موجيتوس رواية من 270 صفحة.. صادرة في 2015عن مؤسسة حورس الدولية. مصر.. للروائي المصري المتجدد سردا ونقدا منير عتيبة. الكاتب بمحاولاته ارتياد أساليب سردية مغايرة .. عالج عدة مواضيع في غاية الأهمية.. حين يعود بنا إلي الزمن الأندلسي .. مستعرضا صلة الأخلاق والقيم الإنسانية بالدين. وألبس موضوعه ثوبا سرديا غير تقليدي. من حيث أساليب الحكي وتعدد الأصوات ليصنع بدراية الخبير حبكات حكائية متعددة. وقد استمعت إلي ما قيل حول الرواية عند حضوري حفل توقع الرواية في الإسكندرية شهر مايو الفارط.. من أكثر من متداخل في هذا العمل .. مشيدين بقدرة الكاتب علي الوصف والغوص في عوالم شخصياته. إلا أن كلمة الكاتب أضاءت للجميع جوانب هامة لظروف كتابة الرواية. شارحا أهمية الموضوع.. وكيفية اختياره .. لتتطابق مع ما نعيشه في أيامنا من رعب انتشار الفكر الإرهابي والجماعات المتطرفة باسم الدين لتجتاح دولا وتهدد مجتمعات بأكملها.. ليجد العالم نفسه أمام حرب ضد هذا الفكر الذي لا يمت بصلة إلي قيم الخير والعدالة التي جاءت بها الأديان. موضوع الرواية حدث منسي من أحداث التاريخ . يقدم فيه مجموعة من المغامرين .. من يرون أن الدين مطية يصلون بها إلي غايات غير دينية من أبسطها استعباد الناس باعتبارهم هم وما يملكون غنائم.. ولذلك كان الغزو وسيلتهم.. ومن حصون بنوها لينطلقوا منها يسومون السكان أصناف العذاب والإذلال.. ونهب وسلب وقتل من يخالفهم .. ومن لم يخالفهم.. لم يكن العشرين مغامرا قد خرجوا من الأندلس لغاية نبيلة.. ولم يكونوا الوحيدين فيما يسلكون لكنها سمة وقواعد متعارف بها لشعوب ذلك العصر.. أن للمغلب والقوي كل ما يريد صنعه في الضعيف والمهزوم. ويهمنا هنا الأسلوب المتميز للكاتب في هذا العمل.. الذي يلفت ويثير الإعجاب وهو ما سنقترب منه في مقاربتنا القصيرة هذه.. حيث يقدم لنا فكرته أو أفكاره بكيفية مختلفة. وهذا ليس جديدا عليه فقد تابعناه في أعماله السردية السابقة وهو يحاول التجريب .. وتقديم أساليب جديدة باحثا عن آفاق جديدة .. وفي هذا العمل قدم لنا ما يمكن أن نطلق عليه أسلوب متواليات البناء الحكائي بأسلوب نسج لوحات سردية تتشكل داخليا في أشكال فسيفسائية أو تشظي حكائي. مستخدما في ذلك عدة رواة لتقديم هذا العمل المتميز.. ففي الوقت الذي تروي كل شخصية حياتها وما تقوم من أعمال.. يبرز صوت آخر دخل الحكاية الجزئية وكأننا أمام أصوات مرتبة ترتيبا بؤريا مشوقا.. وهكذا تتوالي الأصوات لتضج صفحات الرواية بزخم مثير من الأصوات الحكائية المتتابعة والحكايات المتشرنقة.. محولا تلك الأصوات إلي أصوات تدين عصرها وفكر الغزو الذي تنتهجه.. وذلك ما يمثل جداول حكائية ترفد مجري نهر الرواية حتي نهاية مصبها. فرواية من 270 صفحة تضم ما يقارب من أربعين شخصية فاعلة.. تتداخل حكاياتها لتغيم الشخصية المحورية وتبرز عدة شخصيات تمثل كل منها عوامل روائية مكتملة.. وهذا العدد من الشخصيات يستحق الوقوف والتأمل فيما صنعه الكاتب وكيف استطاع الإمساك بكل خيوط تلك الشخصيات دون انقطاع أي خيط . ليظفر حكاياتها المتداخلة.. في الوقت الذي يمكن أن نقرأ كل شخصية بشكل مستقل ويمكننا قراءتها ضمن نهر الرواية إجمالا. ومن خلال ذلك الكم الكبير من الشخصيات يتساءل القارئ من تكون الشخصية المحورية للرواية: الفتي مجاهد.. مجاهد.. "موجيتوس" أم كريستينا "ماريا" .. صبح .. عبد الرحمن بن سالم.. الغافقي ..الطماشكة.. البلوطي.. أمير البحار يوسف.. الشريف هرمان.. عثمان السندي .. سعيد الاشبيلي.. هشام بن عبد المعين.. عيسي بن أحمد..موسي بن الحكم.. إبراهيم بن عامر.. خلف الصقلبي.. والقائمة تطول. أم أن الكاتب أراد أن يكون الموضوع هو الشخصية.. أم أنه المكان الممتد من الأندلس إلي شمال إفريقيا إلي جزر وسواحل المتوسط إلي أنهار وقلاع وجبال أوربا. فأي الشخصيات يمكننا الجزم بأنها الشخصية المحورية. وإضافة إلي ما ذكرناه سابقا دعونا نتساءل: ما هي رسالة الرواية ؟ هل تقديم فكر الأندلس أم الطبيعة الخلابة.. أم الجغرافية بمدنها وبحارها التي قدمتها الرواية بخيال يرتكز علي الواقع الجغرافي الذي نادرا ما يتغير. أم هو الفكر الذي يعتقد البعض بأن الدين يحمله في الغزو والقتل تحت مفهوم الجهاد. قد نختلف ويقول قارئ أنه يقدم حقيقة الغزو وطبيعته الدموية.. وما ينتج عنه من فضائع وجرائم بحق الإنسانية وباسم الدين.. وتلك الغنائم والسبايا.. مقدما لنا ما يدور في أيامنا من فكر إرهابي مخجل لفهم الدين بالمنفعة والكسب ليس إلا المغلف بالمقدس.. أو بنشر الدين عبر العنف والإكراه كذبا وظلما. موجيتوس رواية مختلفة في سياقاتها السردية. حكايات متعددة من حيث تنوع الأصوات. وتقنيات مدهشة يقدمها الكاتب ضمن تجربة طويلة من التجريب المتواصل.. وهو القائل أن الفكرة مهمة ولكن الأهم كيف نقدمها. وهذا ما خطه الكاتب من أسلوب مبتكر في هذا العمل .. ما يتصل بتجربته في أكثر أعماله السردية.. وأحسب بأنه يهتم بكيفية الحكي دون إهمال المضمون. بفنيات تقدم رسالة العمل صيغيا وشكليا . وسيدرك القارئ أن رواية موجيتوس قامت علي قاعدة اللوحات الحكائية المتصلة.. عبر تنوع أصوات الرواة.. فالروائي قدم لنا شخصياته كجزر حكائية تقترب من بعضها وتبتعد لتقترب من جديد. وعودة علي بدء.. أسأل نفسي من الراوي؟ هذا السؤال صاحبني في بداية صفحات الرواية.. هل هو عليم أم مشارك؟ لتكتشف بأن الراوية كما تطرقت سابقا تحكيها شخصياتها المتعددة.. ليدفع الكاتب بالقارئ للشعور بأنه أحد شخصياتها.. بل كل شخصياتها فما أن يتغير الصوت حتي تكون أنت هو. وأنت تعايش عواطفه.. وآماله وصراعاته ولينه وقسوته وعقيدته. وإذا تطرقنا إلي العناوين الفرعية..أو الداخلية مثل: بداية.. الرجل رقم عشرين.. العشرون في فراكينسستوم.. كريستينا.. خلف الصقلبي.. صفي.. علي.. كريستينا..عيسي بن أحمد.. كريستينا.. عبد الله البلوطي.. سعيد الإشبيلي , موسي بن الحكم.. كريستينا.. حسان الغافقي.. أمير البحار يوسف..كريستينا.. هشام بن عبد المعين. سندرك أن الكاتب يدعو القارئ لمشاركته في لعبة شبيهة بالمتاهة.. متاهة تتداخل فيها الحكايات والشخصيات والمسميات الجغرافية .. والمعلومات التاريخية.. وتلك المفردات المعجمية المستخدمة في ذلك العصر.. ولم يبخل علينا بالأشكال السردية التي أجاد نحتها لكل شخصية.. كل يقدم لنا حكايته أو نظراته لما يدور من الزاوية التي ينظر منها لما يجري. وإضافة إلي ما ذكرنا يمكننا ملاحظة التالي: تنضح أحداث الرواية بالقسوة.. والتدمير.. وكأن تلك الأحداث تقرب لنا حياة المجتمعات في ذلك العصر.. وقيمهم وأخلاقهم. استسهال موت الشخصيات.. ذلك الانطباع الذي يتركه موت الشخصيات ببساطة.. أيضا يكرس انطباع عدم وجود قيمة للفرد في ذلك الوقت.. بينما روائيا ينتظر القارئ تطور وتنامي أدوار بعض الشخصيات لأهمية موقعها في أحداث الرواية.. ليفاجأ بموتها ما يترك انطباعا سلبيا علي ذائقة القارئ الذي تمني تطور تلك الشخصيات وليس إنهائها بموت دون أسباب قوية. يمتلك الكاتب خيالا جامحا .. فبرغم أن الأحداث التاريخية وكذلك الشخصيات والمواقع الجغرافية تثقل علي الروائي بفرض قيود تتمثل في الصياغة التقريرية والوصف الجاف.. إلا أن الكاتب تحرر من كل ذلك ليحلق بخيال مدهش مبتكرا أحداثا وشخصيات وحكايات شتي. ومن ذلك تلك الحكايات الصغيرة .. أو المنمنمات القصصية الداخلية في الصفحات : ..34.77.. 76.84.111.105.. 344. وغيرها. هي تحية لرواية أدهشتني .. وككاتب أستفيد من بعض جوانبها الفنية.. فشكرا للمبدع الخلاق منير عتيبة الذي يمتعنا دوما بجديد نتاجه.. ونهامسه: ننتظر جديدك بغاية الشوق.