يُعد افتتاح المتحف المصرى الكبير حدثا فارقا فى تاريخ الثقافة والحضارة الإنسانية، فالمتحف الجديد، الذى يُعد أيقونة معمارية عالمية، يقدم التاريخ المصرى فى عرض تفصيلى موثّق بدقة، بدءا من عصور ما قبل التاريخ وصولا إلى العصرين اليونانى والرومانى، محتضنا أعظم وأجمل كنوز مصر القديمة. أبرز مقتنياته ويُعد أيضا أكبر متحف فى العالم مخصص لحضارة واحدة، ومن أبرز مقتنياته الكنوز الكاملة للفرعون توت عنخ آمون، التى تُعرض مجتمعة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، إلى جانب سفينة خوفو الجنائزية بعد ترميمها بالكامل. ويُعتبر المتحف المصرى الكبير من أكثر المتاحف تطورا على مستوى العالم، إذ جُهّز بأحدث التقنيات والوسائل لحماية وحفظ المعروضات، كما يعتمد على التكنولوجيا الرقمية وتقنيات الترميم الحديثة للحفاظ على أكثر من 100 ألف قطعة أثرية وعرضها. وقد وصفه علماء الآثار المصريون بأنه «الهرم الجديد»، نظرا لضخامته وروعة تصميمه، ويُعد فى حد ذاته تحفة هندسية معمارية معاصرة. وقد نال المتحف جائزة «برى فيرساى» لعام 2024 للتميز المعمارى كأحد أجمل المتاحف فى العالم، وهو ليس مجرد إنجاز ثقافى عالمى فحسب، بل أيضا أحد أهم المشروعات القومية العملاقة فى مصر الحديثة، وأول متحف صديق للبيئة فى البلاد، ويأتى ضمن الإنجازات التى تمت فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى. أهمية توحيد الآثار والمقتنيات الثقافية يسلط المتحف الجديد الضوء على أهمية توحيد الآثار والمقتنيات الثقافية، إذ تواجه كل من مصر واليونان - بوصفهما دولتين عريقتين ووريثتين لحضارتين عظيمتين - تحديات متشابهة فى حماية الهوية الثقافية والحفاظ على آثارها، فهناك قطع أثرية مصرية ويونانية رمزية ما تزال خارج حدودنا الوطنية، مثل تمثال الملكة نفرتيتى فى متحف برلين، وحجر رشيد ومنحوتات البارثينون فى المتحف البريطاني. هذه القطع تمثل جزءا أصيلا من تراثنا القومى وثقافتنا التاريخية، ومكانها الطبيعى فى أوطانها، لا فى متاحف أجنبية. وعلى الصعيد الدبلوماسى، يمكن لمصر واليونان إنشاء تحالف ثقافي، أو منتدى دولى لاستعادة الآثار المنهوبة، خاصة تلك التى تحمل قيمة رمزية كبرى لشعبى البلدين. ومع التقدم التكنولوجى الحالى، مثل تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد المتطورة، يمكن للمتحف الأجنبى الذى يحتفظ بقطع أثرية رمزية أن يحتفظ بنسخ مطابقة دون مبرر لرفض إعادة الأصل لأصحابه الشرعيين، فلا توجد أعذار لاستمرار حرمان الشعوب من تراثها، إذ إن إعادة حجر رشيد، وتمثال نفرتيتى، ومنحوتات البارثينون تمثل خطوة نحو تحقيق العدالة التاريخية. إن الماضى التاريخى يُشكل ركيزة أساسية لهويتنا الوطنية المعاصرة. فالثقافة، وإن كانت عالمية فى جوهرها، إلا أنها وطنية أيضا وجزء من هويتنا الحديثة. إن إعادة الآثار إلى متاحفها الوطنية الحديثة، مثل المتحف المصرى الكبير، هى بمثابة عدالة تاريخية، ويؤكد كل من المتحف المصرى الكبير فى القاهرة ومتحف الأكروبوليس فى أثينا هذه الحقيقة: نحن فخورون بحضاراتنا القديمة، وسندافع عنها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من هويتنا الحديثة.