ما تشهده منطقة الشرق الأوسط جراء المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، وما يحدث من تعدد بؤر الصراع، وسياسة القوى العظمى في الاستثمار في الصراع، يعنى بكل وضوح أن ما يحدث تحول استراتيجي غير مسبوق، إذ تخوض إسرائيل أول مواجهة عسكرية مفتوحة مع قوة إقليمية منذ أكثر من 50 عامًا، فضلا أنها لم تعتمد على استراتيجية الحرب الخاطفة، أو الاستعانة بالولايات المتحدة بشكل كامل، أو شن حرب في ظل تعدد الجبهات، وهو ما يؤكد أن إسرائيل اليوم ليس إسرائيل الأمس، وهو ما يجب أن ننتبه إليه جيدا. ورغم هذا، فمن المؤكد أن هذا التحول يُدخل المنطقة في مرحلة غامضة مفتوحة على كل السيناريوهات خاصة أن تداعيات هذه الحرب قد تتجاوز الحدود وتطرق كافلة الأبواب، خاصة أن إسرائيل، لم تقدم على مواجهة مباشرة مع إيران، إلا بعد تمهيد طويل في سورياولبنان واليمن، لتحييد منصات الإطلاق والمخازن التابعة للحرس الثوري والميليشيات المتحالفة مع طهران، وبالتالى العملية العسكرية، ليست مفاجئة بل جاءت بعد سلسلة تحضيرات ميدانية. لذا، المنطقة كلها أمام منعطف خطير وغير مسبوق فى أزمة الشرق الأوسط، وقد تؤدى لمزيد من الاشتعال، خاصة أن تداعيات الهجوم امتد إلى الداخل الإيراني، بعد مقتل قادة بارزين إلى زعزعة المعنويات في صفوف الحرس الثوري، وقد يشجع بعض الأطراف داخل النظام على إعادة تقييم استراتيجيات الرد والدفاع، أو حتى الدخول في مواجهات داخلية حول مسؤولية الفشل الأمنى. وما يجب أن ننتبه إليه، أن المنطقة باتت ملغمة بالأخطار ليس بسبب مواجهة إيران وإسرائيل فحسب، وإنما بسبب قضية غزة ومخطط التهجير والتصفية، ما يعنى أننا فى قلب العاصفة التي تهب علينا من كل مكان، ومحاطين بكل أشكال الأزمات والصراعات السياسية والعسكرية، ما يعزز ضرورة وحدة الجبهة الداخلية فهى طوق النجاة في ظل هذه التهديدات والأخطار، فالكل يخشى أن تتحول الأزمة إلى حرب إقليمية أوسع، تشمل العراق، سوريا، لبنان، وربما اليمن، خاصة مع امتلاك إيران شبكة واسعة من الجماعات المسلحة التي يمكن تحريكها بسرعة لتنفيذ عمليات انتقامية واسعة النطاق. وبالعودة إلى ما يحدث بين تل أبيب وطهران، فمؤكد أننا أمام تحول استراتيجى، لكنها لا زالت الأمور منفتحة على سيناريوهات شديدة التباين، فإما ما يحدث يقود إلى احتواء البرنامج النووي الإيراني مؤقتًا، أو سيشعل فتيل سباق تسلح نووي مفتوح في الشرق الأوسط، في وقت تتآكل فيه ثقة الأطراف الفاعلة بالضمانات الدولية والاتفاقات متعددة الأطراف. ويبقى، التساؤل المطروح حول كيفية رد الفعل الإقليمي والدولي على ما يحدث، هل سيلعب دورًا في تحديد مسار الأحداث القادمة، أم ستقف العواصم الكبرى متفرجة على التصعيد، أم ستسعى إلى احتوائه عبر وساطات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