نقيب المحامين يشارك الطائفة الإنجيلية الاحتفال بعيد القيامة    أسقف نجع حمادي يترأس قداس عيد القيامة بكنيسة ماريوحنا    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    بث مباشر| البابا تواضروس يترأس قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    81 مليار جنيه زيادة في مخصصات الأجور بالموازنة الجديدة 2024-2025    اتحاد الغرف التجارية يكشف مفاجأة بشأن انخفاض أسعار الأسماك (فيديو)    نائب رئيس هيئة المجتمعات يتفقد أحياء الشروق ومنطقة الرابية    «القومى للأجور» يحدد ضمانات تطبيق الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص    رئيس النواب الأمريكي يقترح سحب تأشيرات الطلاب الأجانب المشاركين بالتظاهرات    حريات الصحفيين تثمّن تكريم «اليونسكو» للإعلاميين الفلسطينيين وتدين جرائم الاحتلال    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    سوبر هاتريك ل هالاند، مانشستر سيتي يكتسح وولفرهامبتون بخماسية في الدوري الإنجليزي    «ريناد ورهف» ابنتا المنوفية تحققان نجاحات في الجمباز.. صداقة وبطولات (فيديو)    التصريح بدفن جثة سيدة التف حولها سير ماكينة حصاد القمح بالغربية    مصرع شاب صعقاً بالكهرباء في كفر بركات بالعياط    تعرف علي موعد عيد الأضحي ووقفة عرفات 2024.. وعدد أيام الإجازة    تامر حسني يعلن إنضمام "ميكا" لفريق فيلمه الجديد ري ستارت    الكاتبة الصحفية علا الشافعي: نجيب محفوظ فتح لي مكتبه في بداية حياتي المهنية    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أحمد كريمة يعلن مفاجأة بشأن وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق    مستشار الرئيس عن مضاعفات استرازينيكا: الوضع في مصر مستقر    4 نصائح لشراء الفسيخ والرنجة الصالحة «لونها يميل للذهبي» ..قبل عيد شم النسيم    «صحة الفيوم»: قافلة طبية مجانية لمدة يومين بمركز طامية.. صرف الأدوية مجانا    خبير تغذية: السلطة بالثوم تقي من الجلطات والالتهابات    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    أمريكا والسفاح !    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    قرار جديد من التعليم بشأن " زي طلاب المدارس " على مستوى الجمهورية    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    السكة الحديد تستعد لعيد الأضحى ب30 رحلة إضافية تعمل بداية من 10 يونيو    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمدينة شرم الشيخ.. اليوم    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماعة النباتيين المتطرفة
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 08 - 2015


هل أخبركم عن مدينة البدناء؟
مستريحون، وأغنياء، وملابسهم زاهية، رجال بدناء ونساء بدينات هاربون وهاربات من لوحات بوتيرو، لا يعانون سوي من أمراض السمنة، ويستيقظون كما يشاءون. لا يحبون السياسة، وبارت جريدتهم المحلية الكبري، التي تصدر من ذلك الحزب القديم. صار أعضاء الحزب أنفسهم مادة للسخرية، فلم يعد لديهم ما يفعلونه سوي الحنين إلي فترات يختلط فيها الغني بالبؤس. سمعوا أن هناك ثلاث مدن فقط في هذا العالم، وكل منها تعيش سعادتها. هنا يلعب الذئب مع الشاة، ويمرح الأطفال بجوار الثعابين، والأطباء الكسالي البدناء يعملون ربع الوقت فقط، ويقسمون أوقاتهم في مشاهدة التليفزيون، والتلذذ بالأطعمة، والنوم في الحدائق، ويرتادون عيادات بعضهم البعض، يضحكون وهم يشكون أوجاعهم لزملاء في النقابة الوحيدة التي تضمها مدينتهم. نقابة أطباء السمنة.
