تضافرت العوامل لإثارة أحداث التحرير وميادين مصر منذ 18 نوفمبر، ويتساءل الكثيرون: هل ما يحدث استكمال لثورة يناير أم أنه تحريض ضدها؟، وهل يعبر عن غضب المصريين من سياسات المجلس العسكرى وحكومة شرف؟، ولكن السؤال الأهم: لماذا وقعت هذه الأحداث قبل إجراء الانتخابات البرلمانية بأيام؟. الإجابة عن هذا السؤال تتطلب نظرة شاملة إلى جميع الفئات التى شاركت فى تطور الوضع، فأولها القوى السياسية المدنية: التى دفعت أتباعها للاعتصام فى ميدان التحرير، حينما شعرت أن القوى الإسلامية سوف تكتسح الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة بعد نجاحهم فى عرض قوتهم فى مليونية 18 من نوفمبر على حساب القوى المدنية (ليبراليين، يساريين، ناصريين، وفلول الحزب الوطنى..)، والتخوف بالتحديد من جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنها تتمتع بتاريخ طويل فى العمل السياسي، ودفعت الثمن كثيرا بدخول أعضائها للسجون والمعتقلات، ولكونها جماعة متماسكة ومنظمة ولها شعبية كبيرة فى الشارع، بل واكتسابها صفة الشرعية بعد ثورة يناير، وغيرها من القوى الإسلامية التى اكتسحت فى ظل الفشل المعتاد للقوى المدنية فى اكتساب ثقة المصريين، فبحثت القوى المدنية عن طريقة لتأجيل الانتخابات، لتكتسب وقتاً يمكنها من إظهار نفسها واكتساب شعبية، وبعد انتهاء مليونية 18 نوفمبر، وانسحاب الإسلاميين، أصر أتباع القوى المدنية على المبيت فى الميدان، ومن هنا جاء الصدام بينهم وبين قوات الأمن. وحتى هذه المرحلة، لم يتعاطف المصريون مع الاعتصام، إلا أن رد الفعل العنيف من قوات الأمن ضد المعتصمين بالميدان _سواء بأوامر أو بدونها_ والذى أدى لسقوط شهداء وجرحى، أثار غضب الكثيرين فى القاهرة والمحافظات الأخرى، مما أدى لانضمام أسر الشهداء والمتعاطفين معهم، وهذه الفئة الثانية ليست لها أى مصالح سياسية، ولكنها ترفض العنف من جانب قوات الأمن، مطالبةً بالقصاص. أما الفئة الثالثة هى القوى الشبابية: التى خرجت من رحم الثورة، وتفرقت بين أكثر من اتحاد وتنظيم، فقد انضمت إلى المعتصمين فى الميدان لشعورها بأن القوى السياسية قد سرقت أحلامها وطموحاتها بعد الثورة لتحقيق مكاسب خاصة، فضلاً عن شعورها بتجاهل المجلس العسكرى لها، وإبعادها عن المشاركة فى إدارة شئون البلاد، فتمردت القوى الشبابية على الواقع، وقررت النزول للميدان لتغيير الوضع للمرة الثانية، مستشعرةً بروح ثورة جديدة، وأيضاً رفضت التعامل العنيف لقوات الأمن وسقوط الشهداء. أما الفئة الرابعة: هم المواطنون ممن اجتاحهم الغضب نتيجة تباطؤ السلطة فى إتمام محاكمات المسئولين الفاسدين أو القبض على المسئولين الهاربين خارج البلاد أو استعادة أموال الشعب المُهربة أو القصاص من قتلة الشهداء، علاوة على الغاضبين من المجلس العسكرى منذ وقوع أحداث ماسبيرو، ويضاف لهم المصريين البسطاء الذين حلموا بحياة أفضل _على المستوى الاجتماعى والاقتصادى_ بعد ثورة يناير، ولم يجدوا من سياسات المجلس العسكرى _خلال عشرة أشهر_ آلية لإحداث أى تغيير، فضلاً عن البطء الشديد فى سياسات مجلس الوزراء التى خيبت الآمال، وقد اعتصمت هذه الفئة مرات عديدة أمام مجلس الوزراء، مطالبةً بتحسين مستوى المعيشة. فقد بدأت أحداث التحرير بتآمر من بعض القوى السياسية لتأجيل الانتخابات، ونزع السلطة من المجلس العسكرى، وتكوين مجلس رئاسى مدنى، للسيطرة على الحكم وتحقيق أجندات خاصة، ولكنها تطورت واكتسبت (الصبغة الشرعية) بعد اكتساحها باقى الميادين، وانضمام كل من المعارضين لأعمال العنف، والشباب الثوار والبسطاء الآملين فى حياة أفضل، والحصول على تعاطف وتأييد كثير من المصريين. ولكن الخطر ليس فى استمرار الاعتصام بالميدان، ولكن فى الآتى: 1 أن يتحقق هدف القوى المدنية فى إرباك العملية الانتخابية التى تمثل خطوة على طريق التحول الديمقراطى وسحب السلطة تدريجيا من المجلس العسكرى، وتكوين برلمان شعبى لأول مرة يعبر عن إرادة المصريين فى انتخابات نزيهة. 2_ إعطاء الفرصة للبلطجية والمأجورين بالاندساس وسط المعتصمين، وإحداث مؤامرات تسقط شهداء جُدد، والسؤال: من الذى قام باستدراج المعتصمين إلى شارع محمد محمود لمهاجمة وزارة الداخلية رغم عدم وجود الوزارة فى هذا الشارع، ووجودها فى شارع الشيخ ريحان بعيدا عن محمد محمود؟، وما هدف مهاجمة المؤسسة الأمنية وإسقاط هيبة الدولة، واضطرار الشرطة للدفاع عن الوزارة وإطلاق الرصاص؟ 3 القبض على أجانب يحاولون الاعتداء على أفراد الأمن وإلقاء قنابل مولوتوف. 4_ تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأوضاع السياحة، 5 المطالبة بتنحى المجلس العسكرى دون وجود بديل عنه؛ لأن جميع القوى السياسية _بلا استثناء_ غير مؤتمنة على إدارة شئون البلاد؛ لأنها تسعى لمصلحتها الخاصة. 6 ظهور أصوات فى العباسية ترفض تنحى العسكرى، وقد تظهر فتنة بينها وبين معتصمى التحرير فى حالة تدخل طرف ثالث. 7 الخوف من أن تفقد مصر المظهر الراقى لثورتها السلمية البيضاء، وتفقد النموذج المشرف الذى قدمته للعالم العربى والغربى. فهناك حاجة ملحة فى أن يشارك المصريون بكل فئاتهم فى الانتخابات التى بدأت اليوم، وأن يساعدوا فى تأمين العملية الانتخابية ممن يريدون تخريبها، ولكى تسير المرحلة الانتقالية بشكل سلمى؛ لإعداد الدستور ثم انتخاب رئيس الجمهورية، خاصة وأن المجلس العسكرى وضع جدولا زمنيا لتسليم السلطة، فالأولى النظر للمصلحة العامة للبلاد بدلاً من تحقيق أهداف القوى السياسية التى لا تسعى سوى لمصلحتها الخاصة.