بعد وفاة علىّ رضى الله عنه بايع الناس الحسن بن علىّ للخلافة، فأمست وأصبحت القبائل والأمصار ترسل بيعتها للحسن. ولم لا وهو الحسن بن علىّ الذى ورث من جده صلى الله عليه وسلم كثيرًا من صفاته فكان الأكثر شبهًا خُلقًا وخليقة به صلى الله عليه وسلم؟! زهد الحسن فى الخلافة فدان له وبايعه الناس جميعًا إلا قليلاً، هم أتباع معاوية، ليس رفضًا لشخصه بل لخلافهم على القصاص من قتلة عثمان أولاً، فصمم الناس على تسلمه زمام الخلافة. كادت أن تندلع حرب بينه وبين معاوية فتواعدا على مكان الاقتتال فى (مسكن) بناحية الأنبار. كان الحسن حريصًا على المسلمين وعدم تفرقهم، وكان أشد حرصًا على توحيد كلمتهم وتوحيد صفوفهم وإنهاء الفتنة وإراقة الدماء، فتنازل عن الخلافة لمعاوية بالرغم من مبايعته من غالبية الأمصار، فضلاً على التفاف صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حوله، لم يجزم الحسن بأنه الأصلح وأنه لن ينصلح حال العباد والبلاد إلا به، رغم أنه كذلك. لم ينسَقْ أنصاره بدون تفكير أو بدون وعى فى ضرورة إسناد الحكم له وإلاَّ، بل فضلوا مصلحة الأمة على مصلحتهم ورغباتهم الشخصية حتى وإن كانوا يرونها عين الحقيقة. وبنظرة على واقعنا فأبو إسماعيل وأنصاره أقاموا الدنيا على رأسها، وكأن الهلاك سوف يحل بنا إذا لم يكن رئيسًا، ونسى الجميع أن طالب الإمارة لا يؤمَّر، وبفرض أن روايته صادقة فلا مبرر لتهديداته لأمن البلاد وهى على هذه الحال من الوهن، وإن كذبت روايته فالدنيا كلها لا تستحق أن يخسر الإنسان نفسه أو دينه أو تتعلق دماء فى رقبته، قد تكون ولادة لسياسى له بعض أنصارٍ، ولكنها وفاة لرجل دين للعالم كله. أما عن بقية المرشحين من ذوى الاتجاهات الثورية فجميعهم اتفقوا على الثورة، فكلهم ولد ليكون رئيسًا وليس نائبًا، كما صرح كثير منهم، مع أن خدمة الوطن لا تتطلب بالضرورة موقعًا رسميًّا. فليقتدِ الجميع بالحسن ليكونوا لنا لا علينا، فبإصرارهم على أنانية الرئاسة سوف يفوز بها رئيس من الفلول. وسلم لى على الثورة.