ما عدا قصة واحدة، فقد استغرقت كتابة قصص هذه المجموعة شهراً من الزمن خلال صيف 2015، أما تشكُّلها في رحم الكتابة بداخلي، فقد استغرق سبعة وعشرين عاماً تقريباً، و هي الفارق الزمني بين آخر قصة كتبتها عام 1988 وهي أيقونات جبلية، التي استهل بها هذا الكتاب وبين القصص الجديدة. والسؤال البديهي للقارئ هو: لماذا استغرقت القصص الثلاثة عشر هذا العمر المديد في رحم الإبداع، بالرغم من أن تجربتي السابقة في كتابة القصة القصيرة كانت أطوَع لي وأسبق إبداعياً من الفن والنقد، حتي صدرت لي ثلاث مجموعات مستقلة في الستينيات والسبعينيات، تم استقبالها بشكل طيب من النقاد؟.. السبب ببساطة هو أن الفن التشكيلي بجانبيه الإبداعي والنقدي لم يسمح بمساحة يحتلها منافس قوي له، بل استأثر بكل وقتي للممارسة والتجريب، وكان مشروعي التشكيلي يجد الطريق أمامه مفتوحاً وواعداً أكثر من القصة، بالرغم من أن صعودي في مدارج الرسم والنقد قد تم وسط منافسة قوية بين مواهب وقامات، في الوقت الذي كان المناخ الأدبي يعاني من مشكلات معقدة في النشر ومن غياب حركة نقدية تفرز ما يقدم من أعمال أدبية وتعطي لكل ذي حق حقه، ودفعتُ أنا ثمن ذلك باستسهال النقاد النظر إليَّ كفنان تشكيلي انسحب من ميدان الأدب ! هكذا بقيتْ أجِنَّة القصص القصيرة كامنة، لا تولد ولا تموت، عبر السنين، بل تزداد عدداً ونضجاً، بدون عجلة مني لخروجها إلي النور، وربما تخصَّبتْ من خبرتي التشكيلية وتجاربي الحياتية المرتبطة بهذا المجال، فكانت ولادتها أخيراً نوعاً من التواصل والاستمرارية مع هذا الوسيط الإبداعي. ولم يكن اختياري لقصة "أيقونات جبلية" لتكون في مستهل هذه المجموعة.. راجعاً إلي سبقها زمنياً لبقية شقيقاتها فحسب، بل الأهم من ذلك بالنسبة لي هو أنها مفتاح الرؤية الإبداعية للمجموعة ككل، لأنها تخلق لنفسها، من وجهة نظري، مجالاً كونياً في الزمان والمكان والطبيعة الإنسانية، متراوحة بين الواقع واللا واقع، بين المعلوم والمجهول، بين المحدد والمطلق، بعيداً عن اقتفاء أثر أي اتجاه أو مدرسة في كتابة القصة، حيث تركتُ لتيار الوعي وتداعيات المكان وخصوصية التجربة أن تسوق القصة نحو نهاية لم أكن أتنبأ بها قبل بدء الكتابة، وعلي نفس الطريق سارت بقية القصص بدون قصد أو افتعال، فبدت جزءاً في كيان عضوي، وإن فصلتْ بينها وبين القصص التالية كل تلك السنين. وهذه علي أية حال رؤية لا أدَّعي انطباقها ميكانيكياً علي جميع قصص المجموعة، بل ليس من حقي أصلاً أن أصدر أحكاماً نقدية علي عملي، كل ما هنالك مجرد اقتراح يدعمه عمر من المعايشة الحميمة لتجارب إنسانية، تحولت إلي وجه آخر بداخلي للعملية الإبداعية. وقد يكون الإرضاء الأهم لي هو قبول القراء ومحبي القصة القصيرة لهذه التجربة، وهو ما أتمناه، أما النقد فأتركه لأصحابه الأكثر دراية مني به. عن ميلاد هذه المجموعة