سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الأمن الوطنى» يجمع معلومات عن رجال أعمال قطريين وأتراك يطلبون الاستثمار فى مصر بعد الثورة.. جهاز الأمن يؤكد: التحريات «احترازية» .. وإيران على رأس القائمة والهدف إبعاد السياسة عن الاقتصاد
علمت «اليوم السابع» أن عددا من رجال الأعمال المصريين تقدموا بشكاوى، لمسؤول أمنى بوزارة الداخلية مما أسموه الحصار المعلوماتى الذى يمارسه جهاز الأمن الوطنى على الأنشطة الاقتصادية المختلفة بعد الثورة، ونشاط عناصر من الجهاز داخل قطاع المال، خاصة مجال الاستثمارات المشتركة مع مستثمرين عرب أو أجانب، وذكرت المصادر أن الشكوى تركزت حول التفاصيل التى يجمعها الجهاز عن رجال الأعمال الأتراك والقطريين والإيرانيين، الذين قدموا للبلاد خلال الأشهر الأخيرة والذين عقدوا اتفاقات مبدئية مع رجال أعمال مصريين لبدء استثمارات مشتركة. شكاوى رجال الأعمال المصريين تضمنت تحذيرات من أن تتسبب التقارير الأمنية فى هروب الاستثمارات. لكن الجهاز رد بأن هذه الإجراءات احترازية بهدف عدم التداخل مع السياسة، مؤكدين أن دور جهاز الأمن الوطنى تغير بعد ثورة يناير، كجهاز معلومات هدفه الأساسى تقديم المعلومات فيما يهدد أمن الدولة. وأضافت المصادر أن حالة «الانفتاح السياسى» لمصر الثورة نحو دول إقليمية، ألغت بعض المحاذير التى كانت مفروضة فى عهد النظام السابق، وعلى رأسها إيران، دفعت الأجهزة الأمنية للسعى لتسليط الضوء احترازيا، على المردود الاقتصادى لهذا الانفتاح، وتحليل تلك المعلومات، ومعرفة حجم الاستثمارات وأهدافها، وكذلك التنسيق مع جهات أمنية أخرى للتحرى عن أصحاب تلك الاستثمارات، وإن لم تكن هذه الإجراءات بنفس الطريقة السابقة، إلا أن هناك حرصا على إبعاد السياسة حتى لا تتسبب فى هزات اقتصادية، مع التأكيد على أن الاستثمارات مرحب بها مادامت فى الإطار الاقتصادى. هذه المعلومات أعادت للأذهان شكل العلاقة بين جهاز أمن الدولة السابق ومجتمع رجال الأعمال فى مصر، إلى حد تكاد أن تجزم فيه بأنه لا يوجد رجل أعمال يستثمر أمواله فى مصر أو الخارج إلا وتربطه علاقة بهذا الجهاز، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتختلف طبيعة هذه العلاقة حسب اسم رجل الأعمال والدور الذى يلعبه فى الاقتصاد الوطنى، وكلما كبر هذا الدور كلما كانت العلاقة أقوى، بل تجاوز هذا الدور إلى أنه كان هناك بعض اجتماعات جمعيات مجتمع الأعمال والاستثمار فى مصر تشهد حضور أحد أعضاء جهاز أمن الدولة، دون معرفة أعضائها سبب حضوره ولا سبيل أمامهم سوى التعود عليه، ولكن دون أن يكون له دور فى اتخاذ القرارات. مع العلم أن هذه العلاقة كانت تتسع فى حالة رجال الأعمال الذين كانت لهم علاقات بالسياسة. ويمكن تلخيص دور هذا الجهاز فى البداية بعمل سيرة ذاتية عن كل رجل أعمال، تتناول تقارير عن نشاطه وحجم أعماله وعدد العمالة، وهو أمر يتم تطبيقه على العموم، وبناء على هذه التقارير يمكن تحديد العلاقة بين الطرفين وكيفية التعامل فيما بعد. وتشير المصادر إلى أن هناك مجموعة من الشواهد يمكن اللجوء إليها لفهم طبيعة علاقة أمن الدولة السابق برجال الأعمال، وأهمها دوره فى رسم خريطة هذا المجتمع خلال الثلاثين عاما الماضية، ومنح بعضهم فرصة للظهور على حساب مجموعة أخرى، وذلك وفقا لمؤشر الثقة الذى يحصل عليه كل منهم بناء على تقارير الجهاز، وخير مثال على ذلك أن أبرز رجال الأعمال الذين ظهروا خلال العقدين الماضيين غالبيتهم ممن كانوا ينتمون للحزب الوطنى المنحل، فكلهم من أهل الثقة، باستثناء قلة ممن يثبت عدم انتمائهم لأى توجهات سياسية. وهؤلاء كانت علاقاتهم مميزة وكانوا يطلبون