«النُص» من بين الأعمال التى تلفت النظر فى دراما رمضان هذا العام، وهو من بين أعمال ناجحة من إنتاج الشركة «المتحدة»، فى أحد أكثر المواسم نجاحا، من حيث المضمون الجيد الاجتماعى والدرامى المتنوع، بعيدا عن دراما الكومباوند والشحات، التى سادت لفترة، وأغلب الأعمال تعتمد على بطولات متنوعة وليس على نجم أوحد محتكر، غالبا ما يفشل، بينما تكسب الأعمال التى تقدم وجوها متعددة، ومباريات فى التمثيل تصب فى النهاية لصالح المتعة والتشويق. «النُص» يقوم على عدة عناصر مهمة، يمكن أن تحمل كل منها أحد عناصر الدراما الجيدة، وربما يكون أول عنصر فى هذا العمل بطله الأساسى أحمد أمين، وهو ممثل مجتهد، نجح خلال سنوات فى أن يخط لنفسه طريقا مميزا من التمثيل السهل الممتنع، ومن دون أن يتحول إلى «كاراكتر»، مثلما جرى مع نماذج ابتذلت نفسها بالتكرار والإلحاح. أحمد أمين جاء من عالم الشوشيال ميديا، ونجح فى تقديم نفسه من محتوى ساخر وفكاهى اجتماعى، بذل فيه جهودا فى الإعداد، وإن كان قد اعتمد على بعض العناصر المنقولة من الشوشيال ميديا، وانتقل إلى عالم التليفزيون، وحرص على أن يطور أدواته، لأن عالم مواقع التواصل لا يصلح للشاشة التليفزيونية، قضى أحمد أمين فترة يقدم كاركترات حتى وجد طريقه لإبراز قدراته فى «جزيرة غمام»، حيث قدم دورا كتبه عبدالرحيم كمال، ونجح فى إبراز قدراته، وأخيرا فى مسلسل «النص»، قدم دورا كوميديا واجتماعيا، فى عمل تجمعت له عناصر النجاح، وأهمها إنهاء دور البطل الأوحد والنجم المحتكر. تضمن «النص» مباراة فى التمثيل، قدم فيه حمزة العيلى «درويش» وهو بالفعل فنان كبير وقدير، وأسماء أبواليزيد «رسمية» لها خبرة سابقة مثل صدقى صخر «علوى»، الذى يتقدم بشكل كبير من صوت وصورة، دنيا سامى «عيشة» وهى فنانة كوميدية ممتازة سبق وقدمت أعمالا مختلفة، نجحت فيه بشكل لافت فهى لا تخترع الفكاهة فى العمل لكونها طبيعية، أما عبدالرحمن محمد، فقد أبدع فى تقديم شخصية «زقزوق» بشكل لافت يشير إلى مولد كوميديان كبير. أما أحمد أمين فهو بالفعل أصبح متمكنا من أدواته، بجانب أنه يتيح مساحات لزملائه بما يضفى على العمل طعما جماعيا، وإن كان بعض النجوم يضايقهم القول إن البطولة جماعية، بالرغم من أن الأداء الجماعة يضاعف من شكل وعمق دور البطل، بينما ضاع نجوم كبار بسبب الإصرار على تصدر المشاهد، وبعضهم لم يشعر بوجود أحدهم هذا الموسم. أحمد أمين فنان لم يبتذل نفسه مثلما جرى مع آخرين تحولوا إلى كاركترات مملة. مسلسل «النص» يعتمد على معالجة درامية مستوحاة من وقائع تاريخية، ويستلهم أحداثه من كتاب «مذكرات نشال» للباحث التاريخى أيمن عثمان، وهو من تأليف شريف عبدالفتاح، عبدالرحمن جاويش، وجيه صبرى، إخراج حسام على، وهنا نشير إلى إحدى النقاط المهمة فى بناء أعمال ناجحة، وهو النص، سواء كان أدبيا أو قصصا تاريخية، مثلما سبق وتم إنتاج أفلام من قصص على الزيبق، أو جحا، وأيضا حكايات تاريخية مثل «ريا وسكينة» عن النص العظيم للكاتب الكبير صلاح عيسى، وكانت لفتة جيدة الإشارة إلى النص الأصلى الذى حققه ونشره أيمن عثمان. «النُص» الذى يروى قصد عبدالعزيز «النُص»، اللص المعروف الذى سجل مذكراته، وانتقاله من نشال إلى لص اجتماعى، أو روبن هود أو الزئبق، وهى نماذج تتوفر فيها عناصر التاريخ مع الفكاهة أو الدراما، ونجح فريق الكتابة والإخراج فى تقديم عمل متكامل، وهناك إشارة إلى جزء ثان من العمل. نحن أمام عمل كبير ممتع، كوميدى بدون مبالغة، يجمع بين الكتابة الجيدة والتمثل والإخراج فى فريق ناجح وموفق.