هؤلاء الكسالي في توقيت ما أدركوا أن طغيان اللون الأخضر سيصيبهم بالكآبة، الأرض العفية، التي أخرجت أثقالها، وفاضت بالخير لم تترك حيزاً للون آخر، كأن زجاجة لون أخضر انسكبت علي صفحة بيضاء، في هذا التوقيت كانوا لا يزالون يعملون قليلاً وقرروا طلاء بيوتهم بألوان مختلفة، ولو اطلعت عليهم من السماء لكأنك تري لوحة رسمها طفل بكل الألوان التي توافرت له. لم يكونوا في حاجة إلي بذل كثير من المجهود في الزراعة لأن الأرض لم تكف عن الولادة، والسماء لم تتأخر لحظة عن الإمطار. كانوا علي فترات بعيدة يهذبون أوراق الشجر التي تجتاح منازلهم، ولكنهم تركوها تسرح علي الأطراف وتصنع غابات من أشجار عملاقة، ولم يفكروا أبداً في تجاوز مدينتهم.
كانوا يأكلون ويشربون ويبولون ويتغوطون ويضرطون في أي مكان، وكانت الطبيعة الجميلة تمسح بقاياهم، كأن فرشاة سحرية أزالتها من اللوحة لتعيدها سيرتها الأولي. وكان أعضاء الحزب الذين أنهكوا أنفسهم في الجري لمسافات طويلة فوق العشب يطرقون أبوابهم أو يقفون فجأة أمام حدائقهم ليحدثوهم عن الخطأ التاريخي الذي ترتكبه المدينة علي أيديهم. كانوا يتحدثون عن شرف الإنسانية الذي يضيعونه، كانوا يقولون كلاماً عن الإنسانية التي يسبغها العمل، ويقولون إنه كي يشعروا بأنهم في مدينة فلا بد أن يستيقظوا في وقت واحد، يذهبون إلي أعمالهم في وقت واحد، يعودون في توقيت واحد، افتقاد المدينة إلي العمل يعني أنها تفتقد إلي الإيقاع، وافتقاد الإيقاع يعني أنها قرية، وكانوا يقولون إن الدين أفرط في تصوير لحظات السعادة التي تسبق القيامة بدون أن يخبرنا عن أمراض التخمة.
ذات مرة توقف رئيس الحزب أمام مجموعة يجلسون علي مقاعد وثيرة في الحديقة الكبري التي تتوسط المدينة، وبدأ يصيح، محركاً يديه مع كل حرف. كانت الكلمات تتجمع في فمه وتنهمر في الفراغ، وكانوا يحدقون فيه بدون أن يحاولوا مداراة نظرة اللامعني التي تعتليهم، لم يكونوا متضايقين لأن الضيق يعني أنهم يبذلون مجهوداً، ولم يكونوا أيضاً علي استعداد لذلك. كان يقول: انظروا إلي حالكم، لقد تحولتم إلي حيوانات، ونحن مفضلون علي الحيوانات التي تذبحونها وتتغوطونها. لديكم الثمار والحبوب، ولكنكم اخترتم الأدني منزلة واستبدلتموه بالذي هو خير. كان الغضب في وجهه غريباً علي عيونهم التي أدمنت الوجوه المسترخية والناعسة، وربما كانوا يفكرون، في هذه اللحظة، في الطريقة التي فعلها هذا الرجل ليكتسب فعلاً كاد يندثر.
وكان البدناء متضايقين ويشعرون أن خصوصيتهم تُخترق، علي الأقل لأنهم اضطروا إلي الاستماع، وبالتالي تحركت صور في أذهانهم، صور لواقع غريب، يتحركون فيه في مواعيد محددة إلي ما يُفترض أنه أماكن العمل، وهذا يعني أنهم بذلوا مجهوداً لتغيير نمط حياتهم، للتفكير في نوعية هذه الأعمال، لتقسيمها، لإنشاء مدارس وجامعات تؤهلهم لتلك الأعمال، وبالتأكيد فسيكون مطلوباً مزيد من البناءين لإنشاء مكاتب وتجهيزها.
