في دروب الحياة وميادينها التي لا تهدأ، نصادف وجوهًا مألوفة بنظرات متعالية ولهجات مشبعة بالغرور، يتحدثون وكأنهم وحدهم ورثة الحكمة، وسادة المكان، يمشون بين الناس لا كما يمشي الناس، بل كما لو أنهم خُلقوا من طينٍ لا يشبه طيننا، وكأنهم فوق البشر، لا إليهم. تتجسد الغطرسة في كلماتهم، في نبرة أصواتهم، في انحناءة حاجب أو التفاتة كتف، لا يشكرون، لا يعتذرون، لا يرون في الآخرين إلا درجات أدنى لا تستحق الاحترام، يعتقدون أن الكبر هيبة، وأن التكبر مقام، وأن التعالي دليل نجاح، بينما الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. لو أمعنت النظر في دواخلهم، ستجد هشاشة تُخفى خلف الكلمات الصلبة، وضعفًا يتقنع بالصوت العالي، وخوفًا داخليًا يُدارى في زهو مزيّف، هم في الحقيقة أشخاص فشلوا في أن يكونوا محبوبين، فاختاروا أن يُخافوا، عجزوا عن بناء الاحترام، فآثروا فرضه بالقسوة والتعالي، ظنّوا أن الكبر يُخفي النقص، وأن الغرور يُرمم ما تهدّم داخلهم. لكن الحياة أبسط من أن نحياها بهذا الثقل، نحن نمرّ سريعًا، غرباء على هذه الأرض، لا نملك منها سوى أثر طيب يظل بعد الرحيل، وكلمة حانية تسبقنا إلى القلوب، ووجه بشوش لا يُنسى. التواضع لا يُنقص من قدر أحد، بل يرفعه، والناس لا تذكر من تعالى، بقدر ما تخلّد ذكر من تواضع وابتسم ورفق. دعونا نترك خلفنا صورة إنسانية خفيفة الظل، لا مرآة مغرورة، فالحياة لا تحتاج كل هذا التكبر، ولا الغطرسة التي لا تبني شيئًا، بل تهدم العلاقات وتكسر الأرواح. أن تكون لطيفًا لا يعني أنك ضعيف، وأن تتواضع لا يعني أنك أقل، فقط يعني أنك فهمت الحياة على حقيقتها.