سيرتها أصبحت الوليمة علي مائدة غيبتهم، سقطت عليهم منحة من الله سارة وما حدث لها، ما من شفاه إلا ورددت اسمها، سارة ذات الثلاثين عاما خرجت بعد زيارة جدتها إلي المنزل النائي علي أطراف المدينة يحده من الشمال الجبل العالي، رأوها بقوامها الذي تحسد عليه، بخطواتها التي تفيض أنوثة وإغراء دون عمد منها، رآها الجالسون علي المقهي وهي تطرق الباب وتدخل ولم تخرج، انتظروها لكنها لم تخرج، اختلقوا القصص قيل إنها ماتت، وآخرون قالوا إنها هربت نحو الجبل، وغيرهم قالوا إنها سخطت قطة تجوب الشوارع ليلا وتموء بلا انقطاع. سأخبركم الحقيقة قد دخلت المنزل المظلم ونادت: ست أمينة يا ست أمينة، تململ الهيكل الممدد علي الفراش وسأل: من أنتِ؟ اقتربت سارة وركعت أمام الوجه الشاحب والشعر المهووش وكأنه تم إلصاقه بالرأس عنوة وهمست: لي رجاء فلا ترديني بالله عليكِ، لأول مرة أطلب عونا فلا تخذليني وترطبت وجنتاها بالدموع الدافئة: - ماذا تريدين يا فتاة؟ - حريتي. - وكيف لي أن أساعدكِ؟ - أريد أن أصبح رجلا. نخر سرب من الذباب في الفم المشرع الخالي من الأسنان، أزاحته سارة وكررت: أريد أن أصبح رجلا، أعرف أنكِ توقفتِ عن السحر لكن أرجوكِ ساعديني، سأنتحر إن بقيت أنثي . - ستفقدين جسدكِ المثير - لا يهم، لا أريده أن يكون مطية لحيوان ناطق. - أهذا قراركِ؟ - نعم ورجائي. - لا عودة لكِ . - وأنا لا أريد عودة. عاونتها سارة لتجلس ووضعت خلف ظهرها مساند، ووهن صوت العجوز أكثر فاقتربت سارة أكثر، فقالت: لقد اقترفت الكثير من الخطايا وقد اقترب الأجل، سأساعدكِ تقربا من الله. متعكِ الله بالعمر والعافية، هذا ما قالته سارة. وطلبت منها إحضار بعض العقاقير والزجاجات وراحت تمزج قطراتها، وأمرت سارة أن تولي وجهها شطر الجدار حتي لا تعرف السر، كانت تدندن بفرح وكأنها بحديقة غناء وليس بالقبو المظلم، والرائحة به قاتلة، كان عقلها مضطربا ستعيش بعد اليوم، دون سباب والدها وسوء معاملته لأنها فتاة، لن يتحرش بها زوج عمتها المريضة بل لن تخدمهما بعد الآن، كما ستتمكن من الخروج بمفردها، وحين تغضب ستحرق سيجارا بدلا من ارتفاع ضغطها، والأهم من كل ذلك ستختار شريك حياتها، امتزجت الأفكار وجعلت روحها تحلق في سماء السعادة التي طالما تأملتها بعجز وقدماها منغرستان في وحل الواقع، نادتها العجوز وناولتها زجاجة صغيرة بسملت وتجرعتها دفعة واحدة، شكت من دوار وغشاوة في نظرها وارتطم جسدها بالأرض راقبتها العجوز وعودها يزداد طولا وثدياها يندثران وكتفاها تغلظان تبدلت سريعا، وبزغت الشعيرات علي صدغيها وذقنها وأماكن متفرقة بجسدها، رشت بعض الماء فاستيقظ مدهوش من شكله الجديد، اخشوشن صوته لاحظه حين قال: أشكركِ يا ست أمينة، بحث عن مقص ليتخلص من جدائله السوداء، وطلب ثيابا تليق به، أشارت العجوز إلي الدولاب فأخرج ما يناسبه وارتداه دون خجل أمام العجوز، ابتسم بزهو حين رأي عضوه ولعب به قليلا وتحسس موضع ثدييه اللذين اختفيا، مزهو وقلبه كاد أن يخرج من صدره، قبل يد العجوز وحاول أن يعطيها بعض المال لكن العجوز رفضت بشدة وقالت: شكرا يا سارة، قاطعها بعنف: اسمي