نسترجع هنا، مع بعض كتابنا ومثقفينا، ذكريات الطفولة، ذكريات صلاة العيد، ذبح الأضحية، توزيع اللحمة علي "الغلابة"، أكل "الفتة"، سنكتشف معهم مواقف إنسانية طريفة ولكنها شديدة العمق، سنجد نساء في حكاياتهن يزغردون وقت ذبح الأضحية، سنجد أطفالا يدورون حول الجزار ويهتفون "من ده بكرة بقرشين"، وسنجد أضحية تموت عقب وصولها للبيت، وأخري يغسلون لها فروها، فإلي الذكريات: "من ده بكرة بقرشين" يقول الروائي يوسف القعيد: في قريتي الصغيرة بمحافظة البحيرة ولدت وعشت أجمل أيام حياتي، وقد ارتبط عيد الأضحي لدي بسماع أغنية "ياليلة العيد" يوم وقفة العيد وهذا ما كان يجعلني أشعر بسعادة غامرة لمجرد سماع صوت "الست" في هذه الأغنية تحديدا، وكان بسطاء القرية يشترون اللحمة من الجزار الذي كنا كصغار ندور وراء ذبيحته ونطوف بها البلد، منشدين "من ده بكرة بقرشين" في سرور وبهجة ننتظرها من العام للعام. أما الأسر التي كانت تذبح الأضحية في بيتها وتقطعها لتوزعها علي الفقراء، فقد كانت تحرص علي وضع علامة بدم الأضحية علي جدران البيت من الخارج ومن الداخل كنوع من الفخر الاجتماعي، كما داوموا علي تعليق فروة الخروف في مكان بارز بعد أن يضعوا عليه الملح، ليبيعه الأطفال ويأخذوا ماله علي سبيل العيدية، وبالطبع لا ننسي أهمية الحذاء والطاقية الجديدة في العيد فهما من علاماته لدي الصبية. زغاريد لحظة الذبح ولا ينسي الروائي فؤاد قنديل مشهد ذبح الأضحية وبعض النساء يزغردن ويدعين الله أثناء لحظة الذبح، ويقول: كنت أنتظر قدوم هذا العيد لأري طقسا تميزت به قريتي الصغيرة قرب مدينة بنها، وهو أنه عقب صلاة عيد الأضحي تكون السيدات في المنازل قد بدأت في عمل اللحم والثريد، وقبل رجوع أزواجهن وأبنائهن من الصلاة تكون كل امرأة قد وضعت صينية تمتلئ باللحم والثريد أمام أحد بيوت القرية ليصبح الموقف كله موقفاً إنسانياً رائعاً، وكأن الجميع حرص علي أكل عيش ولحم معا بدلا من عيش وملح، ومن هنا لا يمكن أن تحدث مشكلات أو خلافات بينهم، أما أنا فقد كنت حريصا علي ركوب الأرجوحات الصغيرة التي تشبه الملاهي الآن، كما كنت أفضل ركوب المراكب الصغيرة في النيل، وكذلك شراء المسدسات لنلعب بها، وبعد الإفطار يبدأ التزاور الاجتماعي بين الأهل خاصة بين أهل المدن وأهل القري ونلتقي ونذهب للحقول، وقد استمرت هذه الطقوس معنا حتي بعدما انتقلنا للمدينة باستثناء طقس تقديم الطعام للجيران. اللعب في مقام الأولياء والعيد يرتبط بالأضحية لدي الروائي أحمد أبو خنيجر، فيقول: كانت تذبح الذبائح وتوزع لحومها علي مرأي ومسمع من رجال وأطفال القرية، وقد حرص أطفال قريتي علي المرور علي بيوت القرية لأخذ جلود الأضاحي وبيعها ليحصلوا علي العيدية المنتظرة، ولم نكن نقوم بالرحلات آنذاك نظرا لخوف أسرنا علينا من حوادث الطرقات، لكننا كنا نعوض ذلك بالذهاب إلي الأرجوحات الصغيرة وباعة الحلويات، كنا نلعب مع الأطفال الذين كانوا يتخذون من مقامات الأولياء مكانا لهم في الأعياد، كما كنا نهتم بمشاهدة لعبة "التحطيب" للكبار، لأننا كنا نعلم أنه سيأتي علينا يوم ونكون محل مشاهدة من أطفال آخرين. السهر علي المقهي لوش الصبح وما كان يحزن الكاتب باسم شرف هو عدم حصوله علي عيدية العيد في عيد الأضحي، لأن الجميع كان يقول له: هذا هو عيد اللحم فقط، ولكنه كان يحرص علي أن يذهب إلي صلاة العيد مع الأسرة بملابسه الجديدة، ثم يذهب للمنزل ليفطر ثم يبدأ هو وأفراد أسرته في استقبال المهنئين بالعيد من الأهل والجيران، ولكنه عندما بدأ يكبر بدأت طقوسه الخاصة بالاحتفال بالعيد في الظهور، حيث أصبح يحب الجلوس علي المقهي مع أصدقائه ليلة العيد وحتي معاد الصلاة ثم يصلي ويذهب للبيت ولا يخرج منه طوال أيام العيد نظرا للزحام الشديد الذي يكرهه. الأضحية ماتت ويضحك الروائي إبراهيم عبد المجيد وهو يتذكر طفولته وذكرياته مع عيد الأضحي، موضحا أنه كان ينتظر قدوم العيد خصيصا، لكي يقوم بما أسماه "مشوار العيد"، وهو مشوار يذهب فيه هو ووالده إلي سوق الماشية لشراء الأضحية وسوقها الي المنزل، ويتذكر أول مرة قام هو بشراء الأضحية بنفسه وساقها إلي البيت فماتت بعد وصولها مباشرة فلم يكررها مرة ثانية. ويحكي عبد المجيد: كنت بعد صلاة العيد وإنهاء عملية الذبح، أقوم بطقسي الخاص الذي أعشقه منذ الصغر وهو الذهاب إلي حفلين متتاليتن في السينما لمشاهدة الأفلام الجديدة مع أصدقائي، وفي ثاني أيام العيد كنا نذهب إلي حديقة الحيوان، ونتجول في محطة الرمل وحدائق الشلالات ونستمتع بألعاب الحواة والسحرة، بجانب مقامات الأولياء، أما إذا جاء العيد في فصل الصيف، فكنا نقضيه علي البلاج مع الأسرة. الخوف من الخروف وتختلف علاقة الكاتب هاني عبدالمريد بخروف العيد عن أقرانه، فقد كان يخشاه جدا ويتصور طوال الوقت أنه سيقوم بأذيته، يقول: مع الوقت تجرأت وبدأت أشارك في عملية الذبح، كنت أشعر كطفل بأن عيد الأضحي أقل فرحة من عيد الفطر، ربما لأن عيد الفطر ارتبط لدي برمضان وليلة الرؤية، أما "العيد الكبير" فكان يأتي فجأة ولا نأخذ فيه العيدية، وهو ما كان يحزنني . الولع بالتكبيرات الكاتبة سهير المصادفة، قالت إن أهم شيء في نظرها كطفلة هو سماع تكبيرات العيد من بعد صلاة عشاء يوم الوقفة حتي ميعاد صلاة العيد، فهذا ما يصيبها بسعادة غامرة، خاصة وهي تراقب العاملين في المساجد وهم يفترشون أرضية الشوارع بالحصير والسجاجيد تمهيدا للصلاة، وتقول: كنت أحرص طوال الوقت علي إبقاء ملابس العيد جديدة نظيفة، وأقوم بكيها عدة مرات قبل الصلاة ولا أفوت مشهد ذبح الخروف وأرتدي ملابسي، انتظارا لقدوم أقاربنا الذين لا نراهم كثيرا علي مدار العام بسبب الدراسة أو بعد المسافات بيننا، ثم نقوم برد الزيارة لهم ثاني أو ثالث أيام العيد ونأخذ العيدية ونشتري بها لعب وحلوي. نباتي في عيد اللحمة ويعترف الكاتب الطاهر شرقاوي بأنه كان نباتيا منذ الصغر ولا يعرف تحديدا الأسباب التي جعلته نباتيا، يقول: لا يعني كوني نباتيا أنني لا أفرح بقدوم عيد الأضحي، أو لا أشارك في طقوسه، بالعكس فالطقوس التي تقام في ذلك اليوم كانت محببة بالنسبة لي، وكنت مشاركا في صنعها، علاقتي بالخروف لا تبدأ من يوم العيد وإنما تبدأ منذ ولادة الخروف نفسه، والعناية به، فعادة مثل معظم أهل الريف كنا نختار خروفا صغيرا قبل العيد بعام كامل ويكون هو المنذور للأضحية، وبالتالي يتم تحضير أكل مخصوص له، والعناية به بشكل خاص عن بقية الأغنام الموجودة في حوش البيت.. كانت هناك علاقة خاصة بالخروف المنذور فهو يأكل العلف من يدي، وكثيرا ما كان يتشممني وكأنني أخبيء بعض العلف في ملابسي، ونهتم أيضا بغسيل شعره في الصيف، لدرجة أن الخروف كان يجري ناحيتي عند دخولي الحوش مثل أي حيوان أليف آخر.. صباح العيد نبدأ بالصلاة ثم المرور علي المقابر ثم العودة إلي البيت لحضور عملية الذبح.. وتقسيم الأضحية ثم توزيعها علي الجيران والأقارب والمحتاجين.. كنت متيقنا من أن بقية القطيع يعرف بموضوع الأضحية، فدائما ما ألاحظ علي بقية الغنم أنها خائفة ومنكمشة علي بعضها، وأنها ترفض المرور علي المنطقة التي تم الذبح فيها، وإن مرت، فتمر بسرعة وهي تنظر إلي مكان الذبح، وكان رد الفعل ذلك يجعلني أفكر في كيفية شعورها بما تم، وهل هناك لغة خاصة مثلا بين الحيوانات، عموما الأغنام سريعة النسيان، فما أن يمر يوم أو اثنين وإلا تكون قد نسيت، وتتعامل مع الحياة بطبيعتها المعهودة.