محمد مهدى الجواهرى حصلت الباحثة جوان عبدالقادر عبدالله علي درجة الدكتوراه عن رسالتها "مصادر ثقافة الجواهري من خلال شعره"، التي تم مناقشتها بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. الجواهري كما تقول عنه الباحثة أكثر شعراء العراق تميزا، وهو شاعر عراقي من النجف، لقب بنابغة العراق، شاعر كلاسيكي، لم يكن طائفيا بل شاعر العراقيين جميعهم، وهو صاحب مدرسة شعرية متميزة في انتاج يضم 7 مجلدات، فحاولت الوقوف علي أبرز مصادر الجواهري بشكل مفصل في هذا الانتاج المتنوع مبينة أبعادا سياسية وثقافية وفلسفية وفكرية، حيث كانت قصائده تمثل حقبة تاريخية مهمة للعراق لأكثر من نصف قرن (1903/ 1997) اعتمدت الباحثة في طرح دراستها علي المنهج الوصفي النقدي. توصلت الباحثة الي أن ثقافة محمد مهدي الجواهري في بداياته الشعرية تقليدية بحكم البيئة التي عاش فيها، حيث بيئة "النجف" التي نهل من تراثها الأدبي والديني، ففي بيئته الخاصة (عائلته الدينية المثقفة، فالأب شاعر وعالم والأخ، شاعر متجدد، أما بيئته العامة، فهي مدينة النجف حيث أصول الدين والأدب والتراث بكل معانيه، ومنبع العلماء والفقهاء، وقد استطاع الجواهري بفضل موهبته وقدراته وذكائه، تطوير هذه الثقافة في مراحل حياته المتقدمة، بحيث أصبح من الشعراء المثقفين البارزين علي الساحة الشعرية بفضل تراكم خبراته عبر القراءة والأسفار، وحياته الخاصة في الغربة والاغتراب وعلاقاته الواسعة بالمثقفين من شعراء وأدباء وفلاسفة علي الصعيدين العربي والعالمي وهذا إن دل، فإنما يدل علي مدي انفتاح الشاعر علي العالم، بغض النظر عن أي تعصب قومي أو طائفي، وفي ذلك دلالة واضحة علي انسانيته وهو يتعامل مع محيطه. جاءت الدراسة في ثلاثة فصول، تناولت الباحثة في الفصل الأول ثقافة الجواهري الدينية والتاريخية والفلسفية، وخلصت الي أن الثقافة الدينية تركت أثرا مميزا في دواوين الجواهري، رغم محدودية الموضوعات الدينية في هذه الدواوين، إلا أن هذا الأثر كان واضحا في هيمنة ألفاظ القرآن الكريم تكاد تكون سمة بارزة في دواوين الشاعر، كما أنه لم يقتصر في توظيفه لألفاظ القرآن الكريم علي الأغراض الدينية، فحسب، أو في مرحلة شعرية معينة، وإنما واظب علي توظيف ألفاظ القرآن ومعانيه وتراكيبه في مختلف الأغراض لخدمة القضايا العصرية، كما وظف بقية الديانات كالديانة المسيحية لخدمة قضاياه الشعرية. وعن الثقافة التاريخية، توصلت الباحثة الي ارتباط ابداع الجواهري بالتاريخ حيث مارس دور المؤرخ للأحداث في دواوينه، مؤكدا علي العلاقة الثقافية بينه وبين التاريخ، فسجل تاريخ العراق والأمة العربية بكل أوجاعه، مرتكزا في تصوير ذلك علي ثقافته التاريخية، فوظف التاريخ العربي القديم والحديث والتاريخ الأوروبي لعمل مقارنة مستمرة بين ماضي الأمة وحاضرها، وليس لاعلام القاريء بمعرفة الشاعر للتاريخ.. وكان هدفه تحفيز أبناء الأمة بغد أفضل، عن طريق استنكار أمجاد الأجداد، فاستحضر تاريخ الأمس لخدمة قضايا اليوم. وأكدت الباحثة أن ثقافة الجواهري الفلسفية قائمة علي كونه (ماركسيا وعلمانيا ودينيا)، وفي الوقت نفسه لا ينتمي لأي منهما، حيث تتلخص فلسفته في كونه مع الطبقات القادمة الفقيرة في مواجهة الظلم والاستبداد في كل زمان ومكان، فهو لم يعاد الدين، كما قيل عنه، وانما عادي من يتاجر بالدين، ولم يكن ماركسيا وانما تبني بعض الأفكار اليسارية، وتحديدا التي تنادي بالعدالة الاجتماعية. وخصت الباحثة الفصل الثاني لمناقشة ثقافة الجواهري السياسية والاجتماعية، وتوصلت الي أنه في كل مراحل حياته كان في حالة، تلاحم تام مع الجماهير في مواجهة الحكام وهم يمارسون الظلم ضد شعوبهم، بدليل أنه ضحي بمراكز مرموقة في الدولة بغية الوقوف مع الجماهير، كما لم تكن حياته السياسية خالية من الهفوات. وعن الثقافة الاجتماعية ففي قضية الأخلاق والفضيلة، تبين للباحثة أن الشاعر كان ملتزما، وشعره لم يكن عبثا، فلم يكن بالشاعر الفاشل، حيث مجد في شعره الصفات الفاضلة والنبيلة. وفي الفصل الثالث والأخير، والذي تناولت فيه الباحثة ثقافة الشاعر اللغوية والأدبية، فأشارت الباحثة الي أنها كانت نتيجة لتجربته الثقافية الفنية في بداياته، حيث بيئته المثقفة، واطلاعه الواسع علي كتب النحو والبلاغة، فقد تعقب الألفاظ والمعاني والصور القديمة ووظفها في شعره، مازجا كل ذلك بقدراته الابداعية، ليخرج للقاريء روائع شعره. وفي ثقافته الأدبية توصلت الباحثة الي أن الجواهري رغم اقتباساته القرآنية، وتضميناته لأبيات الشعراء والأمثال والحكم، لم يغرق في التقليد والمحاكاة واستثمر تأثره به في شكل مرموق، تاركا في الوقت ذاته بصمته الأدبية علي كتاباته في عالم الأدب والشعر، وعن الصورة الشعرية، قدم لنا الجواهري صورا شعرية فخمة في قوالب تذكرنا بقوة وجزالة العصر العباسي. أشرف علي الرسالة د.الطاهر أحمد مكي، وناقشها كل من د.محمد أبوالفضل بدران، د.شعبان مرسي.