعوبة بالغة نظرًا للزحام الشديد والطوابير التي لا تنتهي في أيام العيد وفي غيرها. كبار السن لا يتحركون كثيرًا إلا للضرورة ، هم يجتمعون في حلقات متجاورة في صحن المسجد يحكون ويتسامرون في مشهد له رونقه وجماله الفياض ، فمنهم من هو مريض بأمراض مزمنة ، ومنهم من يسيطر عليه الكسل ، ومنهم من يظن أنه هو الأكبر سنا وعلي الآخرين أن يأتوا إليه لكبر سنه فلا يقوم لأحد مهما كان . " الكحك والبسكوت" هما من العادات القديمة لأهالي القرية ورغم وجود الأفران الحديثة التي انتشرت بالقرية في الآونة الأخيرة ، إلا أن النساء ما زلن يصنعن هذه المأكولات في منازلهن خشية الحسد ، أو خوفا من عدم إتقان الصنعة . عند أهالي القرية ما يسمي ب (الميسم) وهو أن يذهب رب الأسرة في آخر ليلة من رمضان إلي ابنته المتزوجة ب ( السَّبَتْ ) ، وهو عبارة عن سلة كبيرة مصنوعة من البوص مغطاة بفوطة ملونة وعريضة ، وبها العديد من الأطعمة المختلفة مع بعض الفاكهة ، ثم يمنحها مبلغًا من المال حسب استطاعته وحسب دخله . هناك وفي حديقة الأسرة نجد الشباب والأطفال يلعبون تنس الطاولة والبلياردو وغيرهما من الألعاب حسب رغباتهم وميولهم . يوجد علي الكوبري الموجود في وسط القرية شواية للذرة الأخضر ، والتي يمتلكها إبراهيم أبوزيد الشاب الهادئ حيث يبيع الكوز للمارة ولأصحاب السيارات والمحلات والأهالي بجنيه ونصف . ولأن القرية بها الكثير من الفلاحين الذين يعملون بالزراعة ، فالماشية لا تذهب إلي الحقول في أيام العيد ، بل تظل في المكان الذي خصص لها بجوار البيت ، أو بداخله من الخلف تأكل وتشرب وتستريح لمدة ثلاثة أيام ، وتقوم ربة المنزل بإجراء عملية "الحليب" ، وهو استخراج اللبن منها ، أما إذا تم تغيير من تقوم بعملية الحليب فإن الماشية لا تخرج اللبن حتي تعود وإذا تمت فإنها تكون صعبة وتحتاج إلي جهد كبير لإخراج اللبن منها . كما أن أسعار اللبن بالقرية لا ترتفع في العيد حيث يكون سعر الكيلو خمسة جنيهات للجاموسي وثلاثة للبقري، وعادة يأتي ( اللبان ) وهو من يقوم بجمع اللبن من الفلاحين يوميًا بعد غروب الشمس مباشرة ، فيدور بعجلته أو بحماره علي البيوت ، فيأخذ اللبن ويسدد القيمة لأصحابها يوم الاثنين من كل أسبوع ويكون الحساب في يوم الاثنين بالتحديد لأن سوق القرية يكون يوم الثلاثاء وبذلك تستطيع كل أسرة شراء حاجياتها منه . إن الرجال يقومون بغسيل الماشية والبغال علي الترع والمصارف عن طريق مواتير الرفع ، منافذ بيع الخبز الحكومية والخاصة لا تعمل في أيام العيد ، لكن نساء القرية يصنعن البكاكيين والفطير المشلتت والرقاق في منازلهن . بائعو الأسماك في القرية لا يمارسون عملهم لمدة يومين علي الأقل ، وفي اليوم الثالث يبدأ التجار عملية البيع ، القرية لا يوجد بها إلا سمك البلطي والبوري ، أما أنواع الأسماك الأخري ، فهي موجودة في دسوق مدينة العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي ، والتي تبعد عن القرية بحوالي 20 كيلو متر . صالونات الحلاقة بالقرية تكون مغلقة أول وثاني أيام العيد ، ثم تبدأ عملها في اليوم الثالث فأسعار الحلاقة السائدة تتراوح بين 5 إلي 10 جنيهات للشعر والذقن . في عيد الأضحي محلات الجزارة لا تباشر نشاطها إلا بعد مرور أسبوعين تقريبًا ، لأن كل بيت من بيوت القرية في هذه الأيام عنده الكثير من لحم الأضاحي أما في عيد الفطر فإن الجزار يباشر عمله من اليوم الثاني مباشرة . أكثر الشوارع ازدحامًا في أيام العيد هو شارع الحاج حسن أبو عاصي البقال الذي يبلغ من العمر أكثر من 90 عامًا ، هذا الشارع به محلات لبيع الملابس والأحذية والبراويز والورد وأدوات الزينة والتجميل والحلويات والهدايا الأخري . بائع العطور والبخور الوحيد في القرية هو الشيخ عمر السلاموني ، حيث يقوم بتخفيض الأسعار في العيد ، ويبيعها بأسعار رمزية للأهالي ، فهم يحبونه لأمانته وصدقه في البيع والشراء . ومن عادات نساء القرية في العيد أن يذهبن مع الأطفال لتصويرهم في أستوديو الفن ، فهو الوحيد بالقرية ، كما تذهب إليه الفتيات أيضًا ، ومن العيب عندهن بل من المرفوض تمامًا أن تذهب الفتاة بمفردها إلي المدينة للتصوير . ولو حدثت بالقرية حالة وفاة قبيل العيد بشهر أو ثلاثة أسابيع مثلا ، فإن سكان القرية جميعًا يذهبون يوم العيد بعد عودتهم من المقابر إلي بيت المتوفَّي لأداء واجب العزاء مرة أخري ، ومواساتهم في الفقيد ، كما أنه من المستحيل أن يقوم جار المتوفَّي بإقامة الأفراح إلا بعد مرور الأربعين كما لا يقوم بتشغيل التليفزيون بصوت عال ، فهذا يعد جريمة وذنب لا يغتفر في حق أهل المتوفَّي . بصحبة الربابة والمزمار والطبلة وفي ثاني أيام العيد يقوم رجال ونساء وأطفال الغجر بالمرور علي كل بيت من بيوت القرية ليحصلوا علي ما تيسر من ( الخَراج )، والخَراج : إما أن يكون من الدقيق ، أو القمح ، أو الأرز ، أو الخبز البلدي ، وفي بعض الأحيان يكون مالا .. المهم أن يُخرج كل بيت ما يستطيع إخراجه ، وهذا ليس فرضًا ، ولكن الأهالي يخرجون هذا عن طيب نفس ، وبرضا تام . ومن الأشياء الجميلة عند كثيرين من شباب القرية ، أنهم يذهبون إلي بيوت الفقراء ليلة العيد ، ويقدمون الملابس الجديدة لهم ، ولأطفالهم . هذه بعض طقوس العيد في قريتي ، التي أفخر أنني ولدت بها ، وأنتمي إليها ، فتحية لها ولأهلها الطيبين .