ياسر، وانصرف فتح الباب بثقة وكان يضرب الأرض وكأنما سيبلغ الجبال طولا، وصل إلي منزله وألقي علي والده البشري أنه صار رجلا، فرح العجوز وتهلل وجهه، سيعينه الذكر علي الحياة ويحمي فتياته الصغيرات كما أنه لن يتم تقسيم الإرث علي أشقائه، قال:"ستعمل وتتزوج يا ابني وتنجب رجالا يحملون اسمي"، كان يبتسم ابتسامة لا تخلو من الغل والغضب، متذكر أيام الإهانة والظلم ومعاقبته فقط لأنها أنثي، علمت أمه بما حدث فولولت وصرخت وضربت صدره بجنون وهي ترفع قدميها حيث فاقها ياسر طولا، كان صامد متجلد كعادته، دخل غرفة أخواته فارتجفن فابتسم وقال: "لقد أصبحت ياسر لكني لم أنسِ الماضي لا تخفن مني، نهلة ستتزوجين فارس مهما حدث، هند ستكملين دراستكِ، ليلي وفاطمة لكن ما تريدان، أنا رجلكن حتي تتزوجن وليس عليكن يا حبيباتي" واحتضنهن برفق، ثارت القرية وخاصة أعمام ياسر ورفضوا ذلك الوضع ذهبوا إلي الساحرة وطلبوا إفساد السحر رفضت فعذبوها حتي ماتت بين أيديهم، ألفوا الشائعات أن ياسر ما هو سوي محتال ودجال وقام بقتل سارة الحقيقية، وحاولوا قتله فعليا، هرب ياسر فلا مكان لها بينهم، كل ما رغب به الحياة وقد أصبح رجلا وحصل علي صك الحياة يكفي أن تكون رجلا لتسافر وتعمل وتتعلم وتتزوج من تريد، ركب القطار ولم يسأل عن جهته فكل الجهات وطن له، انضم لبعض العمال ونقل الطوب والرمل فهو لم يكمل تعليمه بسبب جور أهله، صار الرصيف فراشه والفول طعامه، كان سعيدا مع العمال الفقراء عائلته الجديدة، ذات مساء ابتعد قليلا عنهم رأي فتاة حول رسغها عقود من الفل تائهة بين السيارات تلتقط رزقها من المارة، راقبها وتحدث معها، اتخذا مكانا قصيا، عرف أن اسمها رقية أخبرها ياسر أنه عامل في البناء لا عائلة أو أصدقاء لم تكن رقية أحسن حالا منه، مال قلبه لأول مرة نحو رقية، في الماضي كان يحذر الحب حذر الموت، فالحب لغير الزوج عار والعار يجلب الموت، وكيف يضحي بحياته قبل أن يعيشها !! تواعدا باللقاء مرة أخري، ما إن مس كفها حتي سرت الرغبة كالمخدر في جسده لأول مرة تعلن عن ذاتها، كان يكمم رغباته من قبل يئدها برمال العيب والحرام وكلام الناس، كاد يظن أنه ليس إنسانا والحياة حكر لآخرين فقط، ولم يصطفه القدر منهم، صدحت الرغبة أني أشتهي رقية، التقط شفتيها ومرغ شفتيه عليهما، ارتعش جسد الفتاة في قبضته، زحف بها أسفل الكوبري، اعتلاها مسالمة مستسلمة كانت تئن تحت ثقله، كان فاتحا عينيه علي اتساعهما كيف يغمضها عن لحظة الولادة هذه وكأنه في مخاض يخرج من الموت إلي الحياة، يتحرر ويبتعد عن معاناته وبؤسه، رأي الماضي صريعا بجواره، واراه بسرعة قدر ما تألم فيه وشقي، التحم جسداهما، حاول أن يمنطق عبثية حياته السابقة، يرتبها بفوضي جسديهما الثائرين، رأي أغرب ما يكون رقية تأخذ ملامحه ذات العيون المتسعة والشامة التي كانت تزين صدره الأيسر شعرها يعقد في جدائل سوداء طويلة، فخذاها يزدادان استدارة يبذر بداخلها الحياة يشعر بها تخرج منه وتعود إليه أعشق رقية أم سارة أم حواء أهو ياسر أم سارة أم آدم؟ تفتقت بذهنه أسئلة لا إجابة لها نفضها عنه واختلطت شهقاته بآهاتها.