عندما يكون الحديث عن السلفية فالمقصود هو المنهج لا الأشخاص، فالسلفية منهج له رؤية وأهداف واضحة أخبرنا بها محمد صلى الله عليه وسلم وترك لنا أن نختار الأسلوب الذى نطبقه وفقاً لما يتناسب مع معطيات الزمان والمكان الذى نحيا فيهما فهو منهج منبثق من السنة النبوية الشريفة لإدارة الدولة ، هذه هى العقلية المحمدية المنفتحة المدركة لحقائق الأمور والصالحة لكل زمان ومكان حيث قال تعالى " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ". أما عن الأشخاص فهناك من أخذوا عن السلف الصالح ما صلح من فتاوى فى زمانهم وليس فى زماننا وهؤلاء لم يدركوا ماهية المنهج السلفى وأنه جاء متكيفاً مع متغيرات كل زمان ومكان ولم يكن جامداً على الإطلاق وهذا لا يسىء أبداً إلى السلفية لمن يعلم ولمن يدرك قيمتها. الفكر الإسلامى وما يطلق عليه بالفزاعة التى تخيفنا طوال عقود هو منهج جامع وشامل من وسط اليمين إلى وسط اليسار فهو تيار محافظ لمجتمع أخلاقى وهو تيار ديمقراطى يأمرنا بالتشاور وأن نستمع لبعضنا البعض وهو ليبرالى يدعو للحرية بحدود ورأسمالى يحث على العمل والتجارة واشتراكى يعول ويكفل الفقراء والمساكين وهو قومى ينادى للوحدة لأصحاب الهدف الواحد والرؤية المشتركة. الفكر الإسلامى لم يكن أبداً متطرفاً أو فوضويا فهو منذ 1400 عام لم ينبذ فكرة واحدة بناءة بل دعا إلى كل أفكار اليوم قبل أن يدعو لها أصحابها الحاليون ولن أأخذكم ببعيد سأخذكم إلى صاحب الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتعايشه مع نصارى نجران ويهود المدينة فإن كان محمد " صلى الله عليه وسلم" لم يُكره أحداً منهم على اعتناق دينه فماذا هو فاعل مع بنى وطنه من غير المسلمين والمسلمين؟ هل سيكرههم على اتباع منهجه؟ وهو من قال مبلغا عن ربه " لا إكراه فى الدين "هل كان سيدعو إلى العصبية والانقسام وتخوين بعضنا البعض؟ وهو من وأد العصبية وقال " ليس منا من دعا إلى عصبية " وقال عن ربه: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " أم أنه كان سيتجبر بالسلطة وقوتها؟ وهو من قال " الناس من آدم وآدم من تراب". هل سيكون من أهم سمات حكمه الظلم؟ وهو من قال لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن " اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " وقال عن ربه " اعدلوا هو أقرب للتقوى " أم كان سيستأثر بالسلطة ويكون الديكتاتور الأوحد؟ وهو من قال عن ربه " وأمرهم شورى بينهم " وقال تعالى: " وشاورهم فى الأمر " وقال لأصحابه فى كثير من المواقف " أشيروا على "هل كان سينحاز إلى طبقة الأغنياء ويجعلهم حاشيته ومن المقربين؟ وهو من فرض الزكاة على الأغنياء وقال عن ربه " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " وهل كان سيهدر كرامتنا؟ وهو من قال عن ربه الكريم " لقد كرمنا بنى آدم " وهو من وقف احتراماً لجنازة يهودى وقال لأصحابه " ألم تكن نفساً " وهل كان سيقطع علاقاته بدول العالم لأن أغلبهم من غير المسلمين؟ وهو من أرسل المهاجرين إلى الحبشة ليحتموا بحاكم عادل وغير مسلم وقال الله عز وجل فى الرسول الكريم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " وقال عن الله عز وجل " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " أم كان سينكث عهده ممن عاهدهم من الدول الأخرى؟ وهو من قال " لا دين لمن لا عهد له " وقال عن ربه الجليل " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " أم سيكون تابعا اقتصاديا إلى دول العالم الخارجى ويعتمد على الاستيراد؟ وهو من قال " ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده " هل كان سيهدر حقوق العمال ويقوم بتشريدهم من مصانعهم وأراضيهم؟ وهو من قال " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " وهل كان سيسود فى ظل حكمه الرشوة والفساد؟ وهو الذى قال عن ربه " سماعون للكذب أكالون للسحت" وقال الرسول الكريم " الراشى والمرتشى فى النار" وقال"ومن يغلل يأتى بما غل يوم القيامة" وهل فى النهاية كان سيضع حصانة قضائية لعدم محاكمته ممن لهم حق عنده؟ وهو من قال " من كان له حق أو خصومة فليقتص أو يتحلل" وكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم. ياسادة ما ذكرته لم يكن دينا وشرعا فحسب بل هى عين السياسة والتى هى بطبيعة الحال أداة من أدوات الدين لا انفصال تدعو إلى المشاركة والعمل وأن نستمع إلى بعضنا البعض لا أن نتناحر ونخون بعضنا فهدفنا واحد وهو صلاح ونهضة ورفعة الأمة. ليست هذه المقالة دعوة إلى أشخاص سلفيين أو إخوانيين أو ليبراليين أو غيرهم من أصحاب الأفكار أو التيارات المختلفة إنما إيضاح لمنهج يتم انتقاده انتقاداً لاذعاً وهو برىء من أشخاص يشوهون صورته ليل نهار وبرىء من أشخاص ينتقدون ولا يعلمون. هى دعوة إلى الفكر والإطلاع ومادام علينا أن نتكلم فعلينا أن نستمع ومادام علينا أن نفكر فعلينا أن نقرأ ومادام علينا أن نختار فعلينا أن نعطى لأنفسنا فرصة لتجميع أفكارنا بأسلوب منطقى.