العالم كله شهد افتتاح المتحف المصري الكبير، الحدث الثقافي الأهم في العصر الحديث، وسط إعجاب عالمي بمقتنيات المتحف الرائعة، وعلى رأسها مقبرة الملك توت عنخ آمون كاملة، التي أعادت للعالم سحر الحضارة المصرية وروعتها. هذه اللحظة لم تكن مجرد احتفال، بل كانت إعلانًا أن مصر أعادت رسم خارطة السياحة الثقافية على مستوى العالم. بينما انبهر الجميع بالمعروضات، يظل السؤال الأهم مطروحًا: ماذا بعد؟ النجاح الأولي للمتحف يجب أن يتحول إلى استثمار طويل الأمد. نحتاج إلى خطط مبتكرة وغير تقليدية للترويج للمتحف عالميًا، لجذب السياح من كل بقاع الأرض وتحويل هذا الحدث إلى مصدر مستدام للعملة الصعبة ودعم الاقتصاد الوطني. المتحف ليس مجرد مبنى أو مقتنيات، بل منصة يمكن أن تُبنى عليها تجارب سياحية متكاملة، برامج ثقافية وتجارب تفاعلية، تسويق رقمي ذكي، فعاليات دولية، شراكات مع جامعات ومتاحف عالمية، كلها أدوات لاستغلال الحدث وتحويله إلى قصة نجاح مستمرة. لا يقتصر النجاح على السياحة الأجنبية، بل يجب إشراك المواطن المصري في رحلة الاكتشاف، تنظيم زيارات مدرسية وجامعية، جولات تعليمية للشباب، فعاليات تفاعلية داخل المتحف، كل ذلك يعزز الوعي الثقافي ويغرس شعور الانتماء والفخر بالماضي العظيم. إن المواطن هو أول جمهور للثقافة والتاريخ، واستثماره الداخلي هو حجر الزاوية لأي نجاح خارجي. المتحف الكبير يمتلك كل المقومات: عروض متحفية عالمية، أماكن أثرية عظيمة، بنية تحتية متكاملة، فنادق ومطاعم، ولكن المهم هو التسويق بشكل مختلف، محترف ومستمر، ليصبح المتحف محركًا حقيقيًا للاقتصاد، ويصل تأثيره تدريجيًا إلى حياة المواطن اليومية، من خلال زيادة الموارد، دعم الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة. المتحف المصري الكبير ليس مجرد تحفة ثقافية، بل بوابة المستقبل السياحي والاقتصادي لمصر، اللحظة التاريخية التي شهدها العالم يجب أن تتبعها خطوات عملية، إبداعية ومستدامة. التاريخ هنا ليس فقط للعرض، بل للانطلاق نحو مستقبل مشرق، حيث يجتمع الفن، الاقتصاد، والسياحة في لوحة واحدة، تصنع مجد مصر من جديد.