معلومات من الجهاز أو يتواصلون معه فى القضايا السياسية، خاصة أن جهاز مباحث أمن الدولة، كان يتحكم بدرجة كبيرة فى الأحزاب السياسية وتداخلاتها مع رجال الأعمال، كما كان بعض رجال السياسة لهم استثمارات ويجمعون بين الدورين السياسى والاقتصادى، ومن الحزب الوطنى كانت هناك قيادات من رجال الأعمال، وعلى رأسهم كان أحد عز، أمين تنظيم الحزب الوطنى، الذى عرف بأن له علاقات واسعة مع جهاز مباحث أمن الدولة، بحكم موقعه كأمين للتنظيم فضلا على علاقاته المالية الواسعة، وهو ما كان يجعل له علاقة مباشرة مع رئيس جهاز أمن الدولة اللواء حسن عبدالرحمن، وأيضا وزير الداخلية حبيب العادلى. وحسب معلومات توصلت إليها «اليوم السابع» فقد كان جهاز أمن الدولة يتولى تحديد الخلفية السياسية لرجل الأعمال وطبيعة نشاطه، وهو ما أكده الدكتور عادل رحومة، أمين عام مجلس الأعمال المصرى القطرى، وقال إن جهاز أمن الدولة تربطه علاقة مشروعة بمجتمع الأعمال والاقتصاد، حيث يقوم بتحديد مساره وطبيعة نشاطه وهذا أمر طبيعى ينطبق على كل من يلعب دورا فى الاقتصاد الوطنى، كل حسب وزنه وثقله الاقتصادى، وأضاف رحومة، أن الانتماء السياسى كان عادة ما يؤخذ فى الاعتبار، حتى تتم مراقبة التزامه بالعمل وفقا للقانون من عدمه. وأشار رحومة إلى أن جهاز أمن الدولة سيظل كما هو، بصرف النظر عن تغيير الاسم إلى جهاز الأمن الوطنى، وذلك باعتبار أن الأمن الاقتصادى هو أحد أوجه أمن الدولة فى العموم. ويمكن تصنيف رجال الأعمال إلى فئة تنتمى لأهل الثقة، وأخرى يمكن وصفها بمن هم من المغضوب عليهم تبعا للنظام السياسى، والفرق بين الفريقين كبير فى المعاملة، فأهل الثقة عادة ما يكلفون بالقيام بمهام سياسية تخدم المصلحة العليا للبلاد فى بعض الدول مثل الدول الأفريقية، حيث حكى أحد كبار رجال الأعمال المصريين فى جلسة لأحد المقربين منه، أنه يقوم بتحمل تكاليف حضور بعثات تعليمية من بعض الدول الأفريقية سنويا للحفاظ على التواجد المصرى فى تلك الدول التى تعد أحد عناصر الأمن القومى للبلاد. وعلى العكس من ذلك ما حدث مع أحد كبار رجال الأعمال تتجاوز استثماراته المليار جنيه، فقد كان ومازال يصنف ضمن فئة المغضوب عليهم من النظام السابق، بناء على الخلافات التى تراكمت بينه وبين عاطف عبيد، رئيس وزراء مصر الأسبق، منذ أن كان يشغل منصب وزير قطاع الأعمال، بسبب دعم عبيد لسياسة تسعير شركات القطاع العام للسلع التى تقوم ببيعها بما يدعم ربحيتها على حساب السعر النهائى للمستهلك. واضطر رجل الأعمال فى إحدى الصفقات الخاصة لبيع أحد مصانعه إلى أن يبادر بدعوة أحد أعضاء جهاز أمن الدولة السابق لحضور إحدى الجلسات التحضيرية للصفقة، حتى يكون على اطلاع بكل ما يدور فى صفقة البيع، لمجرد أن أحد أطرافها أحد المستثمرين العرب الكبار، ويضمن رجل الأعمال فى المقابل أن تمر مفاوضات الصفقة بشكل جيد حتى انتهى من بيع المصنع. هناك شاهد آخر على دور جهاز أمن الدولة فى مجتمع رجال الأعمال، وهو أن العلاقة بين أمن الدولة واستثمارات من ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين ملتبسة، وبدا أن استثمارات أعضاء الجماعة كانت غائبة، أو تتم من خلال ترتيبات متداخلة وخلال فترة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، كانت هناك مضايقات أمنية يتعرض لها أعضاء الجماعة على المستوى السياسى وعلى مستوى العمل الاقتصادى، بسبب انتمائهم لجماعة كانت تعتبر فى ذلك الوقت «محظورة» فى نظر النظام السابق، وكانت هناك اتهامات لرجال الأعمال الإخوان بخلط الاقتصاد بالسياسة والجماعة، وهو ما ترتب عليه فى المقابل لجوء أعضاء الجماعة إلى العمل بالتجارة والحصول على بعض التوكيلات التجارية أمثال خيرت الشاطر وحسن مالك، بالإضافة إلى عدم ظهور منشآت اقتصادية كبيرة أو مؤثرة يمكن أن تنسب إلى أحد أعضاء الجماعة، قياسا بأعضاء الحزب الوطنى السابقين أمثال أحمد عز أو إبراهيم كامل. لجوء أعضاء الجماعة إلى العمل التجارى لا يمكن اعتباره أمرا اختياريا، بالنظر إلى التجارب التى شهدها بعض أعضاء الجماعة فى دخول القطاع الصناعى وباءت بالفشل، ولعل أبرزها الأراضى التى تمت مصادرتها من رجل الأعمال حسن مالك فى عهد المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، بدون أسباب معروفة. كان لجهاز أمن الدولة دور كبير فى متابعة تنفيذ اتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل، خاصة أن هذا الاتفاق كان يقضى بوجود خبراء من الجانب الإسرائيلى إلى مصر من وضع الترتيبات اللازمة لتوفير المكون الإسرائيلى المطلوب، وفقا للاتفاقية قبل تصدير المنتجات إلى السوق الأمريكية، كما طالت هذه الترتيبات غالبية المصنعين المصريين العاملين فى قطاع الملابس الجاهزة. وبالنسبة للاستثمارات العربية فى مصر، يحظى جهاز أمن الدولة بحضور لا بأس به فى تنظيم تعاملات رجال الأعمال المصريين مع بعض الدول وفقا للمواءمات السياسية للدولة، ومنها على سبيل المثال إسرائيل وإيران، فكل رجل أعمال يرغب فى التعامل التجارى مع هاتين الدولتين يجب أن يكون ضمن أهل الثقة نظرا لحساسية التعامل معهما، وإلا فلن يتمكن من الحصول على الموافقات اللازمة للتبادل التجارى على الإطلاق. وتلعب التوازنات السياسية دورا كبيرا فى تسهيل مرور الاستثمارات العربية إلى مصر، وبالرجوع إلى واقع الاستثمارات الإيرانية فى مصر فهى تواجه مشكلة كبيرة نتيجة رفض الجهات الأمنية منح تأشيرات لرجال الأعمال الإيرانيين لزيارة مصر، وهو ما أكده فى وقت سابق مجتبى أمانى القائم بأعمال السفارة الإيرانية فى القاهرة بأن المستثمرين الإيرانيين أعربوا عن ترحيبهم بضخ استثمارات إيرانية فى مصر بعد الثورة، إلا أن هناك مشاكل تعوق حصولهم على تأشيرات الدخول. وفى المقابل أكد أحد أعضاء الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، أن الاستثمارات الإيرانية فى مصر دائما ما تتوقف على طبيعة علاقتها السياسية مع دول الخليج العربى وخاصة دولة الإمارات سلبا وإيجابا، مما يفسر المشاكل التى تواجه المستثمرين الإيرانيين على تأشيرات الدخول والموافقات الأمنية اللازمة لذلك، نظرا لتصاعد الخلاف السياسى القائم بين الدولتين على جزر الإمارات، وحرص الحكومة المصرية للحفاظ على استثمارات دول الخليج فى مصر. وتظهر أرقام الاستثمارات المتبادلة بين مصر وإيران، أن هناك تواضعا كبيرا فى حجم الاستثمارات الإيرانية القائمة حاليا فى مصر، وكانت العلاقات بين القاهرة وطهران قد مرت بتأرجح كبير ما بين تصريحات وشد وجذب بين الطرفين، ووعود بفتح صفحة جديدة فى العلاقات، لكنها لم تتوج بتطبيع كامل للعلاقات بين البلدين، ومن بين هذه الوعود التصريحات التى جاءت على لسان السيد العقيلى مدير الشركة العربية للصناعة والاستثمار بعد ثورة 25 يناير، بأنه تم الاتفاق مع الوزراء المعنيين على دخول استثمارات إيرانية تبدأ ب 5 مليارات دولار، وأنه تمت الموافقة لأول مرة على دخول المستثمرين الإيرانيين إلى مصر، وهو ما لم يحدث حتى الآن رغم مرور أكثر من 4 أشهر على تلك التصريحات. وفى المقابل يقدر إجمالى الاستثمارات الإماراتية فى مصر نحو 18.4 مليار درهم، بما يوازى 5 مليارات دولار وفقا لتقديرات الدكتور محمود عيسى وزير الصناعة والتجارة، موزعة على استثمارات فى قطاع العقارات ويمثلها فى هذا الإطار شركة إعمار مصر وداماك العقارية.