ربما لم تصدمنى كلماته، لأنى تعودت على سماعها، منه، و من غيره، تعودت على سماع هذه الكلمة المستفزة، و التى تمثل وتلخص كماً غير طبيعى من مشاعر الإحباط واليأس، فى كل موقف أو أزمة تقابلنا.. "مستحيل"، بالفعل "مستحيل".. مستحيل أن نتعامل مع حياتنا من هذه الزاوية الضيقة، و هذه الغرفة المعتمة التى نسجن أنفسنا فيها و ننظر عبر أسوارها الحديدية للعالم. ربما لم تصدمنى كلماته، لأنى أصبحت على يقين تام أن ثقافة هذا العصر فى بلدنا الكريم، هى ثقافة المستحيل، كل شىء و أى شىء أصبحنا نراه على أنه مستحيل، الحب.. مستحيل، الزواج.. مستحيل، العمل.. مستحيل، النجاح.. مستحيل، حتى الحلم أصبح "مستحيل". حقيقة من المؤسف و المحبط و المخزى، أن أرى شاباً من جيل يتعامل فى حياته وفقاً لهذه الثقافة، و كلما حكى لى عن حلم أو أمل، يتوقف دون أن يكمل كلامه ليختم بكلمة "مستحيل"، ليتركنى أتساءل ما كل هذا الكم من المستحيلات الذى نعيش فيه، وإذا كانت الحياة بالفعل يوجد بها كل هذا الكم من المستحيلات، فما هى قيمتها إذاً؟ و ما هو الهدف الذى سنعيش له حياتنا، طالما أن كل شىء أصبح مستحيلاً. أتذكر الآن وأنا أكتب هذه السطور، عبارة كنت سمعتها يوماً ما، لا أتذكره تقول، "سأل المعقول المستحيل أين تسكن، فأجابه الأخير، فى عقول العجزة"، بالفعل هذه هى الحقيقة، المستحيل يسكن فقط فى عقول العجزة، فى عقولنا لأننا أصحبنا عجزة، فقدنا قدرتنا على كل شىء، حتى الحلم، فقدنا قدرتنا عليه، و إيماناً به، لأننا أصبحنا نراه مستحيلاً. و بالرغم من كل المبررات التى أسمعها، و التى لا تخرج عن أن ظروف الحياة فى مصر، و الواقع السيئ هما السبب، فى فرض هذه الثقافة على الشباب، إلا أنى أرفض كل هذا الكلام، لأن هناك بلداناً أخرى تعيش فى ظروف أسوأ مما نعيش، و لا يتعامل أهلها مع حياتهم و فقاً لثقافة المستحيل. بصراحة شديدة أرى أن الأزمة تكمن فينا، نحن من فقدنا قدرتنا على كل شىء، نحن من لم يعد لدينا قدرة على المواجهة، على خوض الحروب من أجل تحقيق أحلامنا، والصمود فى وجه العواصف و الأعاصير و الصعاب التى قد تواجهنا، و تحاول جاهدة لأن تحول دون وصولنا لما نسعى إليه. أتذكر أيضاً مقولة سمعتها يوماً ما، لا أتذكره تقول "من عاش لحلمه حتماً سيحققه يوماً ما".. أتذكرها لأتساءل فى نفسى، هل أصبح أهل هذه البلد من أصحاب النفس القصير، هل فقدنا قدرتنا على المخاطرة، و المجازفة فى سبيل تحقيق أحلامنا، هل أصبحنا بالفعل عجزة. ربما كان كلامهم صحيحاً، و الحياة هنا تضعف من قوانا، من قدرتنا على مواصلة الحلم، بل و تحوله فى أحيان أخرى دون الوصول إليه، بعد أن تحول الحلم إلى كابوس.. لكن لماذا لا نحلم؟، لماذا نرى كل شىء مستحيلاً؟ لماذا لا نحاول مرة و اثنين، وثلاثة، هل لدينا شىء لنخسره، أكثر مما خسرنا؟ فنحن نجلس جميعاً هنا تائهين.. ضائعين.. مشتتين، فلماذا لا نكلف خاطرنا، و نبحث عن الصفر لنبدأ منه، لماذا أصبحنا نرى أن الوصول إلى الصفر مستحيل؟ و كى لا أطيل عليكم، فى كلام محبط، مخزٍ، من المؤسف أن يقال من شاب فى عمرى، اسمحوا لى أن أقول لكم بصفتى شاباً من هذا الجيل، و يعيش فى هذا البلد منذ أن عرف الدنيا، أننا ينتظرنا مستقبل مظلم، بلا ملامح، لو لم نتخلَ عن ثقافة المستحيل التى تسيطر علينا و على حياتنا، و على تخطيطنا لمستقبلنا، و الذى يخرج طبعاً تخطيطاً بلا أهداف أو طموح لأنه يتعامل مع كل شىء على أنه "مستحيل". و يبقى الحب -ابقى معى لأنكِ الأمل فى الحياة.. لا، أنتِ الحياة نفسها. -من يحب يسامح.. و من يسامح ينتصر فى النهاية. -حبيبتى.. اتركينى أرسم بحبك أخر لوحات الجمال بهذا الكون.