نقلا عن اليومى أعاد إمبراطور الإعلام البريطانى روبرت مردوخ، رئيس مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، الحياة من جديدة للصحافة المطبوعة التى تواجه تدهورا فى مواجهة الصحافة الإلكترونية حينما وقف الأحد الماضى فى المطبعة ليشرف بنفسه على إنتاج أول نسخة من صحيفة «صن أون صنداى»، العدد الأسبوعى لصحيفة «ذا صن» الشعبية الأكثر مبيعا فى بريطانيا، بعدما سبق أن أغلق فى يوليو الماضى صحيفة «نيوز أوف ذى وورلد» عقب اندلاع فضيحة التنصت. مردوخ، الأسترالى الأصل، راهن على نجاح النسخة الأسبوعية من صحيفته المفضلة «ذا صن» وسط المخاوف المنطقية التى راودت العاملين بالصحيفة، ولم يكن سوى مردوخ الوحيد القادر على إنجاح خطته، خاصة فى ظل المعوقات التقليدية التى تواجه الصحافة المطبوعة فى مواجهة الصحافة الإلكترونية، بالإضافة إلى سبب خاص بمردوخ نفسه، وهو سلسلة التحقيقات التى طاردت إمبراطوريته بعد إغلاق «نيوز أوف ذا وورلد» على إثر فضيحة التنصت على الهواتف التى اكتشف مؤخرا تورط العاملين بصحيفة مردوخ الأسبوعية فيها بشكل دورى، بالإضافة إلى تورطهم فى دفع رشاوى لرجال الشرطة للحصول على معلومات حصرية، بالإضافة إلى تورط عشر صحفيين سابقين وحاليين ب«ذا صن» اليومية فى تلك التحقيقات، واتهامهم بدفع رشاوى بشكل دورى للشرطة. «الخطوة التى اتخذها مردوخ كانت متوقعة، حيث أراد أن يطلق النسخة الأسبوعية من «ذا صن» سريعا بعد إغلاق «نيوز أوف ذا وورلد» فى يوليو الماضى، ومن الواضح أن المديرين التنفيذيين للشبكة الإخبارية التى يملكها فى نيويورك، والتى تملك الصحيفتين أقنعوه بعدم تنفيذها وقتها خوفا من التأثير السلبى لهذا القرار على أعمال مردوخ فى مجال الإعلام»، هكذا قال الخبير الإعلامى البريطانى تشارلز ماكجى ل«اليوم السابع». وأضاف ماكجى أن اتخاذ مردوخ لقرار إطلاق صحيفة «ذا صن أون صنداى» فى وسط تحقيقات ليفنسون حول معايير مهنة الصحافة، وفى نفس الوقت الذى تم فيه التحقيق مع عدد من صحفيى الجريدة حول ممارسات فاسدة أثناء عملهم، كان بمثابة «مفاجأة». ولكن مردوخ اعتاد أن يبنى مستقبله المهنى على المفاجآت، على حد قول ماكجى الإعلامى السابق بهيئة الإذاعة البريطانية وصنداى تايمز، حيث أضاف ماكجى أن هناك العديد من الأسباب التى جعلت بارون الصحافة البريطانية مصرا على إطلاق النسخة الأسبوعية من صحيفة «ذا صن»، أبرزها اقتصاديا، حيث كانت صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» الأسبوعية التى أُغلقت هى أكثر الصحف مبيعا فى بريطانيا، لأنها كانت تحقق حوالى مليون جنيه إسترلينى من عوائد الإعلانات أسبوعيا، وربما يفسر ذلك نجاح مردوخ فى تقديم خلطة متكاملة فى الصحيفة الأسبوعية مع تقليل سعرها إلى 50 بنسا فقط بدلا من جنيه إسترلينى السعر المتعارف عليه للصحف الأسبوعية ليضع تحديا جديد أمام منافسيه من الصحف الأخرى التى اضطرت إلى خفض سعرها للبقاء داخل دائرة المنافسة مثل «صنداى ميرور» التى خفضت سعرها إلى 50 بنسا، فى حين أصرت صحيفة «ميل أون صنداى» على تثبيت سعرها، حيث تمكن فريق عمل «ذا صن أون صنداى» من ملء المساحة المخصصة للإعلان بالصحيفة فى أول أعدادها، وتضمنت الصحيفة 9 صفحات إعلانية كاملة ملونة، بخلاف الإعلانات الأخرى التى جاءت فى حجم أقل من صفحة، وفى مقارنة مع الصحف المنافسة تضمنت صحيفة «ذا ميل» الأسبوعية بأربع صفحات إعلانات ملونة فقط، فى حين تلتها صحيفة «صنداى ميرور» التى تضمنت صفحة إعلانات واحدة ملونة، كما أن إصدار نسخة أسبوعية لصحيفة يومية يعد أرخص من عملية إصدار صحيفة أسبوعية قائمة بذاتها. عاشق الصحف الورقية وفى الوقت الذى تنحدر فيه مبيعات أغلب الصحف حول العالم على المدى الطويل بنسبة حوالى من %5 إلى %30 سنويا، كان قرار مردوخ محل دهشة العديد من متابعى صناعة الصحف فى العالم، ففى الوقت الذى تتحول فيه العديد من الصحف إلى الإنترنت بديلا عن النسخ المطبوعة، «مردوخ يؤمن بشغف بالصحف، رغم أنه يستثمر بقوة فى البدائل الإلكترونية»، هكذا قال ماكجى ل«اليوم السابع»، مضيفا أن رجل الأعمال الأسترالى كان دوما غير متوقع. القصص المفبركة تاريخ صحيفة «ذا صن» تضمن الكثير من السقطات المهنية التى وضعت الصحيفة ليس فقط على رأس أعلى الصحف توزيعا، ولكن الأولى فى قائمة الصحف الصفراء، فمنذ أن اشتراها مردوخ عام 1969 اعتمدت الصحيفة فى أخبارها على الفضائح الجنسية للمشاهير، بل امتد بها الأمر إلى تلفيق عدد من القصص لزيادة عدد قرائها فى المقابل، وأشهر تلك القصص المفبركة كانت عندما استغلت الصحيفة مأساة إنسانية لتشويق القراء، حينما انهار أحد المدرجات باستاد هيلز بوروج وتوفى 95 من مشجعى ليفربول وأصيب 766 آخرون عام 1989، حيث خرجت الصحيفة بعنوان «الحقيقة» مدعية قيام المشجعين بالاعتداء على المسعفين أثناء محاولاتهم إنقاذ المصابين، وقيام آخرين بنشل مقتنيات الضحايا، وتعرض ضابط شرطة للاعتداء أثناء إجرائه قبلة الحياة لإسعاف أحد المشجعين، وخسرت الصحيفة وقتها مبيعات حوالى 40 ألف نسخة فى ليفربول من أصل 55 ألف نسخة كانت تحققها هناك، وظل الوضع هناك على ما هو عليه، حتى عام 2004 عندما خصصت «ذا صن» صفحة كاملة للاعتذار عما وصفته ب«الخطأ الشنيع» الذى ارتكبته فى تغطية تلك الكارثة. كما عمدت الصحيفة إلى إبداء الولاء للأحزاب السياسية الحاكمة وتحديدا لحزب المحافظين، حيث قادت حربا إعلامية ضد حزب العمال على مدى السنين، واستخدمت فيها قصصا ملفقة وصورا مفبركة من أجل تشويه صورة الحزب ورموزه، ومن أشهر تلك الوقائع عندما ناصرت الصحيفة رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر وجهاز الشرطة ضد إضراب عمال المناجم عام 1984-1985، حينما اختارت إحدى الصور التى يظهر فيها رئيس اتحاد عمال المناجم، وهو يرفع يده وكأنه يؤدى التحية النازية تحت عنوان «زعيم المناجم» وكتبت زعيم باللغة الألمانية، مما دعا عمال المطبعة ب«ذا صن» لرفض طبع تلك الصورة. ولا ينسى أحد التعويض الذى حصل عليه مغنى البوب البريطانى الشهير التون جون الذى ادعت الصحيفة أنه يمارس الجنس مع أطفال مؤجرين دون وجود إثبات لتلك القصة. ذا صن أون صنداى رأى البعض الإصدار الجديد لمردوخ والمتمثل فى «ذا صن أون صنداى»، مجلة أكثر منها صحيفة، فى حين وصفها أحد التقارير بالأقل «قذارة» من شقيقتها التى أُغلقت «نيوز أوف ذا وورلد»، ولكن اجتمع خبراء الإعلام والنقاد على أن مضمونها يناسب العائلات أكثر من صحيفة «ذا صن» اليومية، بل إنها تخاطب فى جمهورها المستهدف شريحة كبيرة من النساء، ظهر ذلك فى اختيار حوار نجمة Britain got talent فى الصفحة الأولى وتصريحاتها حول اقترابها من الموت أثناء ولادة ابنتها، وعدد من الموضوعات الداخلية. قال ماكجى ل«اليوم السابع»: «رغم أن فريق العمل بالجريدة كان لديهم أسبوع واحد فقط لإطلاق الجريدة والخروج بعنوان جديد، لكن المنتج اتسم بالمهنية فى نفس قالب صحيفة «ذا صن» اليومية، ولكن بمضمون يناسب العائلات أكثر، حيث لم تتضمن صفحة 3 أى عارضات عاريات، رغم وجود بعض الصور المغرية لنجمة البوب كيلى رولاند، بالإضافة إلى الخلطة المتكاملة من الأخبار والتقارير والتغطيات الإخبارية الرياضية، وملحق»، مضيفا أن كل هذا أضاف إلى القيمة الشرائية. وأشار ماكجى إلى أن الصحيفة لم تبد وكأنها منتج جديد، ولكنها تملك نفس شكل صحيفة موجودة بالفعل، مما جعل الأمر مقبولا فى سوق الصحافة الأسبوعية. حققت الصحيفة مبيعات وصلت إلى 3.25 مليون نسخة - أعلى توزيع فى الصحافة البريطانية منذ 4 سنوات - حيث أعلن مردوخ ذلك على حسابه الخاص على تويتر وأضاف: «شكرا لكل القراء والمعلنين، وآسف إذا لم تلحق بنسختك.. ربما المرة القادمة».