فجأة جاء هؤلاء الصبية عن بكرة أبيهم.. قرروا أن يقيموا ملعبهم فى مكانه الذى يلعبون فيه.. رجاهم أن يلعبوا بعيدا عنه.. حتى قبل فى النهاية أن يشاركوه مكان لعبه.. جلس منزويا بجانب المدينة التى يبنيها فى الرمال الناعمة.. رضى بما تركوه له.. رغم خطورة ذلك.. أى كرة تصيب مرماهم لن تجد من يمنعها سوى مدينته.. بدأ يكمل تلك الحمامة التى على مدخل المدينة لتكون شعارا للسلام فيها. الأمواج هائجة لم تضعف أبدا أمام سطوة البحر.. تسأل أين كنت أيها البحر لتنقذ أمى وأختى؟.. يحزن على أبيه عندما سمع كلماته التى قالها، وهو خارج من المنزل ساعتها شعر بالأمان داخل المنزل.. صدم عندما وجدهم يحاصرونه هو وأمه وأخته.. صرخ فيهم أيها القتلة.. صوب أحدهم مدفعه إليه.. جرت أخته نحوه لتفتديه بنفسها.. انهارت أخته.. أزعجهم بكاؤها.. قتلوها هى الأخرى.. لم يبق إلا هو.. جرى بكل قوته.. حتى وصل إلى الشاطئ.. سأل ماذا لو انتهى الظلم من العالم؟.. قرر أن يبنى مدينته كما يحلم أن تكون.. جمع كومة من الرمال وبدأ يشكلها.. كان قد انتهى من بناء بيوتها عندما جاء هؤلاء الصبية بغدرهم.. كانت بيوتا مفتوحة دون أبواب أو شبابيك.. ثم بنى سماء خضراء بلون الحرية.. تخيل أهل مدينته كلهم بلون واحد وجنس واحد وشكل واحد!.. ألغى كلمات الغدر والظلم والكراهية من قواميس تلك المدينة.. بدأ يبنى حمامة على مدخلها.. عندما جاء هؤلاء الصبية بدأ يبنى أجنحتها.. عندما سمعهم يصرخون التفت ليرى ماذا حدث لمدينته.. وجد أن غدرهم أنهى كل أحلامه. هكذا المشهد فى "غزة" التى دنس اليهود أرضها وعاثوا فيها فسادا، هذه الأراضى الطاهرة النقية التى عاش فى محيطها الأنبياء، الآن تصرخ من ألم العدو الإسرائيلى الغاشم الذى قتل الأبرياء ودمر كل شىء، فاستبسل الجميع حتى أصبحنا نرى أطفالا بدون طفولة ونساء بدون أنوثة ورغبات، الكل ينتظر الاستشهاد فى سبيل الله، فلا ترى "القهوة" توزع فى "المأتم" وإنما شربات النصر والفوز بنعمة الاستشهاد، فى الوقت الذى يقف فيه العالم الإسلامى والعربى بمثابة "المتفرج" على استشهاد 129 شهيدا وإصابة 900 آخرين، حتى كتابة هذه السطور، ولسان حالهم يردد ل"غزة رب يحميها".