ولكن بعد دقائق من اختفاء رئيس الحزب كانوا يعودون من جديد إلي صفحاتهم الذهنية الخالية التي كان يقطعها الجوع بصورة لخروف مشوي، كانوا متصالحين حتي في صورهم الذهنية، أحياناً كان يحدث أن يتخيل أحدهم نفسه يأكل من الخروف بمشاركة ذئب، وربما يمد يده إليه بقطعة سمينة لا يريدها. كان رئيس الحزب يظهر بهيئته التي تميل إلي النحافة في كل مكان، وبمرور الوقت صاروا لا يعيرونه انتباههم، وكان يبدي أسفه وغضبه لأنه كان يتخيل أن شيئاً ما يمكن أن يتغير. كان يقول إنه سيأتي وقت سيكفون عن النوم مع زوجاتهم بسبب الكسل، وبالتالي فإن المدينة قد تموت بموت آخر ذريتها، ومن كانوا يتركون عقولهم للتفكير ثواني كانوا يهزون رؤوسهم نافضين الأفكار، فمعظمهم يمتلك أبناء ينامون مع زوجاتهم بانتظام، وفرحتهم كانت تكتمل لحظة الولادة حيث تجتمع العائلات في منزل المرأة علي وشك الولادة، وتبدأ إحدي السيدات في مساعدتها حتي يأتي طفل آخر إلي حياتهم الخضراء.
لم تكن لديهم أسماء، وإنما أرقام، كل واحد يحمل رقماً، من 1 وحتي آخر مولود، وحينما كان يولد طفل، كانت الشاشة التي تعلو مبني المناسبات في وسط المدينة تزيد رقماً، وكانت المدينة تطفئ أضواءها حينما يستسلم أحدهم للموت، وفي اليوم التالي تعود الأضواء وتعود اللوحة ناقصة رقماً. احتاجت البشرية إلي آلاف السنين لتصل إلي اليقين، وبالتالي إلي السعادة، ومهما قيل عن حاجتها للعمل والفنون فهذا لا يهم أمام سعادتها، فما الحاجة إلي ما يجلب الضغوط. هنا لا سلطة لأحد فوق أحد، كل شيء يتم ببساطة، وإذا حدث وخلا رقم بموت صاحبه يكون الرقم من حق العائلة ذاتها، وخلال مائة سنة علي الأقل لم ينتقل رقم خارج عائلة سوي مرتين، حيث توقف أحفادهما الذين صاروا رجالاً عن الإنجاب، وبالتالي ظلت العائلتان ذكريين في ألبوم صور المدينة بدار المناسبات. الخلافات تم وأدها في ماض بعيد، حينما كان البعض يصارع فكرة الكسل ليتحدث طارحاً أفكاراً خاصة، فحينما اقترح أحدهم أن يحصل علي الأرقام المميزة أكبر الرجال والنساء في المدينة اعترض الباقون، فهذا يعني تغيير نمط كامل، ويعني خلو أرقام الكبار بالتبعية، وإحساس بأن الكبار أهم من الصغار، مع أن الصغار أمل البشرية في مواصلة سعادتها. كان رئيس الحزب يحمل علي سبيل المثال رقم مليون وأربعمائة ألف وخمسة وثلاثين، في الوقت الذي كان بعض أعضاء الحزب من الأجيال الأحدث سناً يحملون أرقاماً مميزة، مثل 11، و22، و33، و44. كان حفظ تلك الأرقام سهلاً، لأنه لن يدفع أحداً إلي التفكير في صفةٍ ملازمةٍ للشخص الذي يحمل رقماً كبيراً، وكان الحزب منذ سنوات يُنبِّه إلي التمييز الذي بدأ يظهر في أحاديث الناس، فمنهم من يشير إلي أحدهم/ إحداهن بالطويل/ة، أو القصير/ة، أو الأعور/ العوراء، أو صاحب/ة الأنف المفلطحة، أو ذي/ ذات السُّرة المتدلية، وهذا يعني انتهاكاً لشرف المدينة، ولكن كل من استمع إلي كلام أعضاء الحزب لم يشغل ذهنه لأنه كان واثقاً من أن الأمر لم يتعد أبداً فكرة محاولة تقريب الصورة لمن يخاطبهم. علي أيٍّ قرر معظمهم عدم الحديث بهذه الصورة، علي الأقل من خارج العائلة.
