جلستُ أشاهد ما يجرى فى عالمنا العربى من أحداثٍ عشتها وعاصرتها، أحداث الربيع العربى فى تونس وفى مصر وفى ليبيا وفى سوريا، فى كل الأقطار العربية، وقلت: ما سبب ذلك؟ وخلصت إلى أن الكلمة هى السبب وراء كل هذا. تسألنى وتقول: الكلمة؟! أقول: نعم، الكلمة. الكلمة لو كانت صادقة ممن حكمونا وتبعها سلوك طيب لما حدث كل ذلك، ولكن لأن مَنْ أدار دفة الحكم فى بلادنا العربية كانوا غير صادقين وتعلموا أن يسرقوا الكلام ويزينوه لنا جاء الربيع العربى.. كما أطلقوا عليه. يا سادة.. الكلمة أمانة.. الكلمة الصادقة هى المشعل الحقيقى لحياتنا على وجه البسيطة.. صدقونى، الأستاذ فى الجامعة يُعلم الصدق والقول الفصل والبيان، ولكن على أرض الواقع يعيش الشباب فى حالة توهان. فإن كنا قدوة صالحة لأطفالنا وعلمناهم الصدق وعلمناهم القيم والمبادئ لكان الناتج علينا أجمل بكثير، ولكننا لا نُبالى بالكلام أمام أطفالنا، بل نفرح بكلامِ تافه وفارغ أمامهم. قال تعالى فى محكم كتابه الكريم: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاء (24) تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ". الكلمة الطيبة على نفوس الآخرين بلسم شافٍ لقلوب المكلومين، الكلمة الصادقة دواء ربانى لامتصاص الغضب والحقد من قلوب الآخرين. الكلمة الطيبة تطمس ملفات الماضى وتفتح ملفًّا جديدًا عنوانه: الحب والخلق الفاضل. الكلمة الطيبة عند خروجها لا تحتاج إلى تأشيرة سفر ولا دفع مبالغ لتصل إلى القلوب. الكلمة إن خرجت من صادق فإنها تُضمِّد الجرح، وهى لمسة رائعة.. ثم إنها تغير لون الحياة، فهذه الكلمة متى انتشرت بين قلوب كل البشر تسعدهم. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". وقال على بن أبى طالب كرم الله وجهه: "إذا تم العقل نقص الكلام". وقال أيضًا: "بكثرة الصمت تكون الهيبة". وقال عمرو بن العاص: "الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل". وقال لقمان لولده: "يا بنى إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك". يقول اللسان للجوارح كل صباح ومساء: كيف أنتن؟ يقلن: بخير إذا تركتنا. وقال وهب بن الورد: "بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها بالصمت، والعاشر فى عزلة الناس". وقال على بن هشام: "إذا لم يكن صمت الفتى عن ندامة ووعى فإن الصمتَ أولى وأسلمُ". وقال الإمام الشافعى رحمه الله: "إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر فى كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم وإن شك لم يتكلم حتى تظهر". وقال أيضًا لصاحبه ربيع: يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. وقيل أيضًا: مثل اللسان مثل السبع إن لم توثقه عدا عليك ولحقك شره. وقال شاين تروت: الكلمة أسيرة فى وثاق الرجل فإذا تكلم بها صار فى وثاقها. إن الكلمة بقيمتها هى الباقية بقاء الزمن، فما أحلى الكلام الطيب والجميل بين بنى البشر أجمع! ولعل الفطرة السوية للبشر أبلغ من أى شىء.