د. حسين نصار يترأس إحدى جلسات المؤتمر عن "الأدب والثورة"، نظم قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، مؤتمره الدولي، الأسبوع الماضي، واستمرت فعالياته لمدة يومين، وعن المؤتمر يقول د.أشرف دعدور، رئيس القسم، إن موعد تنظيم المؤتمر يتزامن مع مرور خمسين عاما علي وفاة الشيخ أمين الخولي، النموذج المشرق للأديب والعالم الذي لم ينفصل عن قضايا وطنه وآلام مجتمعه. ويؤكد د.عرفة حلمي عباس، مقرر المؤتمر، اننا إذ نلتقي مع الأدب والثورة فإننا نلتقي مع قيم التغيير، فالإنسان الحي يطمح دوما إلي التغيير، وهو تغيير شامل يتجاوز المطالب الضيقة الي أفق أرحب بدءا من المنظومة التعليمية، باعتبارها بداية الاصلاح والتغيير، ثم الاصلاح السياسي القائم علي التعددية، وقبول الاخر، واعلاء قيم المواطنة، وعدم التمييز علي أساس العرق والدين والمعتقد السياسي. ثمة أوراق بحثية، تنوعت في قضايا، كانت محور مناقشات الحضور، فعن دور الشعراء الأندلسيين في التحريض علي الثورة، تحدث الباحث اسلام ربيع عطية، مشيرا الي الدور التحريضي الذي يقوم به الشعراء، وعلي رأسهم: أبواسحاق الألبيري الذي دعا من خلال نونيته الشهيرة أهل صنهاجة للثورة علي الوزير ابن النغريلة اليهودي، والشاعر السميسر الذي دعا أهل الأندلس للثورة علي ملوك الطوائف. وكان هدف الباحث من مداخلته القاء الضوء علي موقف الشاعر من السلطة في الأندلس وبيان مكانة الشاعر وتأثيره السياسي والاجتماعي في المجتمع الأندلسي فضلا عن الكشف عن علاقة الشعر بالسياسة، ودور الشعر في صناعة القرار السياسي. وعن الشاعر الثائر (عصام الغزالي)، كانت مشاركة د.عادل ابراهيم العدل (آداب بنها)، فيقول ان شاعره، موضوع البحث، يكتب الشعر منذ نصف قرن، وأن ميلاده كشاعر كان في قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة عام 1968، وقد كان شعره يعلق علي جدران الجامعة حينها، وكانت جرأة قصائده سببا لاعتقاله مائة يوم في سجن القلعة عام 1972، وهو في شعره تصدي للعديد من مظاهر الفساد في المجتمع المصري خاصة والعربي عامة ويبرز الباحث موقف الشاعر من قضايا مجتمعه، كما يتناول أساليب الشاعر وأدواته الفنية في التعبير. وجاءت مداخلة د.شيرين سعيد (جامعة القاهرة) عن خصائص الشعر الثوري: دراسة في شعر هشام الجخ، فقالت ان هذا النمط من الشعر له مذاق خاص نابع من طبيعة الفترة التي يصورها، ولأنه شعر مناسبات كما رآه البعض، فقد تباينت منه مواقف النقاد، ففي حين رفضه البعض أمثال د.طه حسين، بالغ آخرون في قيمته الفنية من أمثال حنا مينا ونجاح العطار ويبقي لذلك الشعر قيمته الفنية النابعة في الأصل من كونه تعبيرا عن شعور جمعي لا فردي، مشيرة الي أن هذا الشعر له سمات خاصة يتسم بها أبرزها طبيعة اللغة التي يعبر بها الشاعر مؤثراً من خلالها في جماهير الثوار، ثم ان الشعراء الثوريين كثيرا ما يمتاحون من التراث يستشرفون به المستقبل ويحفزون به الجماهير، وتوظيفهم للدين في تأجيج المشاعر اضافة الي استخدام التنامي، والتكرار للالحاح علي الفكرة. وكانت مشاركة د.غراء مهنا، أستاذ الأدب الفرنسي بآداب القاهرة، بعنوان 0رواية عن ثورة أم ثورة في شكل رواية؟)، تساءلت فيهاعن كيفية كتابة الحدث، واللغة المستخدمة والشكل، والنوع الأدبي الذي اختاره كتاب الثورة لكتابة شهادتهم. وأوضحت أنه تولد كتابات الثورة في فترة تمرد، وقلق منسوجة من لحم جديد، فما هي سوي انعكاس لما يحدث في المجتمع من حولها، وأن هذه الكتابة الأدبية هي نتاج اجتماعي يجد الهامه في احتياجات عصره مشيرة الي أن الاحساس الأدبي سبق دائما الأحداث التاريخية التي أكدته، كماتراه في كتابات: رشيد ميموني، مايسة باي، عبداللطيف لعابي، محمد خيرالدين وغيرهم في المغرب العربي، وفي مصر (أجنحة الفراشة) لمحمد سلماوي، (سقوط الصمت) لعمار علي حسن، (باب الخروج) لعزالدين شكري، والتي تنبأت كلها بما حدث وبما سيحدث، مشيرة الي وجود عامل آخر مشترك بين الأعمال الأدبية التي كتبت عن الثورتين وهو النوع الأدبي، بجميع الأعمال تدخل في نطاق أدب الشهادة، حتي لو وجدنا علي غلاف الكتاب كلمة "رواية"، فهو أدب شهادة، ومثال ذلك كتاب (ثورة المحروسة) لعلية بدوي، رواية علي عباس (الهواء يهب في يناير)، ونقرأ علي غلاف كتاب عمار علي حسن (سقوط الصمت) هذه ليست رواية عن ثورة، ولكنها ثورة في شكل رواية، حيث تجمع بين هؤلاء الكتاب، رغبة في التعبير عن الحدث الذي يعيشونه يوما بيوم، فهم يصنعون التاريخ تحت عيونهم، لذا يكتبون شهاداتهم. وعن النقد وقيمة الحرية.. جاءت مشاركة الدكتور سامي سليمان، قاصدا تجلية بعض جوانب العلاقة بين الثورة تنظيرا وممارسة تطبيقية وقيمة الحرية، مشيرا الي جوانب جديدة للعلاقة بين النقد والحرية، والنتائج التي حققتها دعوة طه حسين في كتابه (في الأدب الجاهلي) عام 1927، حيث جعل طه حسين من حرية التفكير أساسا لتشكل الممارسة النقدية الحديثة والدرس الأدبي الحديث، وأنه جعل من حرية التفكير مقوما رئيسيا لبلورة مجموعة من التوجهات الثقافية الحديثة، وأشار د.سليمان الي نموذج آخر لدي د.عبدالمنعم تليمة في سبعينيات القرن الماضي أراد به تفعيل الفهم الماركسي لكون الحرية (الحقيقية) ادراكا للضرورات وسعيا لتطويعها لصالح الانسان. وعن استشراف الثورة في قصص زكريا تامر، تحدثت د.بسمة أحمد صدقي الدجاني، لافتة الي عالم الأديب زكريا تامر من خلال مجموعتيه "دمشق الحرائق"، "النمور في اليوم العاشر" ففي مجموعته الأولي عبر عن أحوال أمته العربية ببصيرته الابداعية، وكتبها قبل أربعة عقود، وكأنه قد استشرف المستقبل من احساسه بالواقع، وتأملاته لمجتمعه بحاسته الابداعية. وقدم الدكتور المسعود عبدالوهاب (جامعة زيان بالجزائر) ورقة بحثية بعنوان (الثورة في الشعر الشعبي الجزائري: يحيي بختي أنموذجا مشيرا الي أن شاعره شارك في الثورة التحريرية، وقد تناولت قصائده مجازر 8 مايو عام 1945، وما مثلته من صدمة في نفوس الجزائريين الذين كان يراودهم حلم الحرية، وكانت قصائده صيحة أرسلها الشاعر علي لسان الجيش الذي استقرت فيه نار الحرب وحقق فيه المجاهدون أعظم الانتصارات، وقد كان الشاعر ذاته قد مارس القتال بنفس الروح التي كان ينظم بها شعره. وعن الراب التونسي: ثقافة شعبية بامتياز بعد الثورة التونسية، كان موضوع بحث د.حميدة حمايدي العيلري (السعودية) حيث أشار الي أن الوسائل السمعية والبصرية قد ساهمت في ازكاء فتيل الثورات العربية وتقليص المسافات الثقافية بين الشعوب العربية، وقد مثل الراب ظاهرة فنية شبابية زاد تمردها وانتشارها في البلدان العربية عن طريق وسائل الانترنت (الفيس بوك، تويتر، يوتيوب). وكان استشراف الثورة في أدب محمد عباس (حفل افطار رمضاني) نموذجا، عنوان بحث شارك به د.عماد محمد ابراهيم، مشيرا فيه الي أن الأدب ما هو إلا ثورة علي الواقع، بل انه عادة ما يسبق الثورة، وانه ما من ثورة قامت في العالم إلا ومهد لها المفكرون والأدباء بكتاباتهم مشيرا الي أن الثورة الفرنسية، كان وقودها كتابات التنويريين الفرنسيين الذين بشروا بقيم الحرية والمساواة والإخاء، ولم يكن وقودها الظلم والطغيان وحدهما، وحين انتشرت كتابات فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو، وديدرو، أصبحت الثورة ممكنة، موضحا أن محمد عباس قد تنبأ من خلال متابعة المشهد السياسي والحراك المجتمعي في فترة ما قبل الثورة المصرية، بحدوث موجة عارمة من الاحتجاجات التي لن يتمكن معها النظام الحاكم من مواجهتها والتصدي لها، لقد تنبأ عباس بهذه الثورة وحدد لها تاريخا محددا وهو العقد الأول من القرن ال21 حيث نشر هذا العمل في مارس 2007. أما د.حسين حمودة (آداب القاهرة) فكانت مشاركته عن (ميادين الغضب: قراءة من مشاهد روائية).. مشيرا الي أن ميادين الغضب هذا الحيز الروائي الاستثنائي قد لاحت في مجموعة روايات مصرية، تنتمي الي أجيال عدة، والي اتجاهات في الكتابة متنوعة، كلها سابقة علي تجربة الميادين العربية الغاضبة، مرجعيا في بداية العقد الثاني من هذا القرن. وتوقف د.حمودة في بحثه عند بعض مشاهد لميادين غاضبة أو ثائرة قامت بأدوار مهمة في مجموعة من الروايات لكل من نجيب محفوظ، عبدالفتاح رزق، إدوار الخراط، ابراهيم أصلان، بهاء طاهر، مشيرا الي أنها صدرت في فترات زمنية متعددة، وانطلقت من توجهات فنية متباينة. وتري د.أماني حافظ الحفناوي، أن ثورات الربيع العربي التي حررت الأوطان من الفساد حررت الأدب أيضا من قيوده، وأعادت له حريته وانطلاقه، جاء ذلك من خلال ورقتها التي حملت عنوان (الربيع العربي والابداع الأدبي)، مشيرة الي أن الوقت الذي مر علي الثورة ليس كافيا للحديث عن أدب الثورة، ولكنه وقت كاف لرصد أهم ملامح هذا الأدب وارهاصاته الأولي التي مهدت له، والتي بدأت بأبيات الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة)، ودخلت، الثورة عامها الثاني مع كلمات عبدالرحمن الأبنودي في (ضحكة المساجين).