فى ظهر يوم السبت الموافق السادس من شهر سبتمبر عام 1999، وبينما يسير فى موكب مهيب، يتقدمه الكثير من سيارات الحراسة والتشريفات، إذا بمواطن يقترب من سيارته كى يوصل له شكواه بعد أن ضاقت به السبل، فقام حراسه بتصفية هذا المواطن فصار جثة هامدة، ورددت الأبواق الإعلامية المنافقة المملوكة للدولة حينها أن المواطن كان يحاول اغتيال فخامة الرئيس، وأنه كان يحمل فى يده "مطواة"، والبعض زعم أنها زجاجة ماء نار، وادعى غيرهم أن دوافع سياسية كانت هى التى تحركه، لكن الحقائق كانت أنه مواطن بسيط، ولم يكن إنسانًا خطيرًا أو له ملف سوابق سواء جنائية أو سياسية فى أرشيف المباحث، قال بعض المطلعين على كواليس الواقعة حينها: إن هناك دماء تناثرت على "بذلة" فخامة الرئيس، فأسرعوا بإحضار بذلة أخرى، وقد تطوع أحد رجاله بإعطائه "كرافتة"، بالمناسبة: هل تعلمون أن "بذلة" هذا الرئيس كانت تحوى خطوطًا بها حروف اسمه بشكل متكرر؟! مما يعنى أنها قد نسجت أقمشتها للرئيس بشكل مخصوص دون غيره، وصحيح أن هذا يتبعه الكثيرون من أثرياء العالم.. لكن لا يفترض بالرئيس فعل ذلك إذ إنه مجرد موظف حكومى برتبة رئيس جمهورية يتقاضى ما يقارب ال 12 ألف جنيه فقط شهريًّا.. ما يعنى منطقيًّا أنه ليس من الأثرياء! وللعلم أيضًا أحالت وزارة الداخلية 14 ضابطًا إلى المحاكمة التأديبية بتهمتى الإهمال والتقصير، لقد كان هذا الرئيس هو: "محمد حسنى مبارك"، الرئيس السابق لجمهورية مصر العربية والذى حكمها لأكثر من ثلاثين عامًا متواصلة! وقد خلعه الشعب من منصبه رغم إصراره على البقاء فيه حتى توافيه المنية، كما أنه كان يخطط لتوريث الحكم لنجله "جمال" من بعده! حينما يزور مبارك أى منطقة فإنها تنقلب إلى ثكنة عسكرية محظور السير فيها طوال فترة زيارة الرئيس إياها، لا مانع من غلق المدارس والمؤسسات والمصالح سواء خاصة أو حكومية مادامت تقع فى نطاق المنطقة التى يزورها الرئيس، كل الشوارع التى سيمر منها الموكب تتحول إلى شوارع فارغة من جميع أشكال السيارات والمارة، وتغلق كل الطرق المتقاطعة معها وكذا المحلات المتواجدة فى المنطقة، وتتولى إدارة الحى أو المنطقة تنظيف شوارعها وأرصفتها وتلميع الواجهات ونصب اللافتات التى تحمل أسمى آيات الترحيب بالرئيس الذى تكرم بزيارة المنطقة زيارة مجيدة، جيش من مراسلى الإعلام الحكومى سواء من الصحافة أو الإذاعة أو التليفزيون يغزون المنطقة شأنهم شأن القوات التى تغزوها تمامًا فيما يشبه احتلالاً منظمًا وليس مجرد تأمين عادى لرئيس جمهورية.. حتى أسطح المنازل يسكنها القناصة للتأمين، أحيانًا لا يكون الرئيس أساسًا بداخل أىٍّ من سيارات موكبه (ذاك الموكب الذى علمنا بعد الثورة أنه يكلف الدولة ملايين الجنيهات).. لكن من باب التمويه وحماية الرئيس لابد من الموكب على الأرض، بينما الرئيس يتنقل بطائرة فى السماء. تذكرت كل ذلك عندما رأيت الرئيس المنتخب بإرادة شعبية "محمد مرسى"، وهو على المنصة فى ميدان التحرير، عندما رأيت موكبًا متواضعًا يكاد يوازى موكب محافظ وربما أقل منه، وأقل من مواكب الوزراء. رئيس أمام جموع غفيرة بدون سترة واقية من الرصاص، هذا فرق يستحق أن يُذكر.. بعد ثلاثين عامًا كان الرئيس فيها تتم معاملته معاملة من نوع خاص جدًّا وكأنه ليس بشرًا، كنا طوال تلك الفترة نتحسر عندما نرى مواكب رؤساء الدول الأخرى والتزامهم بآداب السير على الطرق ومعاملتهم معاملة عادية، يبدو أن مصر تغيرت حقًّا!