عقيدة المسيح المخلص الذى يحمل عن البشر خطاياهم، وحلم الخليفة العادل الذى يجمع بين يديه القوة والعدل، وعشق الملاحم الشعبية مثل سيرة أبو زيد الهلالى وغيره، كلها، وأمثالها، صنعت من شعبنا الطيب مجتمعاً أبوياً، يتربى فيه الأبناء من خلال فترة حضانة كبيرة جداً، تمتد بقدر امتداد حياة الأبوين، حتى أن الفتاة تكبر وتتزوج وتنجب، وتدفع بوليدها لأمها لتحمل عنها عبئ رعايته، والشاب من أبنائنا لا يخرجه من طور الحضانة إلا المرور بتجربة التجنيد – الخدمة العسكرية – التى غالباً ما يمر بها خريج الجامعة بين سن 22 – 25 سنة. هذه بعضٌ من الأسباب التى صنعت، والشواهد التى تؤكد أننا مجتمعاً أبوياً ينظر إلى الحاكم على أنه المتحمل الأوحد للمسئولية، وأنه الذى يجب أن يُسأل عن بغلة عثرت فى العراق. وهذه الثقافة لدى شعبنا الطيب هى المسئول الأول عن تحول الحكام إلى طواغيت على الرغم من بداياتهم التى تحمل النوايا الطيبة والأمانى العذبة. وعلى هذا فنحن مساهمون بنسبة ما – تقل أو تكثر – عن تحول البكباشى جمال عبد الناصر إلى دكتاتور، وتحول الطيار محمد حسنى مبارك إلى طاغوت. والثورة المصرية الحالية (ثورة 25 يناير) هى نقطة تحول فى هذه الثقافة الأبوية، لأنها ولدت بغير زعيم أوحد (دون أب)، ومن ثم يمكن استثمارها فى تحويل الفكر الأبوى إلى تفكير شعبى، جماعى، يقدر دور الفرد فى المنظومة الجماعية، وينظر للحاكم على أنه عنصر فى المجموعة، يؤدى دوراً يزيد فى الأهمية عن أدوار الآخرين، ولكنه لا يساوى شيئاً بدون أدوار الآخرين. التحول الثقافى المطلوب وبشدة الآن تقع مسئوليته الكبرى على المثقفين والكتاب، حيث يناط بهم نشر الوعى ورسم الطريق، ثم يأتى دور الساسة والمسئولين الرسميين فى وضع الآلية التى تعمل على تفعيل دور الفرد، حتى تصل قناعة الفرد العادى إلى أن احترامه لقواعد المرور والتزامه بتفعيلها بعيداً عن الخوف من تطبيق العقوبة يساوى تقدم الأمة وتحضر المجتمع