كانت كل عائلة تهتم بشؤونها الخاصة، بأرضها وحيواناتها، ولم يكن الأمر يحتاج إلي أي عناء وقد قرر الإله أن يعيد الجنة مرة أخري إلي الأرض. كانت هناك خرافة يسخرون منها، أن المسيخ الدجال سيظهر في إحدي المدينتين الأخريين، وأنه سيغوي أهل مدينته قبل أن ينتقل إلي مدينتهم، والمدينة الأخري. قال رقم 250 مرة أمام تجمع في مبني المناسبات:
-استعدوا.. سنشويه ونلتهمه حينما يظهر، وبالتأكيد ربما يغير الإله فكرته ويقرر أن يترك الجنة هنا بدون أن يضطر لإيقاظ أجدادنا.
راقتهم الفكرة وضحكوا ضحكة رجل واحد قبل أن ينصرفوا إلي منازلهم، قاطعين أقصر الطرق إليها، وحتي ذلك الرجل الذي فكر أن يستغل الموقف ليسأل بعض العجائز عمَّا يعرفونه عن البشر وحياتهم في المدينتين الأخريين وسعادتهم الخاصة هناك وهل يحملون أرقاماً أو أسماء قرر أن ينفض رأسه متراجعاً عن إجهاد لسانه. هنا يتحدث البشر من طرف واحد معظم الوقت. إذا كنت تسأل، حتي أقرب الناس إليك، في الأغلب لن تجد من يجيبك، ولن تشعر بالضيق لأنك فعلت ذلك مع آخرين، وستفعله، وأيضاً لأنك لا تريد إجهاد ذهنك بحديث طويل.
في السرير ينطبق جسد الرجل علي الأنثي أو العكس، ويموجان في حركة دودية، لا يعرفون الأوضاع الصعبة، وهم يمارسون الجنس لكنهم لا يبحثون عن المتعة، بقدر رغبتهم العلمية في الحفاظ علي وجودهم، وبالتالي حينما تحمل الأنثي يكون ذلك لحظة سعادة كبري بالنسبة للأب الذي يقرر أن يذهب في هذه الحالة إلي السرير للاسترخاء أو النوم فقط، كما تشعر الأنثي بفرح غامر وهي تعلم يقيناً أنها غير مضطرة لإزاحة زوجها النائم من فوقها بصعوبة، أو لأنها ستظل شهوراً بدون إحساس بألم في الصدر والبطن جراء نومها أيضاً وتركه نائماً حتي الصباح فوقها.
كان بعضهم يفكر بضع ثوان في أعضاء الحزب، كان شيئاً مدهشاً بالنسبة لهم وجود بشر يفكرون ويتحركون طوال الوقت في الشوارع يطرقون الأبواب ويتحدثون بدون توقف، ويقولون كلاماً شبيهاً بالموجود
في المجلدات القديمة بالمكتبة الوحيدة الضخمة بالمدينة، المجلدات التي ورثوها عن أجدادهم، وربما عليهم أخيراً أن ينتبهوا إلي أن شيئاً سيحدث، أو يتغير، لأن المدينة شهدت حوادث اختطاف متزامنة وسريعة لأطفال حديثي الولادة. تجمَّع الآباء والأمهات أصحاب الأطفال في دار المناسبات وكنوع من التقدير تجمع كثيرون معهم، واقترح أمين الدار أن يبحث الجميع في وقت واحد داخل جميع بيوت المدينة، وفي الحزب القديم، حتي ولو اعترض رئيس الحزب أو أعضاؤه، تسلل المسيخ الدجال إلي أذهان بعضهم، ولكنهم نفضوا الهاجس الثقيل بصعوبة، ولكن بعض المتجمعين كنوع من المجاملة قالوا صراحة إنهم مرهقون وربما يبحثون معهم في أوقات لاحقة، وإنهم واثقون من أنهم سيجدون الأطفال، فلا يمكن لأحد مغادرة تلك المدينة التي تحيطها غابات الأشجار العملاقة، التي تركوها تلتف وتتضافر حتي صار مستحيلاً صناعة ممر بها، وإذا كانوا هم لا يستطيعون المغادرة فبالتالي لا يستطيع الخاطفون.
بدأت الصفوف في التملل، وبدأ البعض في المغادرة رقماً رقماً، ثم مجموعة أرقام، حتي أمين دار المناسبات غادر، بعدها رفع رقم 3001 صوته قائلاً إنه يمكن تقسيم الأمر بين الرجال والنساء، بحيث تبحث كل مجموعة في يوم، فالإرهاق قد يُفشِل المهمة، والأهم طول النَفَس، ثم بدأ جدال طويل، يعني أن الجميع موافق علي اقتراح رقم 3001، عن المجموعة التي ستبدأ أولاً. كان كل فريق يريد إعطاء شرف البداية للآخر، وحينما فشل الطرفان قررا تأجيل الأمر إلي اليوم التالي، حتي يأخذ كل فريق وقته في التفكير، مؤكدين أنه لو كان مكروه سيحدث للأطفال فبالتأكيد قد حدث فعلاً، والتعجل لا يعني شيئاً، وفي اليوم التالي انضمت أسر جديدة إليهم بعد اختطاف أولادهم حديثي الولادة، وأصبح الذعر عنواناً للمدينة، وقرروا الحذر وإغلاق نوافذهم وأبوابهم التي ظلت مفتوحة لسنوات، ومع هذا لم يمنع نومهم الثقيل حوادث الاختطاف من التكرار. كان الذعر مؤقتاً، ويرتبط بلحظات الاستيقاظ، وحلاوة النوم كانت قادرة علي إذابته كما يذوب الفوَّار.
في يوم قريب جاء رئيس الحزب إلي دار المناسبات وخطب في الجميع:
-أولادكم معنا، أنتم لا تستحقونهم، ونحن سنصنع عالمهم ومبادئهم، سيكونون نباتيين، لقد أنشأنا لهم مدرسة النباتيين، وجعلناها خلف إحدي غابات الأشجار، ونحن نعلم أنكم، وحتي مع كلامي هذا، لن تتحركوا لإعادتهم، لأن الكسل أصبح لصيقاً بأرواحكم.
كان يتحدث محركاً يديه في الهواء وكانت حركاته مدهشة جداً بالنسبة لهم، فغالباً لا تغادر أياديهم أماكنها من أجنابهم، لدرجة أنها حفرت أخاديد لها من فرط التصاقها وثقلها، وأكمل:
-هناك جماعة متطرفة انبثقت عن الحزب، كان أعضاؤها يريدون قتلكم، لكننا بالكاد أقنعناهم بسرقة حيواناتكم وقتلها، وهكذا لن يصير أمامكم سوي الثمار والحبوب لتأكلوها. أنا هنا علي بعد أمتار من أقربكم ومع هذا لن يتحرك أحدكم نحوي. هيا.. أريد أن يقتلني أحدكم، خذوني رهينة لتساوموا بها حزبي، استعيدوا أطفالكم، لو تحركتم فهذا يعني أن الروح ما زالت تدب فيكم، ولستم محض أجساد جيلاتينية.
من فرط صدمتهم لم يتحرك أحدهم، فكر كثيرون في بدء الهجوم، ولكن الغضب الذي كان يدخلهم كان يخرج من الناحية الأخري لأجسادهم، كما يدخل الهواء من الشباك ويخرج من الشباك المقابل، كان كثيرون مقتنعين بكلامه، وفكروا بصدق في مهاجمته، ولكن الأمر كان صعباً، فلم يجربوا أبداً أعمال الشغب، تلك الأعمال بالتأكيد تحتاج إلي مجهودات ضخمة، والقتل لن يعيد أولادهم، كما أن المساومة تحتاج وقتاً طويلاً، كان كل منهم يفكر في متعته، أقرب الأرقام إلي رئيس الحزب كان يتخيل فمه محشواً بقطعة ضخمة إلي أقصي درجة من "ليِّة" خروف، وربما لمح بعضهم دمعة تهوي من عين رئيس الحزب كحجر علي الأرض مخلفة دوياً وسط صمتهم، حتي تململهم كان صامتاً. شيء ما كان يمنحهم ذلك الصمت. الجاذبية كانت تشد أرواحهم إليها، وتجعلهم يتحركون كأجساد محشوة بالعجين. اقترب رئيس الحزب من أقرب الأشخاص إليه فأمال رأسه علي صدره ناظراً في الأرض، فهتف رئيس الحزب: لا فائدة.
في الأسابيع التالية بدأت جماعة النباتيين في تنفيذ ما قاله رئيس الحزب، الخراف والخنازير والماعز والأبقار والجواميس والأحصنة والحمير والبغال والطيور بدأت في الاختفاء، بينما يغرقون في نومهم اللذيذ، وقرروا تعيين حراس منهم علي الزرائب، ولكنَّ هؤلاء الحراس كانوا يسقطون أيضاً في النوم، وخلال شهور اختفت كل الحيوانات وصار الجوع كابوساً يحاصرهم، كانوا يأكلون ثمار الفاكهة والبقوليات لكنهم لم يستسيغوا طعمها، وكانوا يتقيؤونها بمجرد أن تصل إلي معداتهم، صار الهزال عنواناً لأجسادهم، وبدا أن الموت سيحصدهم بقبضة واحدة.
رجال الجماعة المتطرفون بدأوا في الظهور ، كانوا يجلسون بالقرب منهم، ويحدثونهم عن ضرورة البدء من جديد، يمكن للبشرية أن تعود مرة أخري إذا كففنا عن الشراهة، وأيقنا أن الجسد مجرد وعاء لروح نورانية، وتلك الروح تختنق بأرطال اللحوم والشحوم.
كان رجال الجماعة المتطرفة يظهرون أيضاً ليحملوا بعض الجثث قبل تعفنها، وكانوا يلقون أجولة من البقوليات أمام منازلهم وأمام دار المناسبات، ولكن أحداً لم يقترب منها.
تبرع أحد الأرقام بآخر ما يملكه من طاقة لجمع العائلات أمام دار المناسبات، ثم تحدث عن السعادة التي يريد النباتيون انتزاعها منهم، سيتركون هذا العالم لهم، لأنهم أرادوا تلويثه بالخطيئة، يكفي أنهم مسؤولون عن قتل المئات حتي الآن، وبما أن الموت قادم فيمكن أن تكون السعادة مؤقتة ولكنهم سيتشبثون بها حتي النهاية، ثم بدأت كل عائلة في العودة إلي منازلها.
كان بعض النباتيين يراقبون، من بعيد، بعض "الأشخاص الأرقام" وهم يجمعون فروع الأشجار بصعوبة بالغة، ويشعلون النيران بها، ثم يتقدم أحد الأرقام من مجموعة، ينحرونه بهدوء، ويربطونه بأسياخ أو بفروع أشجار، ينتظرون صفاء النار وخفوتها، ويقلبونه، تتسع عيونهم سعادة، وهم يضعونه علي الأرض، ويمدون أياديهم إليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.