الخطوات الصغيرة، هى خطوات الطفل الذى يتعلم المشى، وهى أيضاً خطوات الشيخ الذى يدور به الزمن، حتى يعيده للطفولة من جديد. لكن الطفل الصغير يمشى على أنغام صوت أمه الحنون، وهى تغنى له «تاته تاته» بأنغام عذبة، الطفل يبدأ حياة، والعجوز ينهيها وحيداً، لكن العجوز لا يستسلم لمصيره، ويحاول أن ينتزع السعادة، حتى ولو للحظات قليلة وبخطوات صغيرة، وحول خطوات العجائز، وحياة العجائز تدور المسرحية الغنائية، التي شاهدتها أخيراً فى ضاحية من ضواحى باريس «الخطوات الصغيرة». مسرح صغير قديم، تفتح فيه الستارة على سماء زرقاء متعددة الدرجات، هى الديكور الذى لا يتغير طوال العرض، كالزمن الذى يمتد ولا يتوقف. أما العرض، فيعتمد فقط على الرقص والغناء. والحوار يتم عن طريق الرقص والغناء أيضاً، والأبطال جميعاً عجائز، المغنون والمغنيات، والراقصون والراقصات وحتى الموسيقيون، والمخرج، وكاتب السيناريو الجميع من الرجال والنساء عجائز، ورؤوسهم مكللة بالشعر الأبيض. والعرض يبدأ بالموسيقى التى تستدعى أبطال المسرحية، الذين اجتمعوا للاحتفال ببلوغ أحدهم عامه الثمانين، وقد راعى المخرج فى الموسيقى التى ألفت خصيصاً لهذا العرض، أن تكون بسيطة سلسة، نغمات وديعة رقيقة تذكرنا بالألحان القديمة، وإيقاعات هادئة متأملة. ثم يتقدم أحد أبطال العرض ليغنى بصوت متهدج، وبأسلوب يذكرنا بأغانى أوائل القرن العشرين: أنا وحيد هذا المساء وحيد مع أحلامى لا حب، ولا أمل الشتاء هو بلدى ثم يختفى لتظهر مغنية فى حوالى السبعين من عمرها ترد عليه: لو تركتنى ورحلت ستحزن الدنيا! وفجأ يظهر المحتفى به شيخ فى الثمانين من عمره، شعره رمادى، ولحيته رمادية أيضاً، يبدأ أغنيته بوقار من طبقات منخفضة، ثم يرتفع ويرتفع، حتى يصل إلى طبقات لا يستطيع أن يصل إليها المغنون الشباب فى هذه الأيام.وخلال هذا يتسارع الإيقاع، وتتحول الخطوات الصغيرة إلى خطوات واسعة، وينقلب المشى إلى رقص يشارك فيه الجميع.