الأعلام فوق القلعة ترفرف معلنة صمود القلعة، أثار الدماء والآلات الحربية من المعارك التى استمرت طوال أسبوع بأكمله تغطى المكان حول القلعة، أبواب القلعة تفتح، يخرج الفرسان فى موكب مهيب، تتقدمهم الموسيقى العسكرية تدق طبول الانتصار والفرح بأبطال وأمجاد فرسان القلعة، الموكب يمر على جثث من قتلوا فى المعارك فلم يتكبد فرسان القلعة أى خسائر تذكر، الجثث تعفنت فى الفضاء فلا ذوى لهم ليدفنوهم، يرقص الفرسان طرباً ولذة عندما يرون أعداءهم ساقطين صرعى والجنود يمثلون بجثثهم فليس لهم ثمن يذكر أو أحد يحاسبهم فالنصر لنا اليوم، المواطنون الشرفاء يتجمعون بأعين فرحة ونظرة مهيبة لأمجاد هؤلاء الفرسان الأبطال، يهتفون يعيش الفرسان يعيش الفرسان، تحيا المملكة.. هذا ليس مشهداً من فيلم مملكة الخواتم، بل مشهد من مسلسل العهر السياسى الذى نعيشه طوال سنة تقريباً على قيام الثورة. فلا تتعجب عندما تجد الموسيقى العسكرية يعقبها ضباط الأمن المركزى يحملون أعلام مصر ويرفعون لافتات شكر يخرجون من مديرية أمن الإسكندرية يشكرون المواطنين الشرفاء على مساعدتهم فى القضاء على البلطجية، نعم البلطجية الذين عاثوا فى الأرض فساداً فى أحداث محمد محمود ومن قبلها أحداث ماسبيرو، وأحداث مجلس الوزراء بعدها، نعم البلطجية أمثال بهاء السنوسى والشيخ عماد عفت وعلاء عبد الهادى والدكتور أحمد حرارة. لم تكن تلك المرة الأولى والأخيرة للرقص على جثث الشهداء بل كانت مجرد بروفة من بروفات كثيرة تبعتها وإن اختلف الراقصون، الجميع يتحضر للرقصة الكبرى أنه يوم 25 يناير ففى المكان الذى سالت فيه دماء أحلى وأشرف وأرجل ما أنجبت مصر سينزل ليحتفل القتلة والمواطنون الشرفاء ومن باعوا دماء الشهداء والثوار السابقين كل يحتفل لسبب فى نفسه، مات من حلموا ببلد يحقق العدالة والعيش والحرية، ليحيا من استبدلوا فرعونا بفرعون آخر يقدسونه، ينحنون له ليل نهار آملين أن تنالهم نظرة رضا ممن صور أن بيده أن يحيى ويميت، مات من استشهد من أجل أن يجعلوا حلمهم بوطنهم الذين رسموه لأبنائهم الذين لن يولدوا حقيقة، ليحيا من هرول أمام أول غنيمة تظهر فى الأفق. لم تكن القلعة الصامدة سوى رمز على صمود النظام، أنه لم يسقط حتى الآن، إنه الأقوى والأكثر ذكاءً فى اللعبة برمتها، فهو من صور نفسه بأنه انهزم وخارت قواه ليستغل وقت نشوتنا ليعيد إنتاج نفسه فى صورة أقوى وأكثر استعدادية لأى محاولات للانقضاض عليه فالأسلحة والمتاريس المتنوعة فى انتظار كل من ينال البصيرة ليرى حقيقة أننا أمام نظام مبارك، وإن تحول ليصبح أكثر قمعية وقسوة فى ظل فقدان أى تأييد شعبى أو استعدادية من القوى الشعبية لأى حلول ثورية أخرى تعطل العجلة وتوقف دولاب العمل. عزيزى المواطن لك كامل الحق فى أن تنزل لتحتفل فأنت لن يكون لك شهيد تبكيه فى هذا اليوم بمناسبة مرور سنويته دون محاسبة حتى ذبابة على مقتل ما يزيد عن ألف من أبناء مصر، كما لست من أصحاب العاهات والإصابات لتجلس تتذكر المرات الأخيرة التى مشيت فيها على قدميك اللتين فقدتهما، أو آخر مشهد رأيته قبل أن تفقد عينيك، كما أنك لست من الأهالى الذين يبكون سجن أبنائهم فى السجن لمجرد أنهم نزلوا يدافعون عن عرض وشرف هذه البلد، ليواجهوا المحاكمات العسكرية وينالوا الحكم فى ساعات معدودة بينما مبارك يتنزه بالطائرة ليحسن من حالته النفسية طوال سنة بأكملها. عزيزى الثورى السابق يا من واجهنا الموت فى الميدان سوياً، عرفنا مرارة الانكسار ولذة الانتصار، عرفنا النوم على الأسفلت، وكباية الشاى الدافئة فى عز البرد، يا من تركتنى أواجه مصيرى ولهثت وراء أول سراب خيل لك فى الصحراء، يا من كنت أستجديه وأستنجده وقت كنت أذبح وأسحل ويهتك عرضى وشرفى فى الميدان لترد على بأنى مخطط لوقف عرس الديمقراطية ذلك العرس الذى كانت فيه دمائى بدلاً من دماء البكارة فيه، أتمنى أن تحتفل فأنت حققت الفوز المادى وأنا حققت الزهو والانتصار المعنوى يكفينى فخراً أننى سأموت رافع الرأس غير مكسور العين، بينما نظرات العار ورائحة الخيانة من بين أصابعك الملوثة بدماء من سقطوا فى محمد محمود ومجلس الوزراء تطاردك وتاريخك الأسود طوال العمر. لدى رجاء أخير بدلاً من أن ترقص على جثتى يوم يقتانى العسكر، أحفظ حرمة جسدى ولا تجعلهم يلقونها فى الزبالة، عزيزى المواطن الشريف، عزيزتى المواطنة الشريفة "يهيب المجلس الأعلى بشعب مصر العظيم بالانتظار يوم 25 يناير فوق أسطح العمارات للحصول على كروت الهدايا، والتوجه إلى أقرب منطقة عسكرية لاستبدال هديته، نعدكم بعدد من الجوائز المتميزة، قد تحصل على نظارة الشهيد علاء عبد الهادى، أو عمة الشيخ عماد عفت، أو عينى أحمد حرارة، أو عباية الفتاة المسحولة (بس البسى حاجة تحتها وأنتِ نازلة)، كما يتمنى لكم قضاء ليلة سعيدة من الرقص على جثث الشهداء مع نجم الجيل والفنان الحساس ازبايضر" والله الموفق والمستعان. سننتصر وإن متنا فنحن منتصرون".... مينا دانيال.