ستجد فى هذه السطور أموراً صارت قديمة وربما منسية لا تتعجب فهى مركونة منذ سنوات، ذكرنى بها النجاح الكبير لفيلم "شارع الهرم" وسط اكتساح الإسلاميين للانتخابات، بحثت عن السطور فقط لأتساءل هل نحن فى وطن سريالى فعلاً أم أنه يقبل التغير فى أى شيء ما عدا التغير ذاته؟ وهل تستطيع الحالة الراهنة من الحوار، الثورى أحيانا، أن توحد خطوط الطيف أم أنها تنتج حالة أخرى من التداخل. من الصعب جداً أن تتيح لك الأيام فرصة للتأمل فى أحوال هذا الوطن، ومن الأصعب أن تتجاهلها. إنها تقهرك وتجبرك على التفكير فيها، وتضطرك إلى التأمل الذى لا تجنى منه إلا وجع القلب ومصمصة الشفاه من الحيرة والتعجب والألم،ووجع الحلم، تتعجب جدا من أعداد السيارات "الزيرو" التى جعلت مرور القاهرة صعبا للغاية، ولكن لا زال المواطنون يقفون على قدم واحدة على سلم الأوتوبيس الذى ألغى" الأبونيه"، ومدارس اللغات والمدارس الدولية والخاصة تتزايد على نحو غريب بينما مدارس الشعب العظيم والحكومة الحسَّاسة يقبل الفصل فيها 100 طالب فى بعض الأحيان. وطوابير السينما (والتذكرة ب15 لحلوح على الأقل) تنافس فى طولها طوابير العيش أبو خمسة صاغ (إن وجد) وتزايد العشوائيات لا ينافسه سوى زيادة المدن الجديدة والساحلية والقصور الفخمة حتى أصبح (الكومبوند) فى عرف البعض(بيئة)، والمستشفيات ب100 ألف جنيه فى الليلة تزدحم مثل غيرها اللى ب100 متوفى يوميا من الإهمال، وإنفاق المصريين (الغلابة) على رسائل ليلة العيد يكفى لرعاية أطفال الشوارع. أما إنفاقنا على الدروس الخصوصية (فى مجتمع أمي) أو (الكيف) (بحثا عن بهجة مزيفة) فتكفى ل(تعمير)الصحراء،الصوفيون والشيعة لهم نصيب السلفيين والإخوان، والذين يذهبون للحج والعمرة سنويا لا يقل عددهم عن المرتشين. كانتونات لا رابط بينها.. ويا داخل مصر منك ألوف.. مجتمع سريالى للغاية.يصعب أن تختار زاوية للتصوير أو لونا للفرشاة، فهل أضاف هذا التنوع شكلا من الحيوية والتنوع؟ أم أنه ينطوى على الإهمال والتداعي؟وهل يبشر بالانتظام تحت الفرع الأكثر رفاهية أم أنه ينذر باتساع المسافة بينهما؟ هل نحن فى أكثر من دولة؟ وهل يؤدى هذا التنافر إلى الانتماء أم إلى الخوف منه؟وهل كوباية الشاي (فاكهة الغلابة) محلاة ببعض المشاهدة لأمور الحياة ستظل حظ الأغلبية ونصيبهم من هذا الوطن؟ تبدو الحوادث نوعا من ترمومتر المجتمع.إنها بلا أقنعة فإذا أردنا قراءة مجتمع لا يحظى بحرية الرأى فربما كانت صفحة الحوادث دليلا عليه وإذا قرأنا بعضها بانت نتائج هذا التنافر الذى لم نتكلفه.ولن نتكلم عن الجرائم الكبرى...أغذية مسرطنة...أكياس دم مغشوشة...تجارة أعضاء...تسريب امتحانات...زراعة مخدرات عينى عينك...غرق عبارة..حوادث مترو ...سقوط كبارى ولن نلتفت إلى الجرائم المتوسطة المدى مثل.. قتل الأزواج.. أو أطفال الشوارع.. أو.. التوربيني.. أو....ولكن نريد بعض الحوادث الأكثر صلة بما نرصده من تنافر.عم يقتل ابن أخيه بعدما ارتكب معه الفاحشة، أب يقتل ابنه الرضيع لأنه لم يكف عن البكاء بعد عودة الأب من عمله(فترتين أو3 الله أعلم)،جار يقتل جاره بسبب لعب الأطفال،زوج يقتل زوجته ليتزوج أختها.إن أسباب الجريمة فى مصر صارت أكثر تفاهة وتنفيذها أصبح أكثر عنفا بتعبير خالد منتصر. المأساة الأكبر فى أننا كنا نسمع عن مثل هذه الجرائم من سنوات قليلة فنندهش ولا نستوعب،ونضرب كفا بكف، وربما لا نطيق تفاصيلها، ولكن تكرارها أصبح طاردا للدهشة ومدخلا لقبولها. لقد تعودنا على هذه الجرائم فتقبلناها لكن الفاجع هو عدم الدهشة منها، وأرحنا أنفسنا وقلنا إنها حالات فردية وهى وجهة نظر كاذبة خاطئة لأنها تتكرر وإن اختلفت أشكالها وأصبحت تمس الأقارب والأب والأم والعم والخال وربما الأخ.إنها القطة التى أكلت عيالها وأصبحت نوعا جديدا من البلايا المضطردة، ومن يعلم بالحال بعد أيام فى ظل التغير الأسرع من الصوت والضوء معا؟حتى إن التحول والتبدل إلى الأسوأ أصبح الوحيد الذى لا يطوله التغير.كنا نتباهى بعلاقاتنا الاجتماعية القوية (والحديدية) ولكن (احتكار) الحديد (الذى لا يزال تبع "عز"!) ربما أثر عليها. انتقلت الحوادث إلى الصفحة الأولى فبان ما يعرف بالانفلات الأمني؛ لتصدير فزاعة معينة. وليس غريبا ألا يظهر أيام الانتخابات إذا اقتنعت بالرأى الوجيه لعبد المنعم أبو الفتوح،وحديثه عن "الزرار".