تتفق أو تختلف مع طبيعة الدور الذى تقوم به قطر على الساحة العربية، لكن لا تملك إلا الإشادة بهذا الدور الذى بدأ يفوق قدرات دولا أخرى فى المنطقة، لدرجة تدفعك للدهشة من قدرة هذه الدولة الصغيرة مساحة وسكاناً فى التأثير، مما حولها البعض إلى الشماعة التى يلقى الكثيرون عليهم فشلهم، ويدفعك أيضا للبحث عما وراء هذا التفوق القطرى فى مجال السياسة الدولية، وهو أمر فطن له الإعلام الأجنبى، لدرجة أن صحيفة "تايمز" البريطانية قالت فى تقرير لها الثلاثاء الماضى أن الدبلوماسية القطرية نجحت فى دفع الجامعة العربية، للمرة الأولى فى تاريخها، لتؤدى مهمة قيادية ذات معنى فى المنطقة، مع الإشارة إلى أن الدوحة تدفع الجامعة لتحمل مسؤولياتها فى أحداث تعتبر فى صميم "البيت العربى". الصحيفة البريطانية لم تكتف بذلك وإنما قالت نصا: "إن قطر تجسيد لنجاح باهر فى عالم الدبلوماسية الشرق أوسطى العسير، لا نملك إلا أن نرحب به"، وأن القيادة القطرية تؤدى دوراً رئيسياً فى دفع الأمور باتجاه وقف إراقة الدماء فى سوريا، واتخذت موقفا أكثر حزما إزاء ردة فعل النظام القاسية على موجة الاحتجاجات الشعبية، وأضافت الصحيفة "لا يمكن إغفال الدور القطرى اللاعب الرئيسى الذى دفع الجامعة العربية، للمرة الأولى فى تاريخها، لتؤدى مهمة قيادية ذات معنى فى المنطقة، فالدوحة أظهرت أن بوسعها توظيف أموالها ونفوذها وأحكامها السليمة للتأثير على الجيران القريبين والبعيدين، وعليها الآن أداء الدور نفسه فى سوريا". التقرير رصد بروز الدبلوماسية القطرية على مسرح الأحداث فى العالمين العربى والإسلامى، من خلال الثورة الليبية ضد نظام العقيد القذافى إذ لم تتلكأ قدرا فى الاعتراف بالمجلس الانتقالى الوطنى، باعتباره صاحب السلطة الشرعية، ووقفت وراء الثورة بقواتها، وكانت إحدى القوى الفعالة وراء تحرك الجامعة العربية فى ما يخص الشأن الليبى، كما صارت الدوحة صارت "عاصمة الوساطات" بالمنطقة، وبوضع جولة المحادثات التى عقدتها "منظمة التجارة الدولية" فى الآونة الأخيرة جانباً، يجد المرء أن العاصمة القطرية هى البقعة التى تشهد تسوية العديد من القضايا الدولية المهمة، ففى 2008 شهدت الدوحة توقيع اتفاقية أنهت شهوراً عدة من الغوص فى المأزق السياسى اللبنانى. من خلال الرصد التاريخى لتحركات قطر الخارجية سنجد أنه منذ إعلان استقلالها عن بريطانيا فى 3 سبتمبر 1971، تعتبر من الدول النشطة دبلوماسيا فى بيئتها الإقليمية والدولية، خاصة منذ تولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى الحكم عام 1995، حيث أصبح لها وضع متميز ومستقل فى المنطقة العربية عامة والمنطقة الخليجية خاصة، رغم حساسية المنطقة وتعرضها لأحداث وعواصف وظواهر عدم استقرار فى السنوات القليلة الماضية ، وبالفعل فخلال الإثنى عشر سنة الأخيرة، وفى هذه الظروف الدولية الجديدة برز الدور القطرى على المسرح الدولى، وأطلقت القيادة القطرية العديد من المبادرات السياسية من أجل تخفيف التوتر فى العلاقات الدولية، والتقريب بين وجهات النظر من أجل الحيلولة دون تفاقم الأوضاع فى أكثر من قضية وملف سياسى، مثل القضية الفلسطينية والقضية العراقية والحرب الإسرائيلية على لبنان ومشاكل القرن الأفريقى، والملف النووى الإيرانى الذى يؤرق بال المجتمع الدولى منذ وصول الرئيس أحمدى نجاد إلى السلطة. وربما يجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال خطاب لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى خلال انعقاد الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس الشورى القطرى، جدد الالتزام بمبادئ التعايش السلمى والتعاون الدولى على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والانفتاح على الحضارات والتفاعل معها، والإيمان بضرورة احترام حقوق الإنسان والالتزام بتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية ، وربما تكون هذه الكلمة هى السر الذى من خلالها يمكن الوقوف على أسباب هذا الصعود القطرى على الساحة الدولية، فعند رصد مسار الدبلوماسية القطرية خلال العشر سنوات الأخيرة، يلاحظ كيف تحولت قطر من بلد حديث العهد بالاستقلال يبحث عن تثبيت أقدامه على الساحة الدولية، إلى بلد يقوم بدور على الصعيدين الإقليمى والدولى. ويضاف لذلك أيضا أن الدوحة استطاعت استغلال قدراتها الاقتصادية فى خدمة تحركاتها السياسية، فالاستثمارات القطرية لم تتركز فى مكان واحد، وإنما توزعت وفقا لما يخدم السياسة القطرية، لذلك نجد أنها فتحت القارة الأوربية أمام الاستثمارات العربية، وليس أدل على ذلك من حجم الاستثمارات القطرية الموجودة فى بريطانيا، حيث ترتبط الدوحة بعلاقات اقتصادية قوية مع لندن، وقد اشترت فى السنوات الأخيرة أسهما فى بنوك ومؤسسات بريطانية مثل بنك باركليز وسلسلة متاجر سينزبيرى وشركة الخطوط الجوية البريطانية (بريتش إير وايز)، كما تملك قطر متاجر هارودز الشهيرة فى لندن، وتمول عبر استثمارات متعددة بناء أعلى ناطحة سحاب فى أوروبا فى لندن، ويأتى ذلك فيما كشفت وسائل إعلام بريطانية عن محادثات تجرى فى مراحلها الأولية بين مسئولين بريطانيين وقطريين بشأن قيام قطر باستثمار مبلغ نحو 10 مليارات جنيه إسترلينى (نحو 15 مليار دولار) فى مشاريع للطرق والطاقة فى المملكة المتحدة، حيث عقد مسئولون ووزراء من الجانبين اجتماعات لمناقشة وضع خطط لما يمكن أن تقدمه قطر من استثمارات فى بريطانيا، ومدى إمكانية إنشاء صندوق استثمارى خاص فى هذا الصدد. لكى يكون لك تأثير فى الخارج عليك أن تلبى احتياجات الداخل، هذه هى القاعدة التى اعتمدتها قطر، وهو ما أشارت إليه أيضا التقارير الدولية، ومنها تقرير معهد التمويل الدولى ومقره واشنطن الذى أكد أن تصدر قطر لقائمة من الدول تضم دول الخليج العربى وأوروبا وأمريكا الشمالية، على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، حيث يفوق دخل الفرد السنوى فى قطر 106 آلاف دولار، كما احتلت قطر المرتبة الأولى عربيًا والمرتبة (36) عالميًا بعد أن كانت فى التقرير السابق (37)، وذلك حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2013 والذى صدر أمس الخميس بالمكسيك، حيث أظهر التقرير أهم المؤشرات والإحصاءات التى تبرز ذلك من خلال عرض كامل لما حققته الدولة، كما أبرز التقرير التطور الكبير الذى شهدته قطر فى كل جوانب التنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة من (78.4) عام 2011 إلى (78.5) لعام 2013، كما ارتفع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومى الإجمالى ليصبح (87478) دولارًا لعام 2013 مقارنة ب (82978) دولارًا لعام